الاثنين، 30 سبتمبر 2019

علمتني تجربة البناء | (2)


(11)
#علمتني_تجربة_البناء أنك مهما اجتهدت لتلافي الأخطاء التي وقع فيها غيرك فإن خطأ أو نقصا ما سيظهر بعد حين.
الكمال لله وحده!..
قبل أن أشرع في البناء زرت كثيرا من البيوت، وقد خطر ببالي حينها أنني وَعَيْتُ تماما ما يتعين عليَّ الانتباه إليه. حين سكنت البيت لاحقا، كررت كثيرا عبارات من مثل (لو أنني فعلت كذا لكان أحسن)، (يا إلهي كيف لم أنتبه لهذا)، (لم أحسب أن هذا مهم إلى هذه الدرجة)؛ وعبارات كثيرة مثلها تدل على أن البيت الكامل الذي لا تأتيه الأخطاء لا من بين يديه ولا من خلفه؛ لم يُبنَ بعد!


(12)
#علمتني_تجربة_البناء أن جزءا كبيرا من منظومة الغنى لا تتم إلا بفقر الفقراء. معادلة صعبة موجعة، ولكنها حقيقة. العامل الذي يبدأ عمله في البيت منذ الصباح الباكر وحتى قبيل المساء، ألزمه فقره هذا العمل، ليأتي الغني فيسكنه مرتاحا منعما. نعم؛ يتقاضى أجرا، وربما يكون سعيدا بعمله، ولكن هذا لا ينفي صحة المعادلة.


(13)
#علمتني_تجربة_البناء أن الجشع والاستغلال ليست لهما جنسية، ولا حدود، ولا يعترفان بما وقر في نفسك من وطنية أصيلة، أو أخلاق إنسانية رفيعة، أو التزام ديني صادق. قد تجد من هذه الآفات عند ابن البلد، أو العربي، أو من سمي في جوازه مسلما؛ أكثر مما قد تجده عند غيرهم. هذا كلام مؤلم، ولكنه حقيقة أؤكدها بضمير غير مؤنب، لأن (الصدق) خير ما تؤكد به الوطنية والأخلاق والتدين.


(14)
#علمتني_تجربة_البناء أن مبدأ (الخروج بأقل الخسائر) مبدأ ينجي من كثير من المزالق ويريح من كثير من المتاعب التي يجد نفسه فيها من يسير على مبدأ (عدم القبول بالخسارة). اتفقت مع شاب على أداء خدمة لي، نظير مبلغ معين. بعد أن دفعت له مقدما جزءا من المبلغ؛ اكتشفت أنه لص محتال. كان قد جلب لي جزءا من بضاعة اتفقنا عليها، وكان لديَّ خياران قبل أن أنسحب من الاتفاق معه: استرجاع المبلغ الذي دفعته كاملا، أو احتساب المبلغ نظير البضاعة المجلوبة. آثرت أن أنهي تعاملي معه بالمبدأ الثاني، فقد وقع في نفسي أن مطالبتي باسترداد جميع ما دفعته سيكلفني الزمن الطويل وربما الدخول في إجراءات قانونية معقدة.


(15)
#علمتني_تجربة_البناء أن صاحب المال مستهدف بخير أو بشر من قبل مقدمي الخدمات، كلهم يخطب وده، ويتلقاه بالبشاشة والترحاب؛ حتى إذا فازوا بما يطلبونه، فإن صاحب الخير يزيد في بشاشته ويجتهد في إثبات ما كان منه في اللقاء الأول، وصاحب الشر يسفر عن وجهه القبيح، ويتهرب من التزامه الذي تغنى به أول الأمر.


(16)
#علمتني_تجربة_البناء أن توثيق كل تفاصيل البناء بالكتابة أو التصوير مهم جدا وينفع في أكثر من اتجاه. فعلى سبيل المثال؛ انتفعت بما احتفظ به جاري من بيانات موردي الخدمات الذين تعامل معهم، وكان ذلك أسرع لي في التواصل معهم. كما نفعني التصوير بهاتفي لمراحل البناء في الإجابة عما يستفسر عنه العمال الذين يأتون في مراحل لاحقة. كنت آتيهم بالتفاصيل التي اختفت بفعل تقدم البناء بسهولة ويسر. وكذلك انتفعت بعادة (طلب تأكيد الاستلام برسالة نصية) عقب كل دفعة أقوم بتحويلها لحساب المقاول، وتقييد كل ما أقوم بشرائه مما هو مفترض عليه، وتقييد كل ما نتفق عليه من أسعار لخدمات إضافية طلبتها منه؛ وكتابة كل ذلك في مذكرة هاتفية جعلتها لكل مصروفات البيت. كان المقاول يتأخر أحيانا في إرسال صورة الإيصال، وقد حدث أن نسي كتابة بعض الإيصالات، كما لم يتذكر تماما المبلغ الذي اتفقنا عليه في بعض الإضافات؛ فما أسعفني حينئذ –بعد توفيق الله- إلا تلك المذكرة الهاتفية!


(17)
#علمتني_تجربة_البناء أن الحياة خير ما يعلم الإنسان. كم من هؤلاء الذين مروا على بيتي لم يدخلوا مدرسة ذات علاقة بأعمالهم التي يمارسونها، ومع ذلك فقد رأيتهم يعملون بمهارة وإتقان، حتى ليسوغ أن يكونوا هم معلمين يؤسسون القواعد لمن يريد أخذ مادة عملية في هذا المجال. ليست الحاجة أم الاختراع فحسب؛ بل هي أم التعلم أيضا وأم كثير من خبرات الإنسان ومعارفه النظرية والعملية.


(18)
#علمتني_تجربة_البناء أن تجارب الفقر التي يمر بها العمال في بلدانهم تجعلهم يتقبلون السكن في أي مكان، والنوم في أي موضع. بني بيتي في زاوية موحشة نوعا ما، لا توجد من حولها بيوت كثيرة. بيت واحد ومن بعده (سيح) أجرد تحت جبل، ومع ذلك فإن العامل الضئيل الجسم لا يأنف من أن يبيت وحده في البيت الذي لم يكتمل البناء فيه بعد، وربما لا يشعر فيه بالوحشة.


(19)
#علمتني_تجربة_البناء أن التفاوت في الأسعار لا يعني دائما التفاوت في الجودة. المثل الشعبي (إذا ما تعرف؛ الثمن يعرف) ليس صحيحا دائما، وإن كان صحيحا في بعض الأحيان أو (ربما) في كثيرها.


(20)
#علمتني_تجربة_البناء أن ابتسامة البداية لا تؤثث الاتفاقات الأولى دائما بما يجب لها من التزام وأخلاق؛ فقد تكون كما قال المتنبي: "إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم"، مع تحفظي على استخدام كلمة (الليث) –بالطبع- في  هذا المقام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق