الأحد، 2 ديسمبر 2018

أكتوبريات | 2018م


    
هل تذكرون محمد الدرة؟
- الطفل الفلسطيني الذي قتله الصهاينة في حضن أبيه..
هل تذكرونه؟
- كان هو موضوع نشيدٍ قدمته في المهرجان الإنشادي الثالث. كان ذلك قبل حوالي 15 عاما من الآن.
أتذكره الآن في وقت تقتل فيه إسرائيل كثيرا من أطفال #فلسطين. مات الدرة ولكن روحه لم تمت، ولن تموت. الشهداء أحياء لا يموتون. أرواحهم تُحَلِّقُ على مرأى ومسمع من السائرين على دربهم النبيل، تلهمهم وتوجه مسيرتهم في اتجاه الثبات على المبادئ الكريمة والوفاء للقيم العظيمة. رحم الله الدرة وحفظ الله فلسطين الحبيبة..



30 أكتوبر
‏"الإسلام ديننا، ومحمد نبيّنا، والكعبة قبلتنا، والقرآن إمامنا. رضينا بالحلال حلالا لا نبغي به بديلا، ولا نشتري به ثمناً قليلا، وحرّمنا الحرام ونبذناه وراء ظهورنا، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل"
|
طالب الحق الكندي
من خطبته لأهل اليمن



30 أكتوبر
يملك الأمر من ناصيته؛
من يتمتع بحس عال من المسؤولية،
من يملك زمام المبادرة والإقدام،
من يتبصر جيدا قبل أن ينفق خطوة في أي اتجاه،
من يعرف الفرق الدقيق بين الشجاعة والجنون، وبين التعقل والجبن..
من يعرف نفسه أولا، وماذا يريد في حياته كلها..



٢٩ أكتوبر
يتفاوت الناس في حظوظهم من كل شيء؛
بقدر ما يتفاوتون في نواياهم، وأفكارهم، ونظرهم للماضي والحاضر والمستقبل، وصِلاتهم الروحية بِرَبِّ القدرة العلية، والرسائل التي يبعثونها لأنفسهم -تبعا لكل ما سبق- في خلواتهم واجتماعاتهم..
يتعين علينا أن نجتهد -حتى آخر نَفَسٍ لنا في الحياة- للحفاظ على روح إيجابية معطاءة، تجعل نصيبنا من الدنيا والآخرة -على حد سواء- الفردوس الأعلى من الجنة!



٢٨ أكتوبر
يا مسجد الأقصى
تناثر حولنا هَمٌّ وأوهامٌ وليلٌ أليل
ها نحن في زمن المصائب
لم نزل نلقى الخطوب بضعفنا
ونحوقل
••



27 أكتوبر
أنت تؤثر بطريقة أو بأخرى.
لك في لحظة ما، في مكان ما، في إطار موضوعي ما؛
لك -حتما- هنا أو هناك تأثير من نوع خاص،
فلا تستصغر حوارا تقيمه في بيتك، أو رأيا تبديه بين أصحابك، أو كلمة تكتبها في صفحتك الاجتماعية..
ستظلم نفسك والمحيط من حولك (كثيرا) بالسكون الميت حين يكون الرأي بالحركة، وبالحركة الفَجَّة حين يكون الرأي بالهدوء والتعقل.
كن على يقين من هذا..
أنت تعلم ما يتعين عليك فعله؛ فانتبه!




27 أكتوبر


٢٦ أكتوبر
فلسطين داري
ودرب انتصاري
تظل بلادي
هوىً في فؤادي
••
اللهم إنك تعلم أننا نكره النتن المجرم،
وأننا ضد كيانه الغاصب..
اللهم إني عماني ضد التطبيع؛
أسألك أن تكتب
لفلسطين وعمان خير هذه الزيارة
وأن تعيذهما والأمة العربية والإسلامية من شرها..
اللهم جنبنا اللغو وارزقنا الحكمة!



