الثلاثاء، 29 يناير 2013

متى يقدم العمانيون أنفسهم للعالم؟


"ﻟﻴﺲ ﺑَﻴْﻨَﻨَﺎ ﻭﺑَﻴْﻦ ﺍﻹ‌ﺑﺎﺿﻴﺔ ﺃﻳَّﺔُ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﻫﺆﻻ‌ﺀ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺣُﻜَّﺎﻣَﻨَﺎ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻭﻗﺎﺕ ﺣَﻜَﻤُﻮﺍ ﺑﻼ‌ﺩﻧﺎ، ﻭﻟﻮ ﺷَﺎﺅﻭﺍ ﻟَﺤَﻮَّﻟُﻮﻧَﺎ ﺟَﻤﻴﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟَﻢ ﻳﻘﻒ ﺗﺴﺎﻣُﺤُﻬُﻢ ﻋﻨﺪ ﺣﺪِّ ﺃﻧَّﻬﻢ ﻳﺘﺮﻛﻮﻧَﻨَﺎ ﻭﺣُﺮِّﻳَﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻧَﺨﺘﺎﺭﻩ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑِﺠﺎﻧﺐ ﺫﻟﻚ-ﺃﻳﻀﺎً-ﻳَﺒْﻨُﻮﻥَ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﻳُﺴَﻠِّﻤﻮﻧَﻬﺎ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻫﻮ ﻣﺜﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳَﺠﺐ ﺃﻥ ﻳُﺤْﺘَﺬَﻯ، ﻓَﻌﻠﻰ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻷ‌ﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﺗﺘﻌَﻠَّﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ "...
**
المقطع أعلاه، من خطاب للدكتور عمر علي جمعة، النائب السابق للرئيس التنزاني، يرويه عنه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي –حفظه الله-، في اجتماع لافتتاح مسجدِ جماعة عمانية في الجزيرة الخضراء..
ذكرني هذا الكلام، بما كتبه الأستاذ الدكتور طارق الحبيب - أثناء زيارته للسلطنة مؤخرا -في صفحته على تويتر "عتبي الوحيد على أهل عمان أنهم لم يقدموا أنفسهم للعالم بمستوى ما يملكون من حضارة و فكر و رقي"، وما لفت انتباهي إليه أحد الأساتذة يوما، وقد كنا في جلسة يتشعب فيها الحديث، إلى حقيقة مهمة لم أنتبه لها من قبل، وهي أن (عُمان) منذ أن دخلت في الإسلام وهي تدار من قبل حكومات (إباضية)، وبالرغم من اختلاف توجهات هذه الحكومات المتعاقبة سياسيا، ورغم الحروب الداخلية التي دارت بين العمانيين أنفسهم، فإن التاريخ لم يشهد حربا قامت في (عُمان) على أساس مذهبي أو طائفي!..
*
صفحة مشرقة من التسامح المذهبي في عمان، تعكس المساهمة العمانية في نشر ثقافة السلم والأمن..
الحمد لله..
من حق العمانيين أن يفخروا بها، لكن من حق العالم عليهم أن يبلغوها..

الاثنين، 28 يناير 2013

من لم يكن معنا ، فهو ضدنا.. !!


لا يمكن اختصار الإصلاح في شكل أو طريق واحد. تختلف أفهام المصلحين ورؤاهم بتغير الزمان والمكان والمجتمعات التي ينتمون إليها، ولكل مقام مقال - كما يقولون-. والمصلحون العظماء النافذون هم الذين ينفتحون على خيارات واسعة وبدائل كثيرة، إن زكّاها فريقٌ أو خَفِيَ على فريقٍ وجاهتُها، فهذا لا يعني (موضوعيا) أنها الأبلغُ أَثَراً أو – في المقابل - ليست بذاتِ قيمة. العبرةُ بالنوايا الطيبةِ التي تسوقُها، ثم بآثارِها التي يلحظها المراقبُ المنصفُ أو المحايدُ.

