السبت، 26 مارس 2011

المطاوعة .. !!



يقول بعض الناس إنهم يكرهون (المطاوعة) !!

من هم (المطاوعة) ؟ .. هل هم قبيلة؟ أم حزب سياسي أو فكري؟ أم أنها فكرة طاهرة ورسالة نبيلة يحملها مجموعة من الأشخاص يعيشون بين الناس فهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويتفاعلون مع ما يجري في العالم من حولهم ، فيعبرون عن رأيهم رفضا أو قبولا؟..

هل كل من أطلق لحيته وقصر ثوبه يسمى (مطوعا) ؟
أم أن (الطواعة) - التي هي اشتقاق من الطاعة في سياق العلاقة مع الله عز وجل - أسمى من كونها شكلا كما يحاول بعض الناس توصيفها ..؟

في رأيي :

هي أولا: فكرة طاهرة لايضرها أخطاء قصيري النظر وقليلي المعرفة والعلم ، ثم تنسحب ظاهريا بعد ذلك على مجمل سلوكيات الشخص!
وعندما أقول: (قصيري النظر وقليلي المعرفة والعلم) ..
فأنا أعني كل من يسيء إليها
ممن يزعم أنه أهلها، وممن يرفع عقيرته قائلا: إنه يكرهها !!
***
أخيرا : يقول بعض الناس إنهم مع حرية التعبير ..
فإذا عرض عليهم الناس أفكارهم ، قالوا : يا إلهي .. هذا آخر ما ينقصنا !!!

الثلاثاء، 22 مارس 2011

النشيد الجديد .. يقظة البصيرة أم عمى البصر ؟!!


قَدَرٌ أن يختلف الناس و لا يصلوا إلى اتفاق تام في أي شأن من الشؤون . إنها ظاهرة صحية تنبئ عن حجم الحراك الفكري الذي يسري في أوردة المجتمع . لكن الأهم في هذا الموضوع ألا يصل الاختلاف في الرأي إلى قطيعة وشقاق ، و تعنيف شديد اللهجة من طرف لآخر ..
أضع هذه الأسطر مقدمة لحديث عن النشيد الإسلامي الجديد ، لأن الجديد في النشيد الإسلامي مازال يُنْهِضُ دنيا المحبين لهذا الفن ، وأخشى ألا يقعدها من بعد .. !!
*******************
§        تطور الحاجة الفنية ، وحسابات المنافسة :
يحتاج الإنسان حتى يصل إلى نمو كامل على مستوى ( الروح ) و ( الجسد ) أن يمد هذين الجانبين المهمين لحياته بما يَحْفِزُ جوانب الفاعلية الإنسانية فيهما . و إذا صَحَّ لنا أن نُسَمّيَ للجسد حاجاتٍ من مثلِ الحاجة الغذائية و حاجة الملبس و غيرها ؛ فأرجو  أن يصح لنا أن نسمي للروح حاجةً فنية بجانب الحاجات الأخرى المتعددة للبنيان الروحي في النفس الإنسانية .
هذه الحاجة الفنية تتطور بمرور الزمن كما تتطور الحاجة الغذائية للجسد . فما كان مفضلا عند الآباء و الأجداد من مأكولات و مشروبات قد لا يحظى بقبول عند الجيل في هذا الزمان . والكلام ذاته يقال عن الحاجة الفنية ؛ فما كان يرضي الذائقة الفنية لأولئك ، لا يستطيع بالضرورة أن يرضي ذائقة هؤلاء .
تأسيسا على هذا يمكن أن نقول ، إن النشيد القديم كان ابناً بارا للظروف التي شكلت وعي متابعيه ، و هو نتاج المنظومة الفكرية التي ترتبط بمستويات ثقافية واجتماعية متعددة عند القائمين عليه ، فمن ثم تجاوب معه الناس الذين وجدوا فيه مُتَنَفَّساً لآمالهم و آلامهم ، وأحسوا بقربه منهم . وإذن ، فقد كان قادرا على استيعاب مشاعر الناس ، وعلى التجاوب مع المستوى المعرفي السائد .
من هنا ، نستطيع القول بأن الإضافات الجديدة التي طرأت على النشيد الحالي كالإيقاعات والمؤثرات الصوتية ، وطبيعة المواضيع والكلمات ، هي صدى التطور الاجتماعي والثقافي للمسلم المعاصر .
وبعبارة أخرى ، إنه من الضرورة بمكان أن يطور النشيد من أدواته حتى يصل إلى مستوى المنافسة في عالم يحفل بالجديد في كل الميادين . لا يمكن القبول بأن يظل النشيد على المستوى ذاته من الناحية الفنية و الثقافية ، ويرغب في الوقت ذاته أن يكون في مستوى المنافسة مع فنون أخرى لا ترقى بالذوق الإنساني ولكنها تستطيع أن تُغري ، و لا تدفع باتجاه بناء الأخلاق ولكنها تستطيع أن تخدع !
كان النشيد في بداياته معبّرا عن فئةٍ بعينها و مُوَجَّهاً إليها ، فمن ثَمَّ كان منطقيا ومقبولا أن يهتم بهذه الدائرة فقط . أما اليوم فقد تغيرت المعادلة ، إذ استطاع النشيد عبر نضاله المخلص وبنائه المحكم أن يصل إلى قطاع واسع من الناس ، فيه الوَرِع والآخذ بالرُّخَص والذي يأتي في مرتبةٍ ثالثة ، وفيه المثقف و العامي ،  و هكذا .. أطيافٌ منوعةٌ تفرض على النشيد أن يتعامل معها بذكاء حتى يحافظ عليها كرصيد مضاف ، ويستطيع أن يمضي معها حتى تترقى في مستوياتها لتصل إلى الكمال المنشود .

