الأحد، 28 أكتوبر 2018

مشارق | 3

(21)
صديقي العزيز؛
لست ضدك في تشخيص الواقع وتوجيه الرأي من حولك، ولكني أدافع عن حقي في أن يكون لي رأي مستقل. ولم، ولن، ولا؛ أصادر حقك في السخط أو الغضب، ولكني أناضل من أجل حقي في العيش في وسط إيجابي مريح. أنا لا أمنعك من الكلام، ولكني أبحث عن حقي في مكان هادئ. وتأكد أنني لا أحول بينك وبين الطموح ولكن كتفي لم تخلق لتكون سلما لك أو لغيرك. ودعك من هذا كله الآن، وتعال إلى مقولةٍ ملهمة تدعوك للعيش بحكمة والاختيار بذكاء:
"لا تسمح لمزاج شخص آخر أن يحدد مزاجك. وأيا كانت الظروف، لتكن استجابتك دائما ممتازة".




(22)
لا يعد شاعرا من يَصُفُّ الكلام اليومي المعتاد في وزن وقافية، ولا يعد فاتحا من يدخل البلاد عنوة فيُكْره أهلها على دين أو مذهب أو منهج ما، ولا يعد ضيفا من يتقحَّم الأسوار ويدخل البيوت من غير أبوابها.
وكذلك قال غسان كنفاني مرة: "كل الأبواب؛ يجب ألا تفتح إلا من جهة واحدة، وإنها إذا فتحت من الجهة الأخرى فيجب اعتبارها مغلقة لا تزال".
لا تكتسب الأشياء حقيقتها من واقعها الظاهري بقدر ما تكتسبها من تفاصيلها التي تقف في الخلف!




(23)
لكل شأن من شؤوننا ظروفه التي ينبغي أن يوضع فيها حتى تنجلي حقيقته.
ليس عدلا أن تحاكم الأحداث القديمة وفق القوانين والمعايير المحدثة.
"لكل مقام مقال" كما في المثل الشهير، "ووضع الندى في موضع السيف بالعلا؛ مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع الندى" على رأي #المتنبي.




(24)
أن تقرر الانتقام يعني أنك قررت العيش في دائرة لا تنتهي !
- ضع في بالك قول الله تعالى: "...والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس".
- وتذكر دائما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"..
- وإن شئت فاستلهم مقولة إيزاك فريدمان: (التسامح هو أحلى انتقام).




(25)
كلماتك التي تبعث بها مخلصا صادقا، ثم يرتد صداها إليك وحدك؛ تظل شجى في الحلق وهما في القلب، ولن تزال كذلك حتى يسمع صداها في كل ناحية. وكأني بغسان كنفاني يقول القول نفسه حين يصف حال المرأة التي تنادي ابنها (خلدون)، النائم في بيت أحاط به الدمار من كل جانب، حتى قضى فيه: "لقد رددت كلمة (خلدون) ألف مرة، مليون مرة، وظلت شهورا بعد ذلك تحمل في فمها صوتا مبحوحا مجرحا لا يكاد يسمع. وظلت كلمة (خلدون) نقطة واحدة لا غير، تعوم ضائعة وسط ذلك التدافق اللانهائي من الأصوات والأسماء"




(26)
ليس كما يبدو دائما أخا الهدوء والراحة؛
فقد يفتح (الصمت) أبوابا مزعجة من حديث النفس، لا تكاد تُصِمُّ فحسب، بل تعمي وربما تودي بالصامتين إلى الهاوية. كان غسان كنفاني منتبها لهذا حين كتب مرة يصف لحظات صمت طالت: "وامتدت اللحظات طويلة يكاد صمتها يضج بطنين جنوني لا يحتمل"!




(27)
يزين لك التفاؤل أن تتأمل في النهايات السعيدة للبدايات السيئة. وما يزال الإنسان يتفاءل ويتحرى جوانب الفرصة في كل قرصة، والمنحة في كل محنة؛ حتى تنبري إليه الأحداث الإيجابية من كل حدب وصوب. ألم يقل سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وكذلك قال محمد بن بشير الخارجي: "أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته/ ومدمن القرع للأبواب أن يلجا"




(28)
في كثير من الأحيان -إن لم يكن كلها- لا يتطلع المخلصون الأوفياء إلى (مكافأة) نظير أعمالهم، ولكن كلمة الشكر؛ تخرج من القلب، وتأتي في موعدها؛ تعني لهم الكثير. أليست تعني الاعترافَ بالجميل، وتقديرَ الإحسان، وحفظَ علائق المودة؟.. فتلك –إذن- قِيَمٌ عزيزةٌ -وأيم الحق-، وإنها تعني للإنسان السويِّ النقيِّ الشيءَ الكثير!
وإن من حديث المصطفى صلى الله وسلم عليه قولَه: "من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاكَ الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء"، ومن جميل ما قاله الشعراء في الشكر قولُ أبي عيينة المهلبي:
"لو كنت أعرف فوق الشكر منزلةً/ أوفى من الشكر عند الله في الثمن
أخلصتُها لك من قلبي مهذبةً/ حَذْواً على مثلِ ما أوليتَ من حَسَنِ"
فتأمل،
وأنزل (الشكر) منزلتَه اللائقة من قلبك ولسانك!