هذا كلامٌ عام، والكلام الخاص أن بعض الناس في بلدنا؛ مسوقون بكلامِ سيئِ الذكر (بوش) حين تكلم في أثناء الترويج لمشروعه -الذي يسميه كذبا أو غباءً- (مكافحة الإرهاب): "من لم يكن معنا فهو ضدنا" !!.. أقول: إن بعض الناس، بحُسن نيةٍ أو بغيرها، وحتى إن لم يَتَبَنَّوْا ذلك بلسانهم، فإنهم بإصرارهم على أن يكون للإصلاحِ طريقةٌ واحدة، تجري بوسائلهم هم التي يرتضونها، إنما هم داخلون فيما تؤديه هذه الجملةُ من معان.

طريقة أصحابنا هؤلاء في الإصلاح –وهذا ، بالمناسبة ، حق مشروع لهم– كتاباتٌ جادة في المنتديات ولافتات محترمة في الشوارع وتجمعات خطابية في الميادين، وقد آتت بحمد الله أُكُلَها، واستبشر الناس بها خيرا. دَعْكَ من المخربين والمحرضين والسوقة، فليس أؤلئك من نعنيهم بهذا الكلام، فلا حق و لا شرعية فيما قاموا به. لكن الشيء غير المشروع عند من نعنيهم من المصلحين – أيا كانوا - أن يُلْزِموا الناس بطريقتهم المثلى – كما يرونها- ، و من لم يكن معهم في هذا السبيل فهو إما (جبانٌ رعديد) أو (صغيرٌ جاهل) أو (مُطَبِّلٌ متزلّف) ، وفي أحسن الأحوال (ضعيفٌ مُقَصِّر).. !!

ولأن هؤلاء شغوفون بالظاهر العاجل كما هي طبيعة الشباب المدفوع بالحماسة والعاطفة أكثر من الحكمة والتعقل، فإن (بعضهم) – للأسف الشديد- لا يُحْسِنُ الظنَّ في غيره ممن يرى غير رأيه، فيتطاولون على رموزٍ لهم في إصلاح المجتمع وتوجيه الناس والإرشاد إلى الخير قدمٌ راسخة، قضوا شطرا كبيرا من أعمارهم في هذا السبيل لا يبتغون من مخلوقٍ جزاءً و لا شكورا..

وإذا قيل لهذا (البعض) إن هؤلاء أصلحوا وما زالوا يصلحون، وقد أثمر حراكُهم -الذي كانت له وسائلُه الخاصة، التي ارتضوها عن قناعة واستشارة واستخارة- خيرا عظيما ننعم جميعا بظلاله وآثاره، وفي شهادات المنصفين والمحايدين من الداخل والخارج دلالة لمن كان له سَمْعٌ وبصر وفؤاد عاقل؛ قال لك بما يُشبه جواب الأحمق -الذي يُسْأَلُ عن الوقت فيجيب: كيف صُنِعَتْ الساعة؟!- : هل لهؤلاء رؤية وهدف وخطة عمل؟!!

لا يا إخوتنا الكرام.. كما أنه لا  سبيل إلى إنكار أن حراككم السلمي المشروع، والمطالب العادلة التي رفعتها الميادين؛ عادت بخير على الجميع، وأنه من حقكم على الدولة والشعب أن يُساق لكم الشكر العظيم، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.. فإنه – في الوقت ذاته - لا سبيل إلى نكران جهود فريق آخر كان يعمل في صمت، حركه إلى ذلك ظُلْمٌ يقع على المبدأ حين يحرك فريقا منكم الظلم الواقع على الأشخاص، وساقه إلى جهدٍ كريمٍ غيرةٌ على الدين والمجتمع والحرمات حين ساق غيره إلى جهده الكريم (أيضا) غيرةٌ على الحقوق والوطن والحريات.. ألم يحسنوا بعد هذا كله، ألم يقدموا للوطن والمواطن – وأنتم بعض من هذا – ما يرفع الشأن، ويحقق التطلعات الطاهرة، فلماذا الشكر لكم أنتم، ولهؤلاء الجحود والنكران.. "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ" ؟..