§        الغاية لا تبرر الوسيلة :
لا يمكن أن يكون الباب مُشْرَعاً لكل جديد في النشيد . ثَمَّةَ جديدٌ ينسف فكرته الأساس، ويُلقي بظلال من الشك على منطلقه الفكري ، و يهز الثقة في مصداقيته . لا بد أن يتجاوب الجديد مع الإطار العام للنشيد الإسلامي حتى ينفع الناس و لا يكون زبدا يذهب جُفاءً .
يقول كثيرون : إن النشيد يتبع الفنون الفاسدة ، حتى كأنه يريد أن يكون ابنا لها ، أو صورة طبق الأصل منها مع تغيير بعض المسميات ، فمن مؤثرات صوتية مثيرة للريبة ، وإيقاعات صاخبة ، ومواضيع ليست في قوة المواضيع القديمة ، و الكلمات أكثرها غث ، والألحان لا تثير في النفس إلا الطرب ، و كلام كثير من مثل هذا الكلام .
و أقول : إن في هذا الكلام شيئا من الصحة و شيئا من الغلط ! ..
فالصحيح أن النشيد يتتبع الفنون الفاسدة كما يتتبع القانون الجريمة . لا تتطور القوانين وتُحْكَمُ نصوصُها وضوابطُها إلا بعد أن تتطورَ الجرائم و أساليب المجرمين ، حتى تكون سَدّاً منيعا في وجه الجريمة و المحتالين على القانون . و هكذا النشيد ينبغي أن يتطور حتى يستطيع أن يصرف إليه أنظار المفتونين بالفنون الفاسدة ، و يكون الـمُعَبِّرَ الأفضل عن آمالهم و آلامهم . لكن الغلط يحدث حين  ينسلخُ من مبادئه ، وتنطمسُ مرجعيتُه ، فيدل على الفن الآخر من حيث أراد أن يعبر عن هويته ، و يسير وَفْقَ معايير الآخر من حيث أراد أن يُمَكِّن نفسه و يُثْبِتَ أصالته !
إن الغاية لا تبرر الوسيلة . لا تُقبلُ الوسيلة إلا إذا اتكأتْ على شرفِ الغاية و طُهْرِها . ليستحضر القائمون على فن النشيد أن الغاية هي الترويح الذي يَشْرَحُ النفس للعبادة، وليَعْرِضوا فَنَّهم أبدا على هذا المحكّ .

§        وضوح المرجعية و المنطلق :
في مقال كتبه الباحث و الصحفي المصري حسام تمام ، ونشر في موقع ( إسلام أون لاين ) تحت عنوان ( نحو خطاب إسلامي إنساني ) بيّن فيه الحاجةَ الملحة لانفتاح الخطاب الإسلامي بما يجعله أكثرَ إنسانيةً وعالمية ، و أن هذا الانفتاح لا بد أن يتم استجابة لشروط الواقع وإكراهاته وانطلاقًا أيضًا من حاجة حقيقية ورغبة داخلية في عدم تضييق ما وسعته رسالة الإسلام ، و أكد على أن الانفتاح ينبغي أن يكون في إطار محدد من وضوح المرجعية و المنطلق ، و الحرص على عدم طمس الهوية من خلال الإحالة الدائمة إلى مرجعيات إنسانية مستقلة بذاتها عن الدين.
وهذا الكلام ينسحب بالضرورة على النشيد باعتباره أحد العناصر المهمة و الفاعلة في الخطاب الدعوي المعاصر ، فلا بد أن ينفتح خطاب النشيد على الدائرة الإنسانية ولكن دون فصلها عن الدين . ينبغي أن نقول بكل وضوح : إن كثيرا من الأناشيد اليوم تطرح مواضيع إنسانية عامة – لاشك أنها تتفق مع مبادئ الدين و توجيهاته – ولكنها لا تحيل المستمع إلى المرجعية الإسلامية ، كما أن الإنشاد في مثل هذه المواضيع مع وجود صخب كثير من الإيقاعات والمؤثرات الصوتية ، يوقع المستمع في إشكال كبير حول هوية ما يستمع إليه ، ويهز ثقته بهذا الفن .
ولتوضيح هذا المعنى ، نضرب مثالا بالمنشد البريطاني سامي يوسف الذي تصدر أعماله بنسخ ثلاث بالموسيقى الكاملة ، و بالإيقاع فقط ، و بدونهما. فلأن المرجعية واضحة جدا في أعماله الفنية، فإننا لا نشعر بأي حرج من الاستماع إلى النسختين الثانيتين. ورغم إصراره على نفي صفة (المنشد) عنه فإنه في قرارة أنفسنا كذلك ، لأن أناشيده كلها طافحة بالمرجعية الإسلامية،  فهناك تمجيد صريح لله تعالى و مدائح في الحبيب المصطفى و قضايا يعيشها المسلم ألما و أملا كالأمة والعيد و الأم وغيرها. والأمر بالعكس ، فإن الاستماع لبعض الأناشيد الخليجية – التي قد تخلو في أحيانٍ حتى من الإيقاعات – يجعلك تنظر بشك إليها وإلى من يؤديها، فرغم أن المكتوب على الغلاف منشد ونشيد ، فإن ما يعتمل في النفس هو أن هذا العمل هو ضَرْبٌ من الفنون التي تدعو  إلى الترف المحرم .
إن القضية إذن تتجاوز المسميات لتستقر في المضمون . وتتجاوز مضمون الكلمة إلى مضمون المنشد الذي ينبغي أن يكون صادقا في التعبير و حكيما في التدبير . و تتجاوز المنشد و الكلمة إلى مبادئ الإسلام و توجيهاته العامة التي ينبغي أن تتفاعل بصدق و حكمة في صدور المستمعين والقائمين عموما على الفنون و الثقافة .