٢٦ أكتوبر
‏يعجبني أن أكون عاقلا، متريثا، قبل أن أطلق حكما في أمر لم أعلم تفاصيله بعد.
أن يكون نتنياهو في مسقط أمر لا يروق لي، بلا ريب، لكن للسياسة أحكامها المرة في عالم لا أخلاق له.
أنا عماني ضد التطبيع وأثق أن حكمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد تسير في اتجاه أن تكون عمان بوابة السلام.



٢٤ أكتوبر
في النجاحات والإخفاقات على حد سواء؛
كما أن عليك (مكافأة/ معاتبة) القيم الكبرى التي أفضت بك إلى هذه النتيجة،
فإن عليك إعادة النظر في تلك القيم الصغرى والتفاصيل البسيطة التي كانت تناضل في صمت، في سبيل أن تفضي إلى ما أنت فيه.
- لم تكن تعلم أنها مؤثرة إلى هذه الدرجة.. أليس كذلك؟!
أما وقد انتبهت الآن؛
فإن عليك أن تحتفي بـ(الحَسَنِ) منها وأن تزيده،
وأن تفتح عين الحذر على ما دون ذلك؛ فتصلح ما يمكن إصلاحه، أو تخالفه إلى ما يأمرك به الحزم والحنكة والبصيرة..



٢٢ أكتوبر
استمعت مرة إلى كاتب كبير وهو يتحدث.
يا للمسكين!
خانته العبارة، وغارت منه الفكرة، وكان يتعثر في أسلوب الكلام..
لم يكن خليا من الأفكار، ولكن ثمة تدافع فج واضح فيما بينها، بما جعله –في كثير من مفاصل الحديث- يعيا في تفضيل إحدى فكرتين متدافعتين، فما إن يبدأ في أولاها حتى يقطعها بالثانية..
وذلك شيء لا تجد مثالا له في كتاباته المنمقة المرتبة اللطيفة.
- لكل إنسان طريقته الفضلى التي يأنس إليها حين يتواصل مع الناس،
وإن من الحكمة أن يقدم الإنسان نفسه (أكثر) بما يُحسنه من أساليب التواصل، كما أن عليه –بلا ريب- أن ينهض بطريقته في الأساليب الأخرى!



١٥ أكتوبر
يكسب شعر الشاعر الكبير شاعرية أخرى مضافة؛ أن يتلقاه عارف حاذق فطن..
تلك الشاعرية تتجلى في أداء صوتي فتان، أو في تنزيله في المواقف والمواقع المناسبة من الكلام، أو في تحميله كنوزا من التأويل والتحليل تجعله أعمق وأكثر فاعلية، وفي غير هذا كثير..
وتلك الشاعرية -في بعض تجلياتها- قد تفوق الشاعرية الأولى التي كانت سببا لها، تماما كما هو شأن من يحمل فقها إلى من هو أفقه منه!



١٤ أكتوبر
يُقَرِّب إليك ما أنت أهل له من المكاسب أن تتكلم، أن تُكمل الصورةَ الأولية عنك بصورة أوضح منها قليلا، أن تؤكد الانطباع الإيجابي وتُنَقِّيَه مما يشوبه من انطباعات سلبية. تلك أشياء لا تشترى بالصمت وإنما بأن تتكلم بصوت واضح مسموع. ليس الذهب في وعاء الصمت دائما، فقد يكون في الكلام.



٩ أكتوبر
لأنه يتعذر على الإنسان
تحديث معلوماته –سريعا، وبشكل دقيق-
بشأن ما تطَوَّرَ لدى أقرانه في مجال أو حقل معرفي ما من مهارات ومعارف،
ولأسباب أخرى كثيرة؛
فإنه من غير الموضوعية في الأحكام أن يَدَّعِي المرء بأنه الأفضل في ذلك المجال بلا منازع. وليس يجنح به إلى الإنصاف أن يقول (مثلا) إن ذلك تعبير مشروع عن الاعتداد بالنفس أو تقدير الذات، فقد كان أسلمَ له أن يكتفي –بدلا من قوله هذا- بالزعم أنه أحد أفضل الخبراء في المجال!
* الاعتداد المبالغ فيه بالنفس؛
يورد الإنسان (أحيانا) موارد الغرور..



