السبت، 7 ديسمبر 2019

يوميات عابرة | (21 - 30)

 (21)
عرفت من دروس التاريخ أن الجزائر هي بلد المليون شهيد، ومن بعض برامج الشعر المتلفزة أن موريتانيا هي بلد المليون شاعر، ومن جولاتي في شبكة المعلومات أن البحرين هي بلد المليون نخلة، ومن أحاديث الزملاء في العمل أن (لامو)  وهي مدينة في كينيا، هي بلد المليون حمار!!

أما الجزائر؛ فقد سميت بهذا لكثرة ما قدمت من شهداء خلال ثورتها على الاستعمار الفرنسي التي استمرت سبع سنوات ونصف، وموريتانيا لكثرة شعرائها حتى قيل ما يموت شاعر إلا ولد مكانه شاعر آخر، والبحرين فيبدو أنه لكبر مساحة المزروع من النخيل -في زمان سلف- بالقياس إلى مساحتها الصغيرة.

وأما (لامو) فلأن عدد الحمير فيها كثير بالقياس إلى عدد السكان. حدثنا بذلك أحد الزملاء في العمل، وكان بيننا زميل آخر من أهل هذه المدينة، فسألناه عن ذلك، وذكر أن هذه تسمية (الخواجات) فقد كانوا يرون الحمار في كل مكان. 

ثم إنني وجدت تقريرا إخباريا في موقع الجزيرة نت يذكر أن عدد الحمير في هذه المدينة يبلغ حوالي 25 ألف حمار، ثلاثة آلاف منها داخل المدينة القديمة، وأن له مكانة كبيرة في نفوس الأهالي بحيث إنهم يستخرجون شهادات رسمية لكل حمار يولد، يسجل فيها اسمه ونسبه وبيانات أخرى كما يفعل ملاك الخيول في بلدان أخرى.

ومن طريف ما قرأته في هذا التقرير أنهم يقولون -بالنظر إلى ما قدمه الحمار من خدمة جليلة في أعمال البناء-: إن الحمار هو من بنى (لامو)!


(22)
الروح العمانية حاضرة بقوة في نزوى. تراها في العمانيين الذين يديرون محلاتهم بأنفسهم، وفي التفاصيل الصغيرة في الشوارع والأسواق، وفي المباني التراثية، وفي مسير الناس ومجيئهم. قلت مرة: إنني أرى في (نزوى) عُمانَ كلها!



(23)
في نزوى رأيت أول خياط عماني، وأول إسكافي عماني، وأول عاملٍ في مقهى، وأول صائغ، وأول بائع خضار، وأول بائع كتب. وهذا الأخير كان دكانُه (سَحَّارَةً) صغيرة، يجعلها أمامه في ناحية من السوق، يبيع فيها الكتب التي تطبعها وزارة التراث، وأظنه كان أعمى لا يرى.


(24)
"قول شيه مية بيسة أقوطي بارد"!

لا أنسى هذه الجملة التي حكيتها –ضاحكا، عشرات المرات- لأصدقائي فيما بعد، وأنا أمثل لهم المشهد. كنت واقفا أنتظر أبي أمام مقهى البريد. أنتظر مجيئه بفارغ الصبر، حتى أنحرف معه -قبل ركوب السيارة عائدين للقرية- إلى المقهى الشهير بمشاكيك اللحم اللذيذة. لدي مائتا بيسة، إحداهما ستكون للساندويتش والأخرى للمرطبات.

فوجئت بالمتسول الصغير (وربما يكون مختل العقل؛ لست أدري) يمد إليَّ يده، وهو يتلمظ شبعانا ما بقي في فمه من المشكاك الذي أتى عليه، يطلب مئة بيسة لعلبة المرطبات.

- يا سلام.. سير العب!