ليس السكوتُ علامةً على الرضا دائما، كم من عاصفةٍ كانت مسبوقة بهدوﺀ. وليس كل ضجيجٍ علامةً على السعي الجاد، فكم من جعجعةٍ لا طِحْنَ من ورائها.. حسبُ كلِّ فريقٍ ما فعل، ولكل فريق أن يتخذ ما يشاء من الوسائل المشروعة دون إكراه من أحد. والأجر – أولا وأخيراً - على الله الذي لا تضيع عنده الودائع الطيبة و لا الأعمال الصالحة، والبركة - دائما - في الجهود المخلصة التي لا تسعى من وراء جهدها الوطني المخلص إلى الشهرة والبطولة والألقاب الفارغة.

وهمسة أخيرة، لكل عاقل أريب.. فإن من يضع نفسه في موقف المسؤولية الوطنية ينبغي له أن يتحلى بشيء من الإنصاف ليكون عدلا حين الفوز، والشجاعة حين تقسيم الغنائم ليعترف بجميل من سبقوه وآزروه، فيقول لهم: شكرا لأننا بنينا على جهودكم أولا ثم حققنا الفوز بمعيتكم.
إنه لولا فضل الله تعالى – أولا وأخيراً - ، ثم حكمة جلالة السلطان وجهود المؤسسة الدينية في عمان وعلى رأسها سماحة الشيخ المفتي وجهود القيادات المخلصة والحكيمة في مؤسسات المجتمع المدني عموما، لربما طالت ببعض الناس الوقفة وأعيتهم كتابة اللافتات وسالت الدماء غزيرة لا تُغْسَلُ بالماء.. فهي إذن جهودٌ مهمة أضافت إلى الحراك السلمي المشروع في الميادين وغيرها، بما أنتج هذا التغيير الذي ينبغي أن يقابل بشكر كل من أسهم فيه، فتلك سمةُ الذين لا يسعون في الأرض فسادا.. والله المستعان!

الأربعاء، 16 يناير 2013

هل كنت وفيا .. ؟!


أيها السَّاكنُ دوماً مقلتيّا
أيها الكائنُ غُنْماً في يديّا
أيها النابِضُ سِلْماً و رُقِيّا
أيها الناهِضُ حُلْماً عبقريا
وطني..
يا أيُّها الغَالي عَلَيّا !
****
كيف ألقاكَ
ومِنْ أينَ افْتِتَاحُ الشوقِ
في حَضْرتِك الملأى بألوانِ التلاقي والغيابِ
كيف أَرْعَاكَ..
وإنِّي كلما أَجْرَيْتُ أَحْلامي
على كفَّيْك عَطْشَى
خاطبتْني منكَ آياتُ السَّحابِ
وَطَنِي..
عندما مَرَّتْ على ظَهْرِكَ أقدامُ البنين
زادَكَ اللهُ جَلالاً وكَمَالا
وتَبَدَّيْتَ طَهُوراً و عَلِيّا !
****
أيها الماثلُ في روحي
قُرىً طيِّبَةَ النِّيَّاتِ
يلتقي فيها العُمَانيونَ أَغْصَانَ نَبَاتِ
أيها الخَالِدُ في المَجدِ قِلاعاً شامخاتِ
أَلْهَمَتْ أسوارُها الأحرارَ معنى التضحياتِ
أيها الحَيُّ
وكم في الحَيِّ من معنى الحياةِ!
أَنْتَ في الأرحامِ أَصْلِي وصِلاتي
وأنا النَّابِتُ في معنى السَّواقي إذ تسيلْ
وأنا المَجْبُولُ في جدرانِكَ السمراءِ من طينٍ أصيلْ
وأنا.. لو أَنْتَ عَرَّفْتَ الوفاءَ السَّرْمَدِيّا
كلُّ ما يَسْكُنُ في أَرْضِكَ من خَيْرِ النخيلْ
وطني..
كلما أُلقيتُ في التابوتِ وَحْدِي.. وإلى اليَمِّ قُذِفْتُ
رَجَعَتْنِي الرَضْعَةُ الأولى إلى أَرْضِكَ حيّا
وعلى عَيْنٍ من اللهِ صُنِعْتُ
وهنا تُلقى من اللهِ المحبَّاتُ عَلَيَّا
****
أيها المَسْكونُ حُبّا
أيها السَّاكِنُ في قَلْبِ العمانيين قَلْبا
كُلُّ من حَجَّ وصَلّى في تُرابِكْ
طافَ بين النَّاسِ يدعو:
حَفِظَ اللهُ عُمَانَ الخَيْرَ أَرْضَ الطيِّبِينْ
وسَعَى يَتْلو بِبَابِكْ:
"ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنين"
من أَدارَ المَشْهَدَ الرَّاضِي
على وَجْهِ الضُّيوفِ الزائرين ؟!
أنت أم أبناؤك الأبرار.. أم
رحمةُ اللهِ على البيتِ وأَهْلِ البيتِ
صُبْحاً وعَشِيّا
****
أيها الساكنُ دوماً مقلتيّا
ولقد أَبْصَرْتُ نورا
أيها الكائنُ غُنْماً في يديّا
ولقد أَمْسَكْتُ خَيْرا
أيها النابِضُ سِلْماً و رُقِيّا
ولقد يَمَّمْتُ بَحْرا
أيها الناهِضُ حُلْماً عبقريا
ولقد أُلْهِمْتُ شِعْرا
لَسْتُ بالشاعرِ لكنْ
هذه تجربتي في الحُبِّ..
هل كنتُ وَفِيّا ؟