٨ أكتوبر
حضرنا مرة برنامجا تدريبيا، جمعنا المدرب فيه على لوحة موضوعة في الأرض، مرسوم عليها شكل ما، وقسمنا إلى أربع مجموعات. في المكان الذي وقفنا فيه، بدا لنا الشكل المرسوم على هيئة حرف (E)، وحين انتقلنا للجهة المقابلة تماما بدا لنا على هيئة الرقم (3)، ثم بدا لنا على هيئة حرف (W) حين انتقلنا لجهة أخرى، وأخيرا بدا لنا على هيئة حرف (M) في الجهة المقابلة لها تماما.
كان الرجل الحكيم يريد أن يخرج كل منا بفكرة مفادها أن لكل شخص مبرراته المنطقية فيما يتبناه من آراء وقناعات، وأننا لو انتقلنا للزاوية التي يتفاعل فيها مع موضوع ما؛ فلربما كانت لنا الآراء والقناعات نفسها، وأن في الأمر سعة.
إن كونك محقا في رأيك لا يعني بالضرورة أن من يخالفك الرأي مخطئ. قد تكونان مصيبان معا، كما قد تكون مخطئان معا إذا كنتما تقفان في جهة لا تمنحكما رؤية واضحة ودقيقة.
الحياة أوسع من أن تضيق بآراء مختلفة، ورحمة الله أكبر من أن تحصر في باب أو طريق واحد.



٧ أكتوبر
في بعض الأحيان:
يصرف عن الإنسان كثيرا من التبعات النفسية والجسدية، داخل نفسه وخارجها؛ أن ينظر إلى ما يراه الناس أحداثا مهمة جدا، جديرة بالاستعداد والتلقي على نحو غير معتاد؛ أن ينظر إليها على أنها أحداث عادية جدا، كسائر الأحداث المعتادة التي تحفل بها أيامه ولياليه..
إن تصوراتنا وأفكارنا حيال ما يقع حولنا؛ هو الذي يدفع بنا باتجاه التزامات وضغوط ذات علاقة بها. وإذن؛ فالأسلم -والحال هذه- أن نعيد تعريف علاقتنا بما حولنا، بين حين وآخر، لنقف منها الموقف الذي يناسب وضعنا وأحوالنا في كل مرة..



٣ أكتوبر
يقع الحدث،
فتتناوله الاحتمالات من كل حدب وصوب.
فهو مزعج بقدر ما يحتمل من تفسيرات سلبية، ومريح بقدر ما يحتمل من تفسيرات إيجابية. وهو شخصي بقدر ما يحيطه الإنسان من ملابسات شخصية، وعام بقدر ما يُسقطه في محيط الأحداث العامة.
الأحداث من حولنا –في أحيان كثيرة- قابلة لأن تتوجه إلى الوجهة التي نوجهها إليها. هي كالمركبة؛ نحملها بالقيادة والتوجيه، وتحملنا بما هي أهل له..
وهي لنا -لا علينا- حين نُحْسن قيادتها فحسب!



٢ أكتوبر
لو أن المسكون بهاجس الانتقام تأنَّى، وجَرَّب فكرة (العفو) أو (كظم الغيظ)؛ لربما صرفه ذلك عن شهوته التي لا تعود عليه –غالبا- بالراحة، لا في الدنيا ولا في الآخرة. إن في (العفو) لذةً تفوق لذة (الثأر)، لذةً دائمة في الدنيا وأجراً مُدَّخَراً في الآخرة. مَدَح الله الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وعَدَّهم من المحسنين الذين تُوَفَّى لهم الأجور. على أن الانتقام دائرة تدور؛ فإن تُحُكِّمَ في بدايتها، فإن التنبؤ والتحكم بنهايتها أمر صعب في كثير من الأحيان..