§        قد نرى الرأي و لكننا لا نعتقده :
لا يسعى هذا المقال إلى إقناع رافضي فكرة الإيقاع و المؤثرات الصوتية في الأناشيد الإسلامية بالاستماع إليها ، بل يسعى إلى بيان الدواعي الموضوعية التي أدت ببعض المنشدين إلى هذا السبيل ، لينطلق منه إلى فكرة أن الإنسان قد يتفهم موقفا أو اتجاها فكريا ويحترم أصحاب الرأي فيه و لكنه يتحفظ عليه ويخالفهم فيما يرون .
بهذا نستطيع أن نتفهم رأي المنشد الذي يصر على الإيقاعات والمؤثرات في أناشيده عندما يبرر رأيه بأنه يستهدف الجمهور الذي لا يتورع عن متابعة الفنون الفاسدة ، و رأي المنشد الذي يصر على أن يظل النشيد كما وُجد ويبقيه بعيدا عن الجديد ليحافظ على جمهوره الأول .
إن التنوع في الطرح الإنشادي ظاهرة صحية . من خلاله تتسعُ قاعدة النشيد ، و يسمعُ به من يُصِمُّونَ الآذانَ عنه مدَّعين أن لا حضورَ له ، و يَكْتُبُ له التاريخُ أنه أحدُ العناصرِ الفاعلة في المشهد الثقافي و الفكري الذي يتفاعل معه غيرُ فئةٍ من فئاتِ المجتمع .
على أنه ينبغي التذكير بما قلناه سلفا من أن وضوح المرجعية و صدق التوجه وحكمة المنهج عناصر مهمة للنجاح الكامل . وهنا ينبغي أن نقول للمنشدين الذين يؤمنون بالجديد في النشيد: إن الإيقاع في منظومة النشيد ينبغي أن يُفهم على أنه المحاولة العفيفة المتطورة لتقديم فن شريف قادر على المنافسة وسط زحمة الفساد الذي يلبس في كل يوم لَبوسا . الدف هو الأساس ، والإيقاع والمؤثرات ينبغي أن يقدما الدف كإيقاع جميل . والإيقاع ينبغي أن يكون المنطقة الوسطى بين الثنائيتين المرفوضتين أبدا : (الإفراط) و (التفريط) .
والله من وراء القصد ،،



الأربعاء، 16 مارس 2011

مسرحية : مواء القطة .. رؤية اجتماعية ثقافية

المسرح فن جميل. إنه الحياةُ مصغرةً في مساحة صغيرة.. ينتزعنا من الحياة ليعيد إنتاج شخصياتنا من جديد، فإذا رجعنا إلى حياتنا مرة أخرى، وجدنا الحياة شيئا آخر..!! أداةٌ فاعلة يحتاجها أصحاب التأثير -على تعدد رؤاهم وأساليبهم- في مواجهة الإنسان والكون والحياة.
ومهرجان المسرح العماني تجربة معطاءة في هذا السبيل، وشرفة رائعة على الجديد في هذا العالم تستحق الإشادة والتقدير، ولابد من دعمها حتى تستمر وترقى..