الأحد، 13 يناير 2013

و ما أدراك ما القهر ؟!! ..



الصياغة الإخبارية أعلاه لا تصلح - في تقديري – لأن تكون في جريدة رسمية محترمة، تمثل الحكومة، وتطالعها فئات مختلفة في المجتمع وخارجه.. قد تصلح لرسالة نصية في (الواتس أب) بين صديقين، أو في جلسة تزول الكُلفة فيها بين أفراد الأسرة الواحدة، أو في لقاء بين اثنين في أحد الأسواق.. أما أن تكون في جريدة فهذا من وضع الشيء في غير محله على يد من لا يحسن الصنيع، و لا يرقى إليه!!

كلمة (القهر) توحي بأن ما حصل شيء عظيم عظيم لا يصلح معه إلا التأوه والوجع والألم، وأن ما حصل من خسارةٍ منشؤه الظلم - الذي لا يقاوم بسهولة، فلذا يصيب المظلوم بالقهر والغيظ-؛ لا من سوء تدبير الفريق الخاسر نفسه أو من يقف خلفه من مشرفين ومدربين وإدارة.. وهنا قد يقول قائلهم: (ولكننا لم نكن نعني هذه المعاني أبدا، ولم تخطر في بالنا أصلا!!).. هذه هي الكارثة إذن، ألّا يعرف المحرر الصحفي الألفاظ المناسبة لأداء معانيه، وأن تجعل الجريدة العامة التي هي منتج ثقافي في الأساس لتكون محلا لألفاظ تدور في الشارع أو في السوق!!!

وبالرغم من تحفظي على هذا التجييش الإعلامي الكبير لمسابقات كرة القدم، واختصار الوطنية أو محاولة التأسيس لربط عميق بينها وبين الدورات الرياضية أيا كان نوعها، والتسويق لها على أنها محك تختبر فيه وطنية المشجعين والمتابعين واللاعبين – لأن هذا من تسطيح الحقائق و تغليب المظاهر و شغل الناس بما لا يستحق أن ينشغل به - ، بالرغم من هذا كله؛ فإنني أرى أن الأجدى لجماهير اللعبة أن يستثار تفاؤلهم لا إحساسهم بالظلم، لأن سلاح التفاؤل أقوى، وهو خطاب العقلاء الحكماء في كل زمان ومكان، وهو الأداة التي تنهض بقدرات وإمكانيات الشعوب، فمتى يعي هذا محرروا الرياضة، الذين جعلوا – بحق أو بباطل– في مؤسسة إعلامية كبيرة، يراد منها - بجانب الوفاء بحقوق المواطنين الإعلامية - أن تكون أداة للنهضة العاقلة؟!! ..

