الاثنين، 18 يناير 2016

رُبَّ (عَطْسَةٍ) تقول لصاحبها: دعني!


حكى لي أحد الأصدقاء حكايةً، أجدها جديرة بالعرض عليكم هنا.
يقول: في زمن مضى؛ التقى اثنان من شيوخ القبائل في عمان، وبمعيّة كل واحد منهما عدد من أفراد قبيلته، فأخذا يتحدثان في شأن من الشؤون. وبينما هما كذلك، والجميع منصت لحديثهما؛ إذ عطس أحد الحاضرين من جماعة الشيخ الأول، وقال: "الحمد لله"، فشمَّته أحد أفراد جماعة الشيخ الثاني بقوله: "يرحمك الله"، فرد العاطس: "يهدينا الله ويصلح بالكم" –كما هي السُّنَّة-.
وكانت العادة قد جرت على أنه إذا تحدث الشيوخ، فلا مجال لأحد من الحضور أن يتكلم في حديث جانبي.
انزعج الشيخان مما حدث؛ فانتهر أحدهما المتحدثيْن بقوله: ماذا؟.. هل تريدان تحويل جلستنا هذه إلى مدرسة قرآن؟..، ووجه حديثه لابن قبيلته: (رَفَقْت) عليك يا فلان، ألا تدخل بلدة (...)، وسمى له بلده التي ينتمي لها. وكذلك فعل الشيخ الآخر مع ابن قبيلته!
وهكذا رجع المسكينيْن: (العاطس) و(المُشَمِّت) طريدين من بلديهما بسبب عطسة! ..
*
فيا رُبَّ (عَطْسَةٍ) تقول لصاحبها: دعني!
**
كلمة (رفقت عليك) أعلاه؛ دارجة في اللهجة العمانية، وتأتي بأكثر من معنى. وهي في السياق أعلاه بمعنى أمرتك أو أمرت في شأنك بكذا، وربما يكون أصلها من (رَفَقَ الجَمَلَ : رَبَطَهُ بِالرِّفاقِ)، والرِّفاق حبل يُشَدُّ به البعير من الوَظِيف إِلى العضد أو إلى الرسغ تحديدا–كما جاء في لسان العرب-، فكأن قائلها يَرْبط المرفوق بهذه الكلمة. وفي مثل هذا السياق؛ فإن من يخالف (الرفق) فسيتحمل وخيم العواقب كأن يُقتل أو يُنَكَّل به أو ما شابه، والله أعلم.

السبت، 9 يناير 2016

ماذا لو .. ؟!

تقوم جهات حكومية عديدة، بإيعاز من جهات مسؤولة في البلد؛ بتخفيض النفقات (غير الضرورية)، من خلال تعاميم ترسلها إلى دوائرها البعيدة والقريبة، وهذا أمر حسن محمود –لا شك في ذلك-. وفي حدود ما اطلعت عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ فإن (غير الضروري) هذا ينطبق على الجرائد التي توزع على الموظفين، ووقود السيارات عند من تمنح لهم سيارة بحسب طبيعة العمل، وأوراق المراسلات الداخلية، وما يشبهها من هذه الأمور البسيطة –التي إن أسهمت فيما يراد لها؛ فإن إسهامها سيظل محدود الأثر، ولن يؤتي الثمرة المطلوبة-.
لقد تحدث الناس مرارا وتكراراً في المنتديات الإلكترونية ومنصات الإعلام الجديد، كما تحدثت الصحف؛ عن مناقصات مليوينية ومليارية، تستهلك جزءا كبيرا من أموال الدولة، على مسمع ومرأى من جهات الرقابة المالية والإدارية، دون أن تتحرك هذه الجهات لإيقاف هذا النزيف، وضبط حركة الأموال في مسارها الصحيح. هذا لا يعني –بالضرورة- أن تلك الأموال قد صرفت في غير منفعة، ولكن كان بالإمكان -حسب ما يرى كثير من المتابعين- تنفيذها بأقل كثيرا من تلك الأسعار أو بشروط أفضل، والأمثلة على هذا كثير. في الحيل الشمالية (مثلا) تم تجميل شارع الخدمات بأرصفة (إنترلوك) ومواقف إسفلتية أمام المحلات. وبعد أشهر قليلة تم الإعلان عن إضافة الحارة الثالثة لشارع السلطان قابوس، فتمت إزالة أغلب تلك الأرصفة -لصالح توسيع الشارع البديل- وأصبحت أثرا بعد عين!
الإشكالية لدينا – فيما أرى، وأنا لست خبيرا في التخطيط الاقتصادي- تتمثل في عدد من الأمور، لو أخذت بعين الاعتبار لدى أركان التخطيط الاقتصادي في البلد، لتغيرت كثير من نتائج المستقبل. هنا أعرض بعضا مما يدور في الخاطر حول هذا الموضوع..