1 أكتوبر
أيها الوقود الحبيب؛
لم التغلي؟ لم الدلال؟ أما يكفيك أن لك في كل سيارة بيتا، وفي كل جيب كنزا، وفي كل مهمة حضورا؟ تواضع قليلا يا أخي.. تواضع لمن أحبك، وقربك، وأدناك؛ وجعلك فوق ماء الحياة -أحيانا كثيرة- وفومها وعدسها وبصلها؟!..
😢
#تسعيرة_الوقود_أكتوبر

الأحد، 28 أكتوبر 2018

مشارق | 3

(21)
صديقي العزيز؛
لست ضدك في تشخيص الواقع وتوجيه الرأي من حولك، ولكني أدافع عن حقي في أن يكون لي رأي مستقل. ولم، ولن، ولا؛ أصادر حقك في السخط أو الغضب، ولكني أناضل من أجل حقي في العيش في وسط إيجابي مريح. أنا لا أمنعك من الكلام، ولكني أبحث عن حقي في مكان هادئ. وتأكد أنني لا أحول بينك وبين الطموح ولكن كتفي لم تخلق لتكون سلما لك أو لغيرك. ودعك من هذا كله الآن، وتعال إلى مقولةٍ ملهمة تدعوك للعيش بحكمة والاختيار بذكاء:
"لا تسمح لمزاج شخص آخر أن يحدد مزاجك. وأيا كانت الظروف، لتكن استجابتك دائما ممتازة".




(22)
لا يعد شاعرا من يَصُفُّ الكلام اليومي المعتاد في وزن وقافية، ولا يعد فاتحا من يدخل البلاد عنوة فيُكْره أهلها على دين أو مذهب أو منهج ما، ولا يعد ضيفا من يتقحَّم الأسوار ويدخل البيوت من غير أبوابها.
وكذلك قال غسان كنفاني مرة: "كل الأبواب؛ يجب ألا تفتح إلا من جهة واحدة، وإنها إذا فتحت من الجهة الأخرى فيجب اعتبارها مغلقة لا تزال".
لا تكتسب الأشياء حقيقتها من واقعها الظاهري بقدر ما تكتسبها من تفاصيلها التي تقف في الخلف!




(23)
لكل شأن من شؤوننا ظروفه التي ينبغي أن يوضع فيها حتى تنجلي حقيقته.
ليس عدلا أن تحاكم الأحداث القديمة وفق القوانين والمعايير المحدثة.
"لكل مقام مقال" كما في المثل الشهير، "ووضع الندى في موضع السيف بالعلا؛ مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع الندى" على رأي #المتنبي.




(24)
أن تقرر الانتقام يعني أنك قررت العيش في دائرة لا تنتهي !
- ضع في بالك قول الله تعالى: "...والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس".
- وتذكر دائما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"..
- وإن شئت فاستلهم مقولة إيزاك فريدمان: (التسامح هو أحلى انتقام).




(25)
كلماتك التي تبعث بها مخلصا صادقا، ثم يرتد صداها إليك وحدك؛ تظل شجى في الحلق وهما في القلب، ولن تزال كذلك حتى يسمع صداها في كل ناحية. وكأني بغسان كنفاني يقول القول نفسه حين يصف حال المرأة التي تنادي ابنها (خلدون)، النائم في بيت أحاط به الدمار من كل جانب، حتى قضى فيه: "لقد رددت كلمة (خلدون) ألف مرة، مليون مرة، وظلت شهورا بعد ذلك تحمل في فمها صوتا مبحوحا مجرحا لا يكاد يسمع. وظلت كلمة (خلدون) نقطة واحدة لا غير، تعوم ضائعة وسط ذلك التدافق اللانهائي من الأصوات والأسماء"




(26)
ليس كما يبدو دائما أخا الهدوء والراحة؛
فقد يفتح (الصمت) أبوابا مزعجة من حديث النفس، لا تكاد تُصِمُّ فحسب، بل تعمي وربما تودي بالصامتين إلى الهاوية. كان غسان كنفاني منتبها لهذا حين كتب مرة يصف لحظات صمت طالت: "وامتدت اللحظات طويلة يكاد صمتها يضج بطنين جنوني لا يحتمل"!