لست ضد كرة القدم ، فمن منا لم يلعبها أيام الطفولة ، ومن منا لا يعاوده الحنين إليها بين الحين والآخر ، و أعترف أنني في أحيان نادرة جدا أتابع من باب الفضول المعرفي ما تكتبه الصحافة الرياضية، وأتابع الشوط الثاني أو حتى جزءا كبيرا من مباراة نهائية يكون المنتخب الوطني طرفا فيها.. لكنني ضد الاهتمام بها إلى هذه الدرجة، وضد الهم والغم والبكاء الذي يصيب بسببها، وضد التعويل عليها حتى لكأنها أعظم ما اكتشفه التربويون في تربية الأجيال وتوجيهها، وضد الكلام الذي يطول عنها بلا داع حتى لكأنها أعظم ما عرفته البشرية من علوم أو اختراعات..

الأحد، 6 يناير 2013

نحن نتصافح !!


عوَّدت نفسي بعد كل دخول إلى بيتنا، أن أصافح كل من فيه من أهلي، وأن أُقَبِّلَ يدَيْ والديَّ. نشأت هذه العادة عندي بعد أن وجهني أستاذي إلى أن أجعل لعلاقتي بأبي وأمي طابعا مميزا. كنت قد لاحظت قبل هذا، في المرات التي كنت أقضي فيها يوما كاملا عند جدي وجدتي؛ أن أخوالي وخالاتي يلقون عليهما في الصباح والمساء تحيةً ذاتَ طابع مميز. تتعالى أصواتهم، كل من مكانه، عند دخول الجدين أو مرورهما عليهم: "صْباح الخير أبوي.. صْباح الخير ماه"، وهكذا الشأن في المساء.. وكنت أسعد بأن أكون جزءا من هذا المشهد الجميل الذي لم أكن معتادا عليه مع أبي وأمي!

عندما طبقت الأمر في بيتنا، أردت أن أضيف إلى هذه التحية الجميلة، عنصرا آخر يجعل من التحية موقفا مميزا، ويصبغ علاقتي بوالدي بصبغة فارقة. قررت أن ألقي عليهما التحية ذاتها مقرونة بمصافحة يديهما وتقبيل ظاهرها. كان الأمر محرجا لي أول مرة، وكنت كأني مقبل على معركة فاصلة. تعجبت أمي وابتسمت، وقال أبي ساخرا: "عجيب.. ماذا يحدث اليوم؟!". لكنني واصلت الكفاح، وقلت في نفسي إنه لا مجال للتراجع بعد الآن!..

كنت أفعل هذا وحدي في البداية دون سائر إخوتي، وقالت لي أمي مرة عندما غبت عن البيت في دراسة صيفية لمدة شهرين: "لقد افتقدنا تحيتك في الصباح والمساء". لكن إخوتي تداركوا ما فاتهم بعد ذلك، فأضافوا إليها إضافة حسنة بأن جعلوها بعد كل صلاة، وصرنا نذهب لتحيتهما خمس مرات في اليوم والليلة، زرافات ووحدانا، وما زلنا كذلك، والحمد لله.

 أحاول أن يعتاد ولديَّ الصغيران على ذلك أيضا، فأتعمد أن أؤدي التحية المذكورة أحيانا عندما يكون أحدهما في حضني فيرى مني تجاه والديَّ ما أحب أن أرى منه هو مستقبلا تجاهي. والآن.. كلما دخلت إلى البيت، خَفَّتْ ابنتي لمصافحتي حين تسمع مني: "السلام عليكم"، ثم تُقَبِّلُ يدي، وأقول لها: "خْشوم" فتُدْني أنفها من أنفي، كما هي تحيتنا في القرية في المناسبات الرسمية وما يشبهها..