(29)
ربما يَهْديك،
إلى جنتك في الحياة؛
شخصٌ شقي الروح، بائس الحضور بين الناس، فقير التجربة والخبرة.
ليس عليك ضعفُ شخصه، ولكنَّ لك حكمتَه الكريمة، فبهداها اقتدِه!
إن شقاءه هو لا ينفي عن الجنة نعيمها،
وأن تكون أكثر منه معرفة وأعز نفرا؛ فإن هذا لا يهديك –دائما- سواء السبيل.
دع الغرور يا أخي، فإن التواضع زين. أُحِبُّ لك أن تتواضع قليلا قبل أن يغور ماء حياتك. ما خالط الغرورُ روحا إلا شانها، وإن الغرور خليق بأن يحيط بثمرك كله، فتصبح مُقَلِّبَ الكفين على ما أنفقتَ -في سُبلك كلها- وأنت تبتغي مُنْقَلَباً خيرا من الجنة التي جاءتك تسعى على بساط من ذهب!




(30)
لست ملزما: لا شرعا ولا عرفا ولا أخلاقا؛ بأن تكون مرضيا على الدوام بين الناس، وإن كان رضاهم عنك من الأشياء التي ينبغي أن تشعرك بالرضا والسرور. يقول مصطفى محمود: "الناس يغيرون وجوههم كل يوم، فلا تبحث عن قيمتك في وجوه الناس". وأنت بالمثل، قد يتغير وجهك الذي عهده الناس منك، بين فترة وأخرى، لسبب أو لآخر؛ فعليك ألا تجزع وألا تعجب إذا لم تكن كل وجوهك مرضية!


الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

سبتمبريات | 2018م


٢٩ سبتمبر
واصلْ طرح الأسئلة.
السؤال الذي لا تجد إجابته الآن؛
ستجد إجابته -حتما- بعد حين من الزمن، في أحداثٍ تقع، أو لدى أشخاص تلقاهم..
تأكد أن ثمة إجابة تختبئ في مكان أو زمان/ قريب أو بعيد، وكلما أنفقت من الأسئلة اجتمعت لك بقدرها مفاتيح المغلقات من الأمور.
بقدر ما تطرح من أسئلة؛
تتكشف أمامك جوانبُ صورةِ ما تبحث عنه، وتتضح..


٢٦ سبتمبر
صورة بعض الأشياء من بعيد؛ أجمل منها (بكثير) وهي قريبة.
في (القرب) يكتنفها ضباب كثيف، يحول بينك وبين معرفتها على حقيقتها، ويجعلك تائها في تتبع التفاصيل المبعثرة، وعاجزا عن وضع كل منها في مكانه المناسب؛ فيما يمنحك (البعد) عنها فرصة حقيقية لجمع المبعثرات وربط الخيوط بعضها ببعض، حتى تنجلي أمام عينيك حقيقتها العامة، التي قد تغنيك عن الاقتراب من تلك الأشياء أصلا..


٢٤ سبتمبر
يمد الإنسان عينيه إلى ما عند غيره، يرى ما لديهم أحسن مما لديه، وربما ندب حظه على ما عنده؛ فإذا صار إلى ما مُتِّعوا به فَرِح به أول أيامه، ثم بدا له -على مَرِّ الأيام والليالي- شيئا لا متعة فيه، ولم يكن يستحق منه كل ذلك النظر..
لا ينفك الإنسان -بوعي منه، أو بدونه- التأكيد على نقصه، وكونه -مهما أوتي على علم عنده- جاهلا محتاجا إلى ربٍّ يُنزل بركته فيما آتاه..
اللهم أدخلنا في رحمتك، واحفظ علينا نعمتك، وأنزل علينا وعليها بركتك..






٢١ سبتمبر

يا للتطور المذهل!..

لقد تقدم العلم فأصبحت سماعات البلوتوث تصنع من البطاطا.. ومن يدري فربما أمكن -عما قريب- أن يستعان بالبصل مثلا لتقوية شبكة الاتصالات في البيوت.. ولا عزاء لـ #اللغة_العربية وأهلها فهذا شيء لم يتوصل إليه العرب في بلادهم بعد!


- شكرا للعمالة الوافدة أن علمتنا ما لم نكن نعلم.. 