·      ماذا لو كان (ترشيد الإنفاق) عندنا منهجا ثابتا لا ردة فعل مؤقتة تجاه أزمات تحدث بين الفينة والأخرى؟.. بحسب تأملات الداعية المعروف الشيخ عبدالله العيسري في سورة يوسف؛ فإن (ترشيد الإنفاق إنما يكون في أوقات الرخاء لا أوقات الشدة)، وهذا يعني أن تكون العُدَّة قد هيئت من قبل.

·      ماذا لو تم إيجاد آلية مشتركة للتنسيق السريع بين الجهات الحكومية، بما يكفل وضوح الرؤية لدى الجهات ذات العلاقة كلها، حول أول المشروع وآخره؟.. ثمة مشروعات صغيرة تابعة تتقدم المشروع الكبير-وكان يمكن أن تتأخر أو تلغى-؛ فيكون حظها الهدم بعد البناء، وبالتالي ضياع كلفتها المالية.

·      ماذا لو تم غرس وعي مجتمعي عام بضرورة ترشيد الإنفاق، وتشجيع ثقافة الادخار وتثمير المال، وتحمل المسؤولية الدينية والوطنية والتاريخية تجاه المقدرات العامة للدولة؛ من خلال المناهج الدراسية للنشء، والبرامج الإعلامية للشباب، وحملات التثقيف العامة؟.. ماذا لو ترتب على هذا وجود جيل قادر على الاعتماد على نفسه وقت الأزمات (من ناحية)، فلا يئن تحت وطأة الضغوط، إذا عجزت الحكومة –لا قدر الله-عن الوفاء بخدماتها المعتادة، و(من ناحية أخرى) يستطيع الوفاء بما هو مطلوب منه في إدارة وخدمة مؤسسات الوطن، والمساهمة في دفع عجلة اقتصاده.

·      ماذا لو أنشأت الحكومة منصات حوارية، أو دعمت القائم منها؛ لتشجيع عصف ذهني مجتمعي، تتخلق من خلاله أفكارٌ يمكن أن تكون نواة لمشروعات استراتيجية، تنقل الدولة من الاعتماد على اقتصاد ريعي لا يدوم، إلى اقتصاد فكري يصمد في وجه التحديات المتغيرة؟.. وهنا يمكن اقتراح تأسيس ما يمكن تسميته بـ (بنك الأفكار الوطنية)، تجري معالجة موجوداته بموضوعية وشفافية ونزاهة، عبر مؤتمرات وندوات يحضرها خبراء بارزون، وعبر مداولات أعضاء المجالس الثلاثة (الشورى، والدولة، والوزراء).

·      ماذا لو تم إحكام الرقابة والمساءلة على الجهات الحكومية، صغيرها وكبيرها؛ بما يضمن التزامها بتحقيق (المنفعة) المتوخاة منها؟.. لاحظ كلمة (المنفعة) بدلا من كلمة (الخدمة)!.. هذه الملاحظة قد تعيد النظر في مشروعية وجود واستمرار دوائر ومؤسسات تُنشأ بلا خدمات أصلا، أو بلا منفعة من خدماتها، فنفعها –في كل الأحوال- غير متحقق لسبب أو لآخر، وليس هذا مقام تفصيلها.
·      ماذا لو تمت محاسبة المسؤولين المقصرين (السابق منهم، والموجود حاليا)، وتمت مكافأة المحسن منهم (فقط)؟.. من نافل القول هنا أن الأموال والامتيازات العِراض لم تبذل للمسؤول الكبير في الدولة –لسواد عينيه؛ كما يقال- بل لينهض بمسؤوليته في الحفاظ على استقامة المؤسسة التي يديرها، وتحقيق إنجازات نوعية ملموسة. | ملاحظة: يحصر بعض المسؤولين مفهوم الأمانة –للأسف-، في ألا تمتد يده للسرقة من الأموال العامة، وإن أصبح هو ومؤسسته عبئا على الدولة!

·      ماذا لو حظيت هذه التساؤلات بإجابة؟