الأحد، 25 نوفمبر 2012

أنا والسيارات!


في زمن الطفولة، أذكر أني سميت دراجة لي (المطارد). أردت أن أقيم علاقة وجدانية بيني وبينها رغم كونها جمادا! وعندما بدأت مرحلة السيارات في حياتي، دأبت على وضع اسم لكل سيارة لذات الهدف.

سميت أول سيارة اقتنيتها (الجبل). خرجت من رحم هايونداي وسماها الكوريون (أكسنت).. هل تذكرونها، تلك الصغيرة الحجم؟ كانت بيضاﺀ اللون، وكنت أقول لمن يركب معي: "هذي جبل.. ويا جبل ما يهزك ريح" .. عاش (الجبل) معي سنة أو أكثر.. وأذكر أنني لم أشتك منه إلا رجَّةً بسيطة كانت تعاوده كلما اقتربنا من الدوارات المرعبة بعد سرعة معينة! وبعد أن عالجت هذا الخلل بمساعدة أصدقائنا الهنود، عاد (الجبل) جبلا لا تهزه الريح و لا ترعبه الدوارات ..
أكثر الظن أن (الجبل) لم يشتك مني أيضا فقد عاملته بالحسنى وكنت حريصا على رعايته كل 5000 كم، ليس في كراجات القرية، بل في محطة بريستشن تيون المعروفة، متحملا في سبيل ذلك السعر المرتفع بالمقارنة مع أسعار الكراج العريق في القرية الذي يديره (بابو) هذه الأيام.

(زادت الفليسات) و(كبرت العزبة) كما يقولون، وبعت الجبل بثمنه الذي اشتريته به إلا خمسين ريالا. لقد أسرني بوفائه!.. لكني وجدت حُسْنَ العزاء فيه لأن من اشتراه هو أحد الأصدقاﺀ!
على إثر الجبل، جاﺀ (الشامخ) الذي كان من أصول يابانية. خرج من رحم ميتسوبيشي وأسمته (جالانت).لم سميته بهذا الاسم؟
كان فيه شيﺀ من الشموخ، ودلتني سيرته العطرة التي حكاها لي صاحبه الأول، وهو أحد الأصدقاﺀ، على عَظَمةٍ، عبر عنها أحد الهنود بقوله " هذا رقم واحد.. نفرات عماني فكر تويوتا بس زين" سألته عن سبب هذا التفكير لدى العمانيين دون غيرهم، فأجاب غير هَيّاب ولا متلعثم: "عماني تليفجن دائما قول: تويوتا بس تويوتا بس"!!

كانت لي مع (الشامخ) صولات وجولات، ذهبت به مرتين إلى صلالة، ويبدو أني لم أدشن خط الإمارات إلا متأخرا وإلا لكنت ذهبت به إليها.. وكان رفيقا حسن السيرة طيب السريرة، يرضى بالقليل، ويحمل عنا الكثير، فأحبه جميع من في البيت ونظروا إليه على الدوام بإجلال واحترام.. لكني بعته أيضا!
حدث هذا عندما (زادت (الفليسات) و(كبرت العزبة)، وقد كدت أبكي عندما قفلت راجعا من سوق نزوى ومعي ألف وسبعمائة ريالا عوضا عنه. قال لي بعض إخوتي مستنكرا: أتبكي على سيارة من حديد؟!

ذكرت حينها موقف شيخنا الجليل حمود الصوافي -حفظه الله- حين ركب سيارة قديمة له، وكان قد اشترى إلى جانبها سيارة جديدة، فسأله بعض من معه عن سر تفضيله القديمة أحيانا.. أعاد عليهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الرفق على كل شيﺀ"...

والرفق هنا هو أن نتعامل بمشاعر إيجابية حية مع جمادات –وإن كانت لا تشعر، فإنها- تبعث الحياة من حولنا جميلةً وسهلة العيش، وهو الشعور بالامتنان لوجودها في حياتنا فنرد لها الجميل بإحسان التعامل معها، وهو المستوى الراقي جدا في إنسانية الإنسان!