(27)
يزين لك التفاؤل أن تتأمل في النهايات السعيدة للبدايات السيئة. وما يزال الإنسان يتفاءل ويتحرى جوانب الفرصة في كل قرصة، والمنحة في كل محنة؛ حتى تنبري إليه الأحداث الإيجابية من كل حدب وصوب. ألم يقل سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وكذلك قال محمد بن بشير الخارجي: "أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته/ ومدمن القرع للأبواب أن يلجا"




(28)
في كثير من الأحيان -إن لم يكن كلها- لا يتطلع المخلصون الأوفياء إلى (مكافأة) نظير أعمالهم، ولكن كلمة الشكر؛ تخرج من القلب، وتأتي في موعدها؛ تعني لهم الكثير. أليست تعني الاعترافَ بالجميل، وتقديرَ الإحسان، وحفظَ علائق المودة؟.. فتلك –إذن- قِيَمٌ عزيزةٌ -وأيم الحق-، وإنها تعني للإنسان السويِّ النقيِّ الشيءَ الكثير!
وإن من حديث المصطفى صلى الله وسلم عليه قولَه: "من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاكَ الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء"، ومن جميل ما قاله الشعراء في الشكر قولُ أبي عيينة المهلبي:
"لو كنت أعرف فوق الشكر منزلةً/ أوفى من الشكر عند الله في الثمن
أخلصتُها لك من قلبي مهذبةً/ حَذْواً على مثلِ ما أوليتَ من حَسَنِ"
فتأمل،
وأنزل (الشكر) منزلتَه اللائقة من قلبك ولسانك!




(29)
ربما يَهْديك،
إلى جنتك في الحياة؛
شخصٌ شقي الروح، بائس الحضور بين الناس، فقير التجربة والخبرة.
ليس عليك ضعفُ شخصه، ولكنَّ لك حكمتَه الكريمة، فبهداها اقتدِه!
إن شقاءه هو لا ينفي عن الجنة نعيمها،
وأن تكون أكثر منه معرفة وأعز نفرا؛ فإن هذا لا يهديك –دائما- سواء السبيل.
دع الغرور يا أخي، فإن التواضع زين. أُحِبُّ لك أن تتواضع قليلا قبل أن يغور ماء حياتك. ما خالط الغرورُ روحا إلا شانها، وإن الغرور خليق بأن يحيط بثمرك كله، فتصبح مُقَلِّبَ الكفين على ما أنفقتَ -في سُبلك كلها- وأنت تبتغي مُنْقَلَباً خيرا من الجنة التي جاءتك تسعى على بساط من ذهب!




(30)
لست ملزما: لا شرعا ولا عرفا ولا أخلاقا؛ بأن تكون مرضيا على الدوام بين الناس، وإن كان رضاهم عنك من الأشياء التي ينبغي أن تشعرك بالرضا والسرور. يقول مصطفى محمود: "الناس يغيرون وجوههم كل يوم، فلا تبحث عن قيمتك في وجوه الناس". وأنت بالمثل، قد يتغير وجهك الذي عهده الناس منك، بين فترة وأخرى، لسبب أو لآخر؛ فعليك ألا تجزع وألا تعجب إذا لم تكن كل وجوهك مرضية!


الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

سبتمبريات | 2018م


٢٩ سبتمبر
واصلْ طرح الأسئلة.
السؤال الذي لا تجد إجابته الآن؛
ستجد إجابته -حتما- بعد حين من الزمن، في أحداثٍ تقع، أو لدى أشخاص تلقاهم..
تأكد أن ثمة إجابة تختبئ في مكان أو زمان/ قريب أو بعيد، وكلما أنفقت من الأسئلة اجتمعت لك بقدرها مفاتيح المغلقات من الأمور.
بقدر ما تطرح من أسئلة؛
تتكشف أمامك جوانبُ صورةِ ما تبحث عنه، وتتضح..