كنت ضمن من حضروا لمتابعة مسرحية (مواء القطة) التي فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي ضمن فعاليات مهرجان المسرح العماني الثالث. فكرة النص جميلة جدا، ولها دلالات بالغة العمق، تدور حول زوج وزوجته يعكس من خلالهما المؤلف في رمزية جميلة واقع الأمة. فالزوج هو (أبو شوارب) الذي حلق شواربه بعد أن تغيرت الأسباب من حوله ليعيش أسيرا للماضي حيث كان قويا ومهابا، تتغزل فيه النساء، ويتمنى الرجال من حوله أن يكونوا مثله. والزوجة (عذراء)، تضطر إلى ممارسة البغاء بعد أن ضاقت بها سُبُل العيش، أملا في الحصول على قوت يومهم، ورغم علم زوجها بذلك، فإنه يستمر في العيش في ماضيه، هربًا من واقعه المرير. فأبو الشوارب –إذن- رمز للأمة، وزوجته رمز للأرض.

النص المكتوب باللغة الفصحى، كان أداء الممثليْن له خليقا بالإعجاب. هنا تكتشف جمال اللغة العربية، حين تختلط بتفاصيل الحياة المعاصرة.. تنتقل كلماتها بسلاسة ولطف بين المتكلميْن، فتعظم في العينين، ونرجع أدراجنا ونحن أشد حبا لها من قبل.. هل كان كاتب النص –عندما اختار الفصحى وعاءً لفكرته- يهدف فعلا إلى أن يحببها إلى من لا يحبها، أو أن يبلور حب الذين تدفعهم العاطفة إلى حبها دون قناعة عقلية فيتأسس على تجربة حقيقية؟
هكذا يعمل المسرح في أكثر من حقل، ويلعب على أكثر من وتر، ويؤكد على إمكانياته القوية في الدفع بذائقة المجتمع إلى الأمام، لتكون الرؤى الجمالية لدى كل فرد فيه أكثر عمقا وأصالة..

رغم هذا كله، ورغم أن الممثلين اللذين قدما العرض على مستوى رفيع من المهارات المسرحية، فإن توجيه هذه المهارات –وهنا نُشْركُ معهما المخرج- لم يكن في صالح المجتمع! لأن العرض الذي قدمت به المسرحية، من شأنه أن يؤسس ثم يكرس لانفصال حاد بين الفن وأخلاقيات المجتمع الذي ينظم هذا المهرجان، ويفترض أن يكون قد وُجد من أجل الرقي به ثقافيا وفكريا وروحيا..
الحقيقة أنني لم أخرج بانطباع طيب، ولم يفضِ بي العرض إلى سعادة غامرة كما كنت أتمنى، وأكثر من هذا أجدني أقف على حقيقة مفادها أننا كنا من البراءة والطيبة بمكان كبير!!.. فقد حسبت أن الوسط الفني في عمان مهما عصفت به رياح التغريب التي تنكأ جراح الأخلاق والقيم هذه الأيام، فإنه لا يمكن أن يسمح لنفسه بتجاوز ما تعارف عليه المجتمع العماني المسلم من مبادئ الدين وتقاليد الحياة الاجتماعية فضلا عن أن يضرب بها عُرْضَ الحائط!!..

العرض حافل بالإيحاءات الجنسية الواضحة في كثير من تفاصيله، وحتى أكون موضوعيا دعوني أؤكد على هذه الكلمة: (إيحاءات) لأنها حركات لم تصل إلى الصورة الكاملة للقبلة والعناق وما يليهما.. أما التماس بالأيدي، و دوران الأجساد حول بعضها من قريب، وحركات الرقص، والاضطجاع جنبا إلى جنب..، فهو كثير كثير بدرجةٍ تجعل الناظر يشكك في أن ما يراه عرضاً مسرحياً عمانيا!
وهذا الكثير الذي نتحدث عنه يشكل ضربة موجعة جدا للنص، لأن فكرة النص البعيدة هي تعميق الشعور بالأسى بإزاء ما آلت إليه الأمة من وضع مزرٍ أصبحت فيه موضع سخرية من الأصدقاء والأعداء، يومَ أن تخلت عن مكامن القوة لديها وأسباب العزة والهيبة، مما جعل أرضها وما فيها من ثروات نهبا للاستعمار.
النص إذن يستفز فينا روح التغيير، لاستعادة عزتنا ومجدنا التليد، وهو ما لن يتحقق بالطبع إلا بالأخذ الجاد بأسباب هذه العزة والهيبة مجتمعة..
أقول: إنه يشكل ضربة موجعة للنص، فالعرض –بالطريقة التي قدم بها- يحلق شوارب المجتمع لأنه يدفع باتجاه أن يتخلى أفراد المجتمع عما يعمق انتماءهم إليه من عادات و تقاليد حميدة تشكل رمزا واضحا للهوية.. هو لا يقول ذلك صراحة، و لكنه يصب في اتجاه تطبيع بعض الأفكار والمفاهيم الدخيلة..!!
فهو عِوَضَ أن يستفز طاقات المجتمع -كما يُفهم من النص- باتجاه التغيير الإيجابي، يستفز بشكل صريح مشاعر قطاع واسع من المجتمع العماني، يحبون الفن ولكنهم يحبون فيه الأخلاق، ويرحبون بالجديد ولكن ليس على حساب إرثهم الديني و التاريخي..