كأن لسان حالي كان ينطق بهذه العبارة، وأنا أصرفه بعيدا عني. كان في مثل عمري تقريبا، وكان المتسول الأول الذي أراه في حياتي. لم تكن مشاهد التسول مألوفة بعد، ولم يكن في وسعي أن أعطيه ما لديَّ. وربما دفعني للرفض المفارقة بين حاله وحالي: هو يتلمظ من شبع، وأنا يسيل لعابي من شم روائح المشاكيك في المقهى خلفي. إن أعطيته المائة فهذا يعني أن الوجبة النزوانية التي ارتبط بها اسم نزوى في أذهاننا ستكون ناقصة. وليست تصلح نزوى لا في ذلك الزمان ولا في غيره إلا للتمام والكمال. اللهم احفظ نزوى وأهلها، واحفظ عمان كلها، من مسندمها إلى ظفارها!


(25)
"الشيخ أرسل (رجَّال) ما أرسل (رْيَال)!!"..
قالها صديق لصديقه من طلبة الشيخ حمود الصوافي، وقد أحسن التصرف في مهمة أرسله الشيخ فيها.
وربما لو قالها أحدٌ ممن يُبدلون الياء من الجيم؛ لكانت أدنى إلى (المَثَلِيَّة)، ذلك أنها ستكون هكذا:
"الشيخ أرسل (رَيَّال) ما أرسل (رْيَال)"، إن لم تكن منقولة في أصلها عن مثل سائر.

والقصة أن الشيخ -حفظه الله- أرسل أحد طلابه، ممن يثق بهم، لشراء شيء من الأغراض من مكان بعيد، وزوَّدَه بما ظن أنه يكفيه من المال لتلك المهمة، ثم أرسل إليه قبل أن يعود مبلغا إضافيا على سبيل الاحتياط.

ولكن المال المرسل كله قَصَّر عن الوفاء بتكاليف هذه المهمة، ولم يكن لدى الطالب ما يكفي لإكمال الناقص. وعوض أن يتصل بالشيخ لزيادة المبلغ أو الرجوع دون الشراء –كما قد يفعل العيي الذي لا يبدو له من كل أمر إلا جانبان- فإنه آثر أن يتدبر أمره بطريقة ما، من هنا ومن هناك، دون أن يبلغ الشيخ بما حدث.

والمقصود من العبارة أن الشيخ أرسل رجلا يتزوَّد من حكمته وحسن تصرفه أكثر مما يتزوَّد من المال!
وفي مثل هذا الفتى النبيه وأشباهه؛ قال الشاعر:
إذا كنتَ في حاجة مرسِلا، فأرسِل حكيما ولا تُوصِهِ..


(26)
كان من جديد المفردات الإنجليزية عليّ إبّان سنواتي الدراسية الأولى في #جسق؛ كلمة (#دوت). وحين زرت #ضنك أول مرة، وكانت خلال الفترة نفسها؛ فوجئت بالكلمة اسما لإحدى بلداتها. استظرفت الاسم، وكنت أقول كلما ذُكرت البلدة: (دوت كوم)!!
ومن يومها ترتبط (ضنك) لدي بـ (دوت)، وما زلت أتفكر في أصل التسمية.
خطر ببالي يومها أن الاسم إرث من أحد الإنجليز الذي مروا على هذه القرية في زمن غابر. ويخطر في بالي الآن أن أصلها ربما يكون من الفعل (دوَّى). وربما يكون لدى أهل #ضنك و #دوت خبر غير هذا، أصدقُ قيلا، وأحسن تأويلا..

(27)
في لقاء تركي الدخيل، الإعلامي بقناة العربية، مع الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد؛ فوجئت بأن هذا الشاعر العربي الفصيح الذي قربه صدام حسين إليه، فقال فيه القصائد العظيمة ورثاه أحسن الرثاء بعد موته؛ فوجئت بأنه أحد أفراد طائفة (الصابئة المندائية). ثم فوجئت أكثر بما قاله من أنه يحفظ القرآن الكريم، وأنه أنشد غير قصيدة في الإمام الحسين، بسبب ارتباطه بفعاليات الشيعة العراقيين إبان عاشوراء وغيرها منذ أن كان صغيرا.
في هذا اللقاء؛ ذكر الشاعر المعروف أن لغته قرآنية، وأنه ترجم كتاب الصابئة إلى العربية، على نحو يحاول أن يشبه النظم القرآني؛ لأن العربية -في رأيه- لغة مقدسة.