١٩ سبتمبر
هنا فائدة في البحث والمعرفة،
فائدة في تلاوة القرآن والتأمل في آياته، والخلوص منها إلى المعاني العظيمة.. فائدة في أن الأحكام ينبغي أن تكون فرع التصور الكامل، فائدة في أن الحقيقة وإن أخفاها المدلسون ستظهر بطريقة أو أخرى..
هنا أستاذة يهودية الأصل، ولكنها ملحدة -كما تقول-، تنتصر لنتيجة بحثية توصلت إليها بعد اطلاع معمق على القرآن الكريم..
لماذا يقع ما يشهد به المخالفون موقعا ألذ في النفس مما يشهد به الموافقون؟!
- مادة ملهمة، أسعدتني صباح اليوم، وأحب أن أشارككم هذه السعادة..
••



١٧ سبتمبر
‏في بعض ما تحسبه حطاما لا حياةَ فيه؛
حياةٌ متدفقة مترعة بالآمال.
ثمة حَيَواتٌ لا يلحظها العابرون الذين لا يمكثون ولا يقتربون، ولا يعرف نظامها السائرون دائما على هدىً من (وصف) البصر مهملين (كشف) البصيرة.
ثمة حركة في السكون، ونظام في الفوضى؛ وفي الشيخ شاب، وليس يخلو العابث من هدف!



١٦ سبتمبر
يكسب الفكرة عبقريتها أو جنونها، خَيْرِيَّتها أو شَرِّيَّتَها، صفاءها أو غموضها؛ العلاقة بمن يعرضها، ومواقف الزمان والمكان التي تعرض فيها، وطبيعة الناس من حولها ومستوى معرفتهم، ومدى ارتباطها بمصالحهم وهواياتهم وقناعاتهم، وزاوية النظر إليها، وغيرها من الأمور..
ذلك -على الأرجح- ما يمنح الفكرة صفتها أكثر مما يمنحها أصلها النظري المعزول عن الواقع.. وخذ مثلا على ذلك أن الفكرة التي تبدو مكلفة عند صاحب مشروع ما تبدو مربحة عند مُنفِّذه، والتي تبدو عبقرية في مكان أو زمان ما قد تبدو غبية أو مجنونة في مكان وزمان آخرين..
••
الفكرة محايدة.. هكذا يبدو لي!



١٣ سبتمبر
تشعر بحنين مضاعف لكل التفاصيل الصغيرة التي تربطك بشخص عزيز. تلك التفاصيل التي لم تكن تعيرها اهتماما كثيرا، ولم تكن تبدو ذات شأن كبير؛ هي التي تعذبك الآن. تتبدى واضحة حاضرة بقوة في الغيابات الطويلة، كأنما تأتي لتغيظك أو تزيد عذاباتك.



١١ سبتمبر
يبذل الإنسان أحيانا قصارى جهده في تدبير أمر ما، ويأخذ بالأسباب ما تيسر منها وما تعسر، ولكنه لا يفلح فيما يريد. ثم تمر الأيام، ويدبر الله له الأمر من حيث لم يحتسب ولم يقدر؛ وهنالك يتأكد لديه أن تلك اللحظة التي تحقق له فيها ما أراد كانت هي اللحظة الأفضل!..
الله سميع، الله بصير، الله رحيم، الله قوي فعَّال لما يريد،
وهو أكبر مما كَبُر عليك، وأكثر مما أكثرت من تَمَنِّيه وتَرَجِّيه؛
فلا تملَّ من سؤاله، ولا يَخِبْ ظنُّك فيه أبدا!



١٠ سبتمبر
لا يبني الإنسان تفضيلاته (دائما) على أسس منطقية..
مهما علم، أو اجتهد أن يعلم، أو تظاهر أنه يعلم؛ فإن لهوى النفس، والغفلة، والجنون، وغيرها مما يعتري نفسه البشرية؛ دخلا كبيرا أو صغيرا في الدفع به باتجاه شيء ما دون غيره.. يبقى أن عليه -في كل الأحوال- أن يُحسن التعايش مع تفضيلاته التي نتج عنها واقعه الحالي، وأن يطوِّرَ من النوايا والأفكار والوسائل ما يجعل واقعه الذي صار إليه مَظِنَّةَ أن يحْسُنَ بالصبر، وأن ينموَ بالشكر!



٦ سبتمبر
في الطريق إلى حديقة الألعاب؛ كانت الزهراء تترنم بهذا النشيد:
"فانسَ المآسيَ والهمومْ
وامسح دموعك والغمومْ
واعلم بأن الحزن شيء لا يدوم"..
•• نعم..
كلما وجدت سبيلا إلى الفرح؛
فلا تغادر صغيره ولا كبيره، ولا تمدن عينيك إلى غيره من المشاعر. أما الهموم فلن تفتأ تتناول النفس من حين لآخر حتى تغادر الحياة، وليس يخفف منها استغراقك فيها، ولكن الفرح قد يفعل ذلك. هو بعض نصيبك من الدنيا، فلا تخذل نفسك في لحظة حلوة ربما لا تتكرر!..



٤ سبتمبر
يعجبني الإنسان الذي يجتمع له في وعاء روحه:
صادق التدين، ونافع العلم والمعرفة، وجميل الحضور في المجتمع، وذكيَّ الانفتاح على الجديد، واقتناص الدعابة في اللحظة المتجهمة، وأن يحبَّ الناسَ المحبةَ التي تفضي به وبهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.
••
أُحِبُّ هذا الإنسان،
وأحب أن تربطني به العلائق القوية،
وأرجو –على رغم الغفلة والنسيان والخطأ- أن أكونه في يوم ما!