فما قيمة المسرح في ميزان الحياة الاجتماعية، إذا لم يدعم الأسس الدينية والاجتماعية والثقافية التي أنفق عليها المجتمع مئات السنين بالأنفس والأموال حتى تكون هوية وعلامة؟
وما قيمة المسرح في الميزان الوطني، إذا كانت خطابات عاهل البلاد وسيد النهضة الحديثة وتوجيهاته تشدد وتؤكد على أهمية المحافظة على المنجز الثقافي والاجتماعي للوطن العماني، بينما يلعب المسرح في الاتجاه المعاكس باسم الثقافة والتطوير والتحرير، ليخرج لنا جيلا بلا ثقافة ناضجة، غير قادر على صنع الحضارة أو التعبير الطاهر عن الحرية؟
لقد أكدت أقوال جلالة السلطان –حفظه الله- وأفعاله على أهمية أن يدرك العمانيون القوة الماثلة في تاريخهم،  فهو يقول في خطاب العيد العاشر (مثلا): "إننا حين نعمل ونخطط للتطور المادي والاجتماعي لبلدنا، يجب أن نضع دائما نصب أعيننا حقيقة وهي: أن قوتنا لا تكمن في الازدهار المادي وحده، بل إن قوتنا الحقيقية تكمن في التراث العماني العريق، وشرائع ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. لذلك يجب أن لا ندع الأشياء المادية والأفكار الدخيلة تستحوذ على مشاعرنا لدرجة تجعلنا ننسى تراثنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة".

لست ضد التجديد في المسرح، فمن المسلمات البسيطة أن العمل الفني لا يحقق صفة الإبداع إلا إذا كان جديدا لافتا يضيف إلى ما سبق.. لكن البعض يخطئ في اقتناص هذا الجديد، فيجعل من مخالفةِ مألوفِ المجتمع في العادات والتقاليد والثوابت عموما، المرعى الذي تنشط فيه أدواته، ويحسب أنه بذلك يفي بما يطلبه الإبداع الفني منه، فيما كان بإمكانه أن يأتي بالجديد بناءً على هذه الثوابت، وإعادة إنتاجها وتقديمها ليتلقاها الأجيال في أحسن صورة وأبهى حلة ..
وعندما نقول: (العادات والتقاليد والثوابت)، فأرجو ألا ينصرف الفكر إلى القديم المتهالك الضار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فهذا ينبغي تجاهله وتركه. نحن نؤمن بالحرية الفكرية، ونرحب بالتثاقف البناء فالحكمة ضالة المؤمن، لأنها تزيده عمقا معرفيا بما حوله، وارتباطا حقيقيا برب هذا الوجود..  

إن التبعية العمياء، و الخطأ في الوقوع على موضع الاقتداء في النماذج المعروضة أمام الفنان -أيا كان- توقِعُه في مطباتٍ وأمام عراقيل.. وبعبارة أخرى: يحاول البعض -مثلا- الاستفادة مما يكتبه بعض الأدباء العالميين فيجعل من كل أدبِهم قدوةً، زاعما أن النجاح والتفوق يكون في محاكاة هؤلاء الكبار، وناسيا تفاصيل مجتمعه التي قد لا تستجيب لخبرات أولئك الكتاب، وترفض أدواتهم في المعالجة!
وقياسا على هذا، نحن نحب أن يستفيد المسرح العماني من تجارب من سبقوه، ولكن على أن يتأسس هذا على احترام قيم المجتمع، لا على فرض مفاهيم سلبية جديدة تتعارض مع كونه مجتمعا عربيا مسلما..

إن السؤال الاجتماعي والثقافي الذي يطرح نفسه على مهرجان المسرح العماني هو: من يخاطب هذا المهرجان؟ وبأدوات من يعمل؟.. هل يعني السماح لمثل هذا العرض، أن يحفل المهرجان القادم بمشاهد ساخنة كما يحدث في كثير من المسرحيات والأفلام العربية المعروفة.. هل يراد لنا أن نصفق غدا لعروض تهز قناعتنا بما عرفناه من مبادئ وأخلاق، فإذا قلنا لإخوتنا: (إنكم تسيئون للمجتمع) قال قائل منهم: إنك لمجنون فهذه هي رسالة الفن!..

