الاثنين، 28 أبريل 2014

حرِّرُوا حرية التعبير .. !!

البيت الشهير المنسوب لمجنون ليلى أو أبي العتاهية: (وكلٌّ يدَّعي وصلا بليلى/ وليلى لا تقر لهم بذاكا) ذكرني بمصطلح (حرية التعبير) وما يصحبه –عادة- من جدل واختلاف بين أطراف كثيرة في المجتمع؛ يثور كلما حدثت حادثة تتحرش بهدوئه، وتتغير على معتاده. هنا ينبري بعض أبناء المجتمع للدفاع عن قيمه وعاداته وأعرافه، وربما انحرف بعضهم –جهلا- إلى استخدام أقذع الألفاظ في محاولة رد المتغير إلى الثابت؛ فيما ينبري (المثقفون) أو المحسوبون عليهم للدفاع عن (حرية التعبير)، وربما ظن الواحد منهم –غرورا- وهو يخوض هذه المعركة أنه نبي مرسل معصوم يوحى إليه، فما عليه إلا البلاغ وما على الناس إلا السمع والطاعة.. وكلٌّ من هذين؛ يحسب أن ما يقوم به هو الحماية المثلى التي تنبغي لـ (حرية التعبير) في المجتمع، فيما يبحث المصطلح نفسه عمن يحرره من هذا السجن المفهومي الذي يعوق حركته!

مهما كانت الأسباب والمبررات؛ فإن السباب والشتائم لا ينبغي أن تكون وسيلة المختلفين في إثبات آرائهم وفرض قناعاتهم، ولاجدال في أنها لا يصح نسبتها إلى (حرية التعبير) فهذا من السقوط الأخلاقي الذي ينبغي أن تنأى عنه الحريات والحقوق. وفي المقابل؛ فإنه مهما كانت المصادر والاتجاهات؛ فإن المصطلحات لا ينبغي أن تكون سجينة في إطار لا يعلم مفاتحه إلا بعض المتغنين بها والزاعمين تبنيها بحق أو بباطل، حتى لَيَحار الناس في أمر هذا المفهوم الذي قد يتطور إلى أن يصبح حربا على المجتمعات في شؤون حياتها المختلفة، وهذا سقوط إنساني ربما يكون أشد وأنكى من السقوط الأخلاقي!

لاعتب على الجاهل إذا توسل إلى الحق بلفظ باطل؛ فماذا تنتظر من جهول!.. ولكن العتب على المثقف الذي قرأ وكتب، وذاق وعرف؛ إذا أنكر على الناس ما يدعوهم إليه، فمن حذا حذوه صفق له وأعطاه صفة (المثقف) مجانا، ومن عارضه –وإن أحسن الطرح والأسلوب- وسمه بالتخلف، واتخذه عدوا له!

ليس لحرية التعبير وجهان؛ إما أن تكون (خيرا) ينبغي أن يدفع إليه الناس جميعا وإما أن تكون (شرا) يجنبه جميع الناس!.. أما أن يكون التعامل في هذا الشأن، على وفق ما قال القائل: (أحرامٌ على بلابله الدوحٌ حلالٌ للطير من كل جنسِ)؛ فهذا هو كيل المطففين "الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ"!!

وعلى كل من ينادي بـ(حرية التعبير) أن يعي أمورا كثيرة، منها أن لكل حرية حدودا تحفظ لها قيمتها الإنسانية، وأنها تمضي في اتجاهين؛ فكما يفرح هو بالتعبير عن آرائه، فإنه ينبغي أن يفرح بتعبير المختلف معه عن آرائه أيضا، كما قال فولتير: (إنني أختلف معك في كل كلمة تقولها، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد)!.. ومنها أن يسير في مشروعه التنويري على قاعدة الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)!