(28)
مما شهدته وسمعته عن شيخنا العلامة حمود الصوافي أنه يتأمل في أسماء من يحضرون مجلسه، فربما دفع إلى تغيير ما يبدو منها غير لائق، وربما داعب بعض أصحابها موحيا أن للاسم دلالةً ينبغي الأخذ بأحسن منها، وربما أعجبه اسم منها فكان من حسن حظ صاحبه أن يحظى بمداعبة محبوبة من الشيخ كلما ناداه أو ذكر اسمه .
ومن ذلك (مثلا)؛ أنه غير اسم أحد طلابه إلى (عبدالرحمن) بعد أن كان اسمه (الماس)، وغير آخر إلى (يحيى) بعد أن كان اسمه (مصباح). وكان ينادي أحد طلابه واسمه (نذير) بـ (بشير). وكان يداعب أحد زملائنا واسمه (حارب) بقوله: أنت سالم!  أو: متى تسالم؟! أو: بعدك حارب؟ / أما زلت (حارب)؟! وحين يأتيه من يسمى بـ (مسلم) أو (مؤمن)؛ فإنه يلاطفه بقوله: ما أحد (مسلم) غيرك هنا، أنت الوحيد (مسلم)!!


(29)
للمصريين في التسميات عجائب وغرائب. من ذلك أنهم سموا مطعما لهم في الخوض مطعم (البغل)!!
سألت أحد النادلين عن سبب التسمية، وكنت أحسب أنها إحدى تقليعاتهم في هذا الشأن، فقال لي إن هذا هو اسم العائلة التي تملكه في مصر!
لكنني حين ذقت ما طلبته من طعام، لم أرتح لطعمه ولا لطريقة تقديمه.
ولست أدري أكان ذلك بسببٍ مما يبعثه اسم المطعم على التقزز -شيئا ما-، أو بسببٍ فني ذي علاقة بمكونات الطعام وإعداده.
قلت لمن كان معي: ما ظلمونا ولكن ظلمنا أنفسنا.. إنه مطعم البغل، ليس إلا!!
**
هامش: قريب من هذا ما ذكره لنا ذات مرة صديق أردني؛ وهو أن لعائلة (صرصور) في بلدهم عددا من المطاعم، سموها باسم عائلتهم، ولكنهم انتبهوا -فيما بدا لي من بحث سريع على (النَّت)- للمفارقة المزعجة التي تصنعها تسمية كهذه: (مطعم الصرصور)، فعمدوا إلى إدراج أسمائهم قبل اسم العائلة، ليكون هكذا: (مطعم حسين صرصور)، و(مطعم أحمد صرصور)..!!


(30)
حكى لي أحد زملاء العمل أنه سمع من أحد شيابه أن (أصل النخيل في عمان ثلاث، هي: النغال، والبرني، والفرض؛ وأن ما سواها تفرع منها). وإن صح هذا فإنها -إلى حد ما- تشبه الألوان: ثلاثة تتفرع عنها –جراء مزج اللونين منها- ألوان أخرى كثيرة، مع فارق أن النخيل لا يمزج -كما هو معروف- وإنما المقصود بهذا، ما يُلقى من نواة نخلةٍ في الأرض، فتخرج عنها نخلة غير التي كانت في الأصل. وذكر أيضا أن ثمار النخيل الثلاث المذكورة أصح لآكلها من كثير من ثمار النخيل الأخرى، وذلك لقلة نسبة السكر فيها.

وفي المحاورة الطريفة التي استلها الأستاذ الباحث/ سلطان الشيباني من مخطوطة الصحيفة العدنانية لابن رزيق، فنشرها تحت عنوان (مجلس أدبي)؛ كان جواب الأديب سليمان المفضلي على ابن رزيق حين سأله عن (النَّغَال) قوله: "هي بالتحنن أم العيال"، وعن (البرني) قوله: "فاكهة إن أحضرت عن سائر فواكه الرطب قد تغني"، وعن (الفرض) قوله: "نخلة يُجِلُّها كل من دَبَّ على الأرض"!