نحن نحب المسرح، ولهذا يُكتب هذا المقال.. نحب المسرح الجميل الذي نريد أن نحضر لعروضه وأيدينا بأيدي أزواجنا وأطفالنا.. نحب المسرح الذي يعزز فينا الأخلاق الفاضلة ويثير فينا الملكات الطيبة الخاملة ويقدم لنا ثقافة تنفعنا في الدنيا والآخرة..
نحب المسرح الذي لا يتقاطع –كما قال أحد الكتاب- مع محتوى الإنسان الأصيل فينا، ويعزز قناعاتنا الاجتماعية التي تحفظ لنا هوية خيرة، فمن ثم ندعوكم أيها المسرحيون والقائمون على مؤسسة المسرح أن تلتفتوا قليلا إلى فلسفة هذه النهضة التي أرسى دعائمها جلالة السلطان المعظم –حفظه الله- .. ألا ترون أننا في كل خطوة نخطوها –خلال ثلاثين سنة- في دروب المدنية الحديثة، نلتفت دائما وأبدا إلى منجزنا الثقافي والاجتماعي..
إننا نرجوكم ألا تسيئوا توظيف المدنية، و أن تضعوا عمان بين أعينكم، وعندها سنحبكم أكثر، وسنحييكم بأجمل ما تكون به التحية!

خواطر ثقافية | (1) | صندوق العجائب !!

(1)
إنها دنيا عجيبة ..
ألم يأتك نبأ من دعا الناس إلى ( الحرية )
يقول لهم إنها ( طاهرة ) ،
فلما أقبل إليه الطاهرون
قال للملأ من حوله :
" أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون "
ألم يأتك حديث من خرج من الحانة تسكره الخمرة
فقال للناس :
مرحى مرحى للصحوة ؟
ألم يأتك حديث من جعل الناس جديدا و قديما ،
فقال :
هذا يعيش في الماضي ،
و ذاك آتٍ من العصور الحجرية ،
وهؤلاء ( المطاوعة الجدد )
و أؤلئك ( المثقفون الجدد ) .. ؟
**
ألم أقل لك إنها دنيا عجيبة يا صديقي ؟

الثلاثاء، 8 مارس 2011

يا موقفي بين يدي ربي !

نشيد : يا موقفي

من ألبوم ( انظر لنا )
كلمات : الشيخ عبدالله بن علي الخليلي
تلحين : أبو نصر المعمري
إنشاد : أبو المهند العميري
//

الاثنين، 7 مارس 2011

مفردات ساخرة في ثقافة المظهر ..


إنها الكُرة مرة أخرى ! .. تناور بخبث و مكر . تتقدم ، و تلبس لكل مكان لبوسه . في نقطة الوسط هي رأس الحكمة التي يجتمع حولها الناس ، و عند المتقدمين هي سلاح الهجوم ، و عند المتأخرين هي سلاح الدفاع ، تقيم الناس و لا تقعدهم حتى تصل هي إلى ما تريد .. هذا الكائن الصغير الذي يحيا بالنفخ وليس في جوفه إلا الهواء يعز بعض القوم ويذل البعض الآخر .. وهو في نهاية الأمر جبان أمام إبرة صغيرة تقف بثبات !! .. يا للسخرية ! .. إن للزمان بيننا يا أصدقائي كُرةً ساخرة هذه بعض حكاياتها !

// أرقام الهوامير //
منذ أيام اشترى فلان سيارة . لقد كانت فرحة كبيرة له ولأسرته . من ذا الذي يرزق سيارة جميلة نظيفة لونها رصاصي في هذا الزمان الصعب ؟!! .. لا ، والأكثر من هذا أن لها رقما ثلاثيا ! .. هل تعرف ماذا يعني أن يكون لسيارتك رقم ثلاثي ؟ .. يعني أنك إنسان مهم ، ومقامك عال ، ولك صولة وجولة ، وربما عدك الناس من الهوامير؟ .. ( الهوامير جمع مفرده هامور ، و هو وإن كان يشير ــ فيما يشير إليه ــ إلى الضخامة و القوة فلا علاقة له بسيارة الهامر الأمريكية ، بل علاقته المباشرة بسمكة تسمى الهامور ، لست أدري إن كان صحيحا أنها تغدو قوية و غنية أكثر كلما افترست سمكة صغيرة فقيرة لا حول لها و لا قوة !! ) .
إن هذه المعادلة ( قلة عدد الأرقام يساوي القوة و الأهمية ) تزداد لمعانا و بريقا إن كان الرقم ثنائيا أو أحاديا ؛ فحينها أنت في نظر الناس من حولك شخص أنزل من السماء ، تسكن في أحسن الأماكن في العاصمة ، و ليست لديك سيارة واحدة فقط ، بل هو أسطول كامل ، وليس يرضيك إذا دخلت أحد مراكز التسوق الكبيرة إلا أن تشتري بالمئات في كل مرة أسبوعية !
دعك من هذا كله .. هناك سوق رائجة الآن للأرقام يا صديقي ، فهناك من يشتري رقم لوحة سيارته بالألف و الألفين وصولا إلى مئات الآلاف من الريالات !! .. و هكذا تستطيع أن تكون ذا شخصية مرموقة بسرعة إن أسعفك الحظ برقم ثلاثي أو أقل ..
إذن .. الرقم أولا ، ثم أنت المهم ، والهامور ، و رجل المهمات المستحيلة ، و البقية تأتي !

