الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

المعرفة .. وصولا إلى الاعتراف !

الحوار الذي أجري مع سماحة الشيخ (أحمد الخليلي) المفتي العام للسلطنة في برنامج (لقاء الجمعة) على قناتي (الرسالة) و(روتانا خليجية)؛ كانت له أصداء كثيرة طيبة. تكفي لمتابعتها نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، ففيها سجل كامل لكل ما ظهر من انطباعات وتحليلات. لأمر ما؛ كان هذا اللقاء موضع اهتمام من قبل أطراف عديدة وشرائح مختلفة داخل السلطنة وخارجها. وليس ذلك –قطعا- لأنه اللقاء التلفزيوني الأول لسماحة الشيخ خارج السلطنة، فثمة لقاءات إعلامية عديدة سبقت، ولكن لأنه يمثل نموذجا مهما لما ينبغي أن يكون عليه خطاب المذاهب الإسلامية من الدفع باتجاه اجتماع المسلمين على كلمة سواء والاعتصام بحبل الدين لا بحبل المذاهب، من خلال خطاب معتدل غير متشنج ولا صاخب، يتوجه به رموزها العقلاء الكبار إلى جماهير الأمة المسلمة قاطبة، ويقوم على ثلاثية (المعرفة، والتعارف، والاعتراف).

هذه الثلاثية اقترحها يوما ما أحد مفكري الإباضية؛ وهو الشيخ (علي يحيى معمر)، وشرحها بقوله: "بالمعرفة يفهم كل واحد ما يتمسك به الآخرون، ولماذا يتمسكون به. وبالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعي للعبادات. وبالاعتراف يتقبل كل واحد منهم مسلك الآخر برضا، ويعطيه مثل الحق الذي يعطيه لنفسه (اجتهدَ فأصاب، أو اجتهدَ فأخطأ)".

إن معرفة الحقيقة حاجة إنسانية قبل أن تكون حاجة أو ضرورة إسلامية، ثم إن إتاحة الفرصة لعموم الناس لمعرفة فكر وحقيقة أي مذهب إسلامي من خلال رموزه الكبار -لا من خلال وسطاء مضللين- يقترب بهم من الحقيقة أكثر؛ فطالما أفرزت الوساطة المضللة تحريفا للكلم عن مواضعه، وكيلا للتهم دون سند صحيح، وسوقا للأباطيل من كل حدب وصوب؛ الأمر الذي أدى (مثلا) إلى تكفير الإباضية حينا، وجعلهم من الخوارج حينا آخر، واعتبارهم مدرسة صغيرة لا وزن لها من مذهب آخر حينا ثالثا، فيما هم من هذا كله بين براءة من التهم الباطلة، وكونهم أول المذاهب الإسلامية نشوءا وأقدمها على الساحة.

ولأن صوت هذا المذهب العريق قد تم تغييبه، فقد ظن البعض أنه تكتم مقصود من قِبل أتباعه، وليس الأمر كذلك بالطبع. لكن الحضور الطاغي لخطاب مذهبي وحيد مدعوم بالمال والإعلام والجغرافيا في واجهة المشهد الديني؛ ساهم في إضعاف خطاب المذاهب الإسلامية الأخرى، فضلا عن خطاب المذهب الإباضي الذي لا يصنف أصلا في دائرته، ولايستند إلى آلة إعلامية قوية، ولا يميل أتباعه –غالبا- إلى الضجة والصخب.. كل هذا ساهم في تشكيل حالة من الجهل به، في مقابل رغبة -ليس في عمان فحسب، بل خارجها- في أن يكون صوته مسموعا في نطاق أوسع. وقد عبر عن هذا مغرد سعودي كتب في وسم (لقاء الجمعة مع الخليلي) على (تويتر): (نحتاج الى أن نرى شيوخ وعلماء عُمان وإن اختلفنا معهم. هناك من يتعمد عزلهم عن المجتمع الخليجي!).

في كل الأحوال، عسى أن يكون هذا اللقاء مقدمة لبرامج كاملة تتيح فرصا أفضل للمعرفة والتعارف وصولا إلى الاعتراف، وأن يكون دافعا لتعزيز قيمة مهمة نحتاج إليها عند كل اختلافٍ مع آخر، وهي: العدل!