ولأن هذا السلوك أصبح شيئا عادياً جداً في حياتنا اليومية، فقد عجبتُ أشد العجب حين قال لي أحد الأصدقاء إنه لا يجرؤ على أن يحيي والده بأكثر من المصافحة، وقال آخر إن أياما تمر دون أن يفكر في أن تَلْمَسَ يدُه يدَ والدِه، وأخبرني ثالث إنه لا يتصور نفسه يقول لأبيه: "صباح الخير".. هنا تصير الحياة بين الأهل كالورقة اليابسة، سهلة الانكسار والتبعثر، خفيفة على الريح الخفيفة توجهها إلى مجاهل غير مأمونة؛ لذا حافظوا على المصافحة والتحية في البيوت..

يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا تَصَافَحَ الْمُسْلِمَانِ لَمْ تُفَرَّقْ أَكُفُّهُمَا, حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا".. أسأل الله أن يغفر لنا ولكم، ولوالديّ وأهل بيتي جميعا..

الجمعة، 4 يناير 2013

طاقة زائدة !!


عندما كثر الحديث وانتشر عن ظاهرة (التخميس) أو (التفحيط)، أذكر أن مسؤولا كبيرا سابقا في الشرطة قال ما معناه: إن هؤلاء الشباب (يعني المخمّسين) لديهم طاقة زائدة، ولا بد أن نوجد لهم آلية للتنفيس عن هذه الطاقة تحفظ أرواحهم وأرواح غيرهم من هواة المشاهدة، وتحفظ الصالح العام. وكانت الآلية هي إيجاد حلبات مخصصة لهذا الغرض، تم الإعلان عنها مؤخرا.
قلت في نفسي: إنه لو فسرت كثير من تصرفات الشباب وسلوكياتهم- مما يمثل خطرا على المجتمع- على أنها (الطاقة الزائدة)؛ لاحتجنا –بجانب بناء الحلبات- إلى مدن كاملة يُنَفِّسُ فيها هؤلاء وأمثالهم عن طاقتهم، لأن الطاقة الزائدة التي دفعت هذا إلى التفحيط، قد تدفع الآخر إلى السرعة الجنونية بين الأزقة الضيقة، وتدفع الثالث إلى تدمير المرافق العامة، وهناك من يحلم بجدران بيضاء يكتب عليها ما تملي عليه القريحة، وهناك ناشطو الحمامات الذين لا يروق لهم التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم إلا على أبواب دورات المياه –أعزكم الله-،  وما خفي كان أعظم.. ما الذي يضمن ألا يطالب كل هؤلاء بمنشآت تناسب طاقتهم الزائدة للتنفيس عنها (على الراحة) على غرار أصحابهم (المفحطين) ؟!!
وكنت أقول لصاحبي أثناء هذا كله إنني أملك حلا سحريا يعود على الدولة والشباب بفوائد جمة وعوائد طيبة!!
-      ما هو ؟ ..
قلت له: إنني لو كنت المسؤول لجلبت هؤلاء كلهم، ووضعتهم في ما يشبه معسكرات الجيش أو معسكرات العمل.. تمارين عسكرية، وبيئة عمل شاقة، وأرني بعدها وجه مفحط!.. هذه التمارين ستخفف قليلا من وطأة هذه الطاقة المزعومة، وبيئة العمل ستعلمهم – كأحسن ما يكون التعليم – حياة الخشونة والمعاني الحقة للرجولة، وكل هذا سينهض بشخصياتهم بما يضمن توافر قيم المسؤولية والنظام والانضباط فيها.. و لا تنسوا أن معسكرات العمل سيكون لها نتاج مثمر يمكن تسويقه، فمن ذا الذي لا يحتاج إلى الطابوق والحديد والصخور والرمل وغيرها مما يلزم البنيان!!
**
في الرابط أدناه، تجربة كوريا الجنوبية في معسكرات تدريب الأطفال، عرضته قناة الجزيرة بالأمس، فذكرني بالخاطرة أعلاه، وأحببت أن أشارككم الخاطرة والتقرير..
//