// هواتف الجدات //
أخيرا اشترى فلان لجدته هاتفا نقالا !! .. و لم لا ؟ جميع الناس يمتلكون هواتف نقالة هذه الأيام ، أفيقضي على مستقبل جدته في السلك الاجتماعي وهي ما تزال حية ترزق ؟!!
المدهش في الأمر أن جدته اشترطت أن يكون الهاتف من نوع ( نوكيا N75 ) فقد سمعت أن له آلتي تصوير أمامية و خلفية . الأمامية للتصوير الذاتي حيث يمكنها أن ترسل صورتها للصديقات والأولاد و الأحفاد ، و الخلفية لتصوير المناظر الخلابة التي ستراها من وراء نظارتها الطبية الكبيرة ..
قيل لفلان : ألم تجد غير الهاتف النقال لتشتريه لجدتك الطيبة ؟ .. فقال فلان : لم أجد هدية أجمل و أفضل و أكمل من هذا الهاتف ! ثم إن كل أبنائها و بناتها وأحفادها لديهم هواتف نقالة ، فلماذا لا يكون لديها هي الأخرى هاتف نقال ؟!! ..
الجدير بالذكر ، أن الجدة الطيبة لا تعرف القراءة و الكتابة ، و حسبها إن تجاوزت لهجة الحوار اليومي أن تقيم كلمات الصلاة ! .. وقال شاهد عيان : إنه رآها تمسك بالهاتف بيديها الاثنتين و تنادي بصوت أنهكه الزمن أحد أحفادها ليقرأ لها رسالة وصلتها من جدة طيبة مثلها . . .


// سوبر كلام //
بعد طول معاناة مع الشوارع و نظرات الناس وسائقي سيارات الأجرة ، ابتسم الحظ لفلان ليعمل في إحدى شركات القطاع الخاص في العاصمة ! ..
أنهى فلان هذا دراسته الثانوية بنسبة بسيطة ؛ فلم يجد في انتظاره إلا البيت الذي خرج منه للامتحان كل صباح محمرّ العينين بعد سهرة طيبة مع مجموعة أليفة من شباب القرية !
في عمله الجديد قرر فلان أن يمكث شهرين متواصلين في العاصمة لا يأتي خلالهما إلى القرية ، وذلك من أجل أن يكتشف العالم الجديد الذي أسعده القدر بالعيش فيه .. وبعد أن تم له ما أراد عاد إلى قريته ، وقال كل من رآه : لقد تغير فلان حقا .. لقد تطور فلان ! ..
الآن يقول إذا تحدث عن الإجازة الأسبوعية : ( أجمل ما في الويك إند (Weak End)  أنك ترتاح من العمل ) و إذا سأل أحدا عن طفله الصغير : ( كيف حال البيبي (Baby) الصغير ؟ ) ، و إذا طلب أحد منه شيئا فوق طاقته صاح بصوت ذي شجنٍ آسر: ( آي كانت ! ( I can't ) أنا مشغول ) ..
مما يجدر ذكره أن لهجته القروية تتغير أحيانا لتصير جملةٌ مثل ( كيف حالك ؟ ) إلى : ( إش لونك ؟ ) و ( اتصل بي ) إلى ( اتصل فيني ) ، و ( ما كذاك ) إلى ( مو كذيه ) .. و كلمة مثل ( أبغاه ) القريبة من فصيح اللغة ( أبغيه ) بمعنى الإرادة ، صارت الآن : ( أبيه ) ،  و ( إيش ) القريبة من فصيح اللغة ( أيُّ شيء؟ ) للاستفهام صارت : ( شو ) ، وهكذا ..
ويروى أن أحدهم سأل هذا الفلان عن سر هذا التحول فأجاب بأنها الوسيلة المثلى لجذب الأنظار ولفت الانتباه ! ..

// بث مباشر وأخير//

أعزائي المتابعين : إن الاهتمام بالمظهر وتضخيمه لن يسمن و لن يغني من جوع المضمون . ثمة أشياء كثيرة تصرخ بعالي الصوت لكي نهتم بها لأن فيها سر القوة والتقدم الحقيقيين ..
الاهتمام بالمظهر يا أصدقائي فردية موغلة في الأنانية ، يصفها مؤلف كتاب (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد ) بأنها هوس مرضي يمارسه الفرد تجاه تفاصيل تتعلق بمظهره و كل ما يتعلق بشخصه وحياته الخاصة .. ويقول إنها حب مبالغ فيه يوجه الشخص إلى ذاته ، و أن هذه الفردية و طقوسها تتحول مع الوقت ومع الاهتمام الزائد بتنميتها إلى عبادة يوجهها المرء نحو ذاته (عبادة الذات )..
أيها السادة : نستطيع أن نكون كبارا نملأ الأعين ، يُنظر إلينا نظرة الاحترام والتقدير  بالالتفات أكثر إلى المضمون بما يعنيه من قيم أصيلة ومبادئ نبيلة و أخلاق حميدة وثقافة وطيدة ..
وحينها يا أصدقائي ، بل حينها فقط ، لن تمتصنا الأعين الزرقاء ، و لن يضحك علينا الفم المحلوق من جوانبه ، و لن نكون أقزاما أمام البنطلون و الكارفتة !!!

