الاثنين، 27 أبريل 2015

وللناس فيما يسرقون مذاهبُ !!

يحدث أحيانا أن تخرج من مكان عملك مرهقا جائعا.. لا تفكر في شيء قدر ما تفكر في الوصول إلى البيت بأسرع وقت ممكن، حيث الغداء اللذيذ، والفراش الوثير.
تركب سيارتك وأنت تتخيل مشهد الغداء والفراش. آخر ما تتوقعه وتتمناه –في هذه اللحظة- أن تصادف زحمة في الطريق.

تفاجأ في الطريق بزحمة خانقة، حد الموت. السيارات تملأ الشارع من الدوار في نهاية الشارع وحتى كيلومتر ونصف تقريبا، كأن وكالة للسيارات افتتحت معرضا جديدا لها في هذا المكان. تسير السيارات ببطء شديد، ولا يجدي تأففك شيئا، و لا تملك إلا أن تكون -بمرور الدقائق- عنصرا من عناصر هذه الزحمة الخانقة.
يوسوس لك الشيطان، وتحدثك نفسك الأمّارة بالسوء بخواطر شتى.. "ماذا لو تجاوزت هذه السيارات من اليمين..؟ لا وجود لرجال الشرطة هنا!!".. "يمكنك التجاوز من اليسار، وفي مكان قريب من الدوار ستجد مكانا لسيارتك بين السيارات".. "ما أصعب الانتظار بجسم مرهق وبطن جائع!!"

لكن ضميرك الحي يصمد أمام هذه الخواطر، وتقول غير متردد: لستُ بأحسن من هؤلاء الذي أمضوا عشرات الدقائق في مكابدة هذه الزحمة"..

تشغل نفسك بالاستماع للمذياع. نشرة أخبار هنا، وتلاوة للقرآن الكريم هناك، ومنتدى حواري في إذاعة، وبرنامج منوع في إذاعة أخرى. تضع مؤشر المذياع على قناة تعرض برنامجا أدبيا، يتحدث عن شطر تناوله كثير من الشعراء في قصائدهم، وهو قول الشاعر (وللناس فيما يعشقون مذاهب).. وتمضي مع المذيع في جولة ممتعة تُنسيك بعضا مما تجده من تعب الجوع والإرهاق..

في هذه الأثناء تفاجأ بأشخاص يستجيبون لما قذف به الشيطان ونفسك الخؤون في روعك من قبل، كأنهم كانوا يسمعون تلك الخواطر.. يتجاوزون من اليمين واليسار، وفي النهاية يحشرون أنفسهم دون حياء و لا مروءة بين السيارات التي قضى أصحابها وقتا طويلا في الانتظار..

يخطر في بالك أن هؤلاء لصوص.. إذ لا فرق بينهم وبين من يسرق أملاك الناس.. أليس الوقت ملكا أيضا.. بل هو من أثمن ممتلكات الإنسان، إن لم يكن أثمنها على الإطلاق!.. تتأسف أكثر وأكثر، حين تعلم أن بعض هؤلاء شباب جامعيون، أو أساتذة يحملون شهادات عليا، أو موظفون مرموقون في بيئات عملهم.. وكان الخليق بهم جميعا أن يكونوا أعلاما للتنوير في المجتمع، لا أن يشجعوا عامة الناس على التحايل على النظام والناس..


تواصل الاستماع للبرنامج، فيما سيارتك تقترب أخيرا من الدوار، وتقول وأنت تتنفس الصعداء: "وللناس فيما (يسرقون) مذاهب" !!