ماذا لو أنه .. ؟!

القذافي – بحسب ما أعلن مؤخرا – تقدر ثروته بحوالي 131 مليار دولار، و جاره حسني مبارك تقدر ثروته بحوالي 70 مليارا، و من قبلهما زين العابدين بن علي قدرت ثروته بحوالي مليار ونصف ..

كنت أتساءل:

لو أن واحدا من هؤلاء قرر التنحي عند سماعه أول صرخة دوَّت :
(( الشعب .. يريد .. إسقاط النظام ))
أما كان يعصم نفسه من سخط الناس ورغبتهم أن يصير إلى مزبلة التاريخ ؟
أما كان سيظل عظيما ، مقدرا ، يذكره الناس باعتباره رمزا تاريخيا ، ويسكتون إما حياءً وإما إكراما له عن ثروته الهائلة التي نهبها ظلما وعدوانا ، ويغضون الطرف عن مساوئه، لأن تنحيه كان فضيلة عظمى تمحو ما اقترفه من سيئات ..
ومن البدهي أيضا ( وهذا هو المطلوب أصلا ) أنه سيعصم أرواحا أن تزهق ، و دماء أن تسيل ، ومصالح بلده أن تتأثر أو تنهار ..
لكنهم أبوا واستكبروا ، فحقت عليهم لعنة الله والناس أجمعين ، وإنه قول الله جل وعلا يتحقق فيهم: ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) ..

كان القذافي يقول مستنكرا لمن خرج متظاهرا وطالب بتنحيه : (معمر القذافي مجد و لا يمكن أن تفرط فيه ليبيا  ولا الدول العربية أو الإسلامية أو الإفريقية أو  أمريكا اللاتينية)
كان يمكن للقذافي أن يصير رمزا تاريخيا خالدا كما أراد ، و مجدا مؤثلا كما يطلب أن يكون في أعين الناس لو أنه قرر التنحي بمجرد سماعه الجملة التي دوّت في أرجاء ليبيا – بعد أن أصبحت علامة مسجلة للمظاهرات الشعبية – لكنه رفض ، وأعطى ذلك الصوت أذنا صماء ، وقال إنه سيكون صخرة صلبة في مواجهتها ..

حسنا..

صخرة القذافي الآن تتفتت شيئا فشيئا، و كل محاولاته وعروضه تبوء بالفشل، وليس يغني عنه شيئا قوله : إن الشعب كله يحبني وهو مستعد للموت من أجلي !!! ..
وهو صائرٌ – كما قرر الشعب الليبي العظيم – إلى مزبلة التاريخ، كما هو مصير أخويه من قبل زين العابدين بن علي و حسني مبارك لأنهم جميعا لم يحسنوا الإمساك باللحظة الفارقة .. أعماهم عنها الغرور والكبر – وربما البطانة الفاسدة أيضا - !

هذه اللحظة الفارقة تحتاج إلى حكمة بالغة، لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم من المعرفة الكاملة بطبيعة شعبه والظروف الدولية المحيطة، واليقظة التامة للبطانة التي قد تزين له السيء وتخفي عنه القبيح فلا تريه إلا جنة وحريرا ، وقبل هذا وبعده الحنكة السياسية والثقافة العامة التي تجعله – في عين الشعب - قيمة مضافة لا عبئا ثقيلا زائدا عن الحاجة يرجى الخلاص منه!
وأحسن من ذي الحظ العظيم الذي ذكرناه، حاكم يصنع اللحظة الفارقة عوض أن ينتظر الإمساك بها، وهو الذي سيظل على الدوام محل قناعة الشعب بأنه الجدير بالحكم، تذكره بالخير صباح مساء، وتشكر الله على نعمة اسمها هو.

إن الشعوب لا تريد الحاكم الجبان الذي يستمد شجاعته من بطش أتباعه ثم ينكشف في اللحظة الأخيرة عن لص جبان يفر خائفا يترقب دولة تمنحه اللجوء السياسي.
و لا تريد حاكما يضرب بمصالح الدولة والأمة يمينا وشمالا من أجل مصالحه الشخصية، فيقنع بمن ثبت فساده وزيرا وخفيرا لأنه سيسكت عن كثير و لا بأس عليه –بعدها- إن زنا و إن سرق ، فيما يأنف من الشرفاء الأكفاء الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.

تلك هي سيرة الشعوب الحرة ، و لا يغرن حاكما صمتها الطويل ، فإنها إن أعلنت أنه الكلام وإنها الثورة ، فستقول حتى تبذ الناطقين ، وستقوم فلا تقعد حتى يستوي العدل على كرسي الحكم ، وويل حينها للظالمين ، والله المستعان !