٢٦ سبتمبر
صورة بعض الأشياء من بعيد؛ أجمل منها (بكثير) وهي قريبة.
في (القرب) يكتنفها ضباب كثيف، يحول بينك وبين معرفتها على حقيقتها، ويجعلك تائها في تتبع التفاصيل المبعثرة، وعاجزا عن وضع كل منها في مكانه المناسب؛ فيما يمنحك (البعد) عنها فرصة حقيقية لجمع المبعثرات وربط الخيوط بعضها ببعض، حتى تنجلي أمام عينيك حقيقتها العامة، التي قد تغنيك عن الاقتراب من تلك الأشياء أصلا..


٢٤ سبتمبر
يمد الإنسان عينيه إلى ما عند غيره، يرى ما لديهم أحسن مما لديه، وربما ندب حظه على ما عنده؛ فإذا صار إلى ما مُتِّعوا به فَرِح به أول أيامه، ثم بدا له -على مَرِّ الأيام والليالي- شيئا لا متعة فيه، ولم يكن يستحق منه كل ذلك النظر..
لا ينفك الإنسان -بوعي منه، أو بدونه- التأكيد على نقصه، وكونه -مهما أوتي على علم عنده- جاهلا محتاجا إلى ربٍّ يُنزل بركته فيما آتاه..
اللهم أدخلنا في رحمتك، واحفظ علينا نعمتك، وأنزل علينا وعليها بركتك..






٢١ سبتمبر

يا للتطور المذهل!..

لقد تقدم العلم فأصبحت سماعات البلوتوث تصنع من البطاطا.. ومن يدري فربما أمكن -عما قريب- أن يستعان بالبصل مثلا لتقوية شبكة الاتصالات في البيوت.. ولا عزاء لـ #اللغة_العربية وأهلها فهذا شيء لم يتوصل إليه العرب في بلادهم بعد!


- شكرا للعمالة الوافدة أن علمتنا ما لم نكن نعلم.. 





١٩ سبتمبر
هنا فائدة في البحث والمعرفة،
فائدة في تلاوة القرآن والتأمل في آياته، والخلوص منها إلى المعاني العظيمة.. فائدة في أن الأحكام ينبغي أن تكون فرع التصور الكامل، فائدة في أن الحقيقة وإن أخفاها المدلسون ستظهر بطريقة أو أخرى..
هنا أستاذة يهودية الأصل، ولكنها ملحدة -كما تقول-، تنتصر لنتيجة بحثية توصلت إليها بعد اطلاع معمق على القرآن الكريم..
لماذا يقع ما يشهد به المخالفون موقعا ألذ في النفس مما يشهد به الموافقون؟!
- مادة ملهمة، أسعدتني صباح اليوم، وأحب أن أشارككم هذه السعادة..
••



١٧ سبتمبر
‏في بعض ما تحسبه حطاما لا حياةَ فيه؛
حياةٌ متدفقة مترعة بالآمال.
ثمة حَيَواتٌ لا يلحظها العابرون الذين لا يمكثون ولا يقتربون، ولا يعرف نظامها السائرون دائما على هدىً من (وصف) البصر مهملين (كشف) البصيرة.
ثمة حركة في السكون، ونظام في الفوضى؛ وفي الشيخ شاب، وليس يخلو العابث من هدف!



١٦ سبتمبر
يكسب الفكرة عبقريتها أو جنونها، خَيْرِيَّتها أو شَرِّيَّتَها، صفاءها أو غموضها؛ العلاقة بمن يعرضها، ومواقف الزمان والمكان التي تعرض فيها، وطبيعة الناس من حولها ومستوى معرفتهم، ومدى ارتباطها بمصالحهم وهواياتهم وقناعاتهم، وزاوية النظر إليها، وغيرها من الأمور..
ذلك -على الأرجح- ما يمنح الفكرة صفتها أكثر مما يمنحها أصلها النظري المعزول عن الواقع.. وخذ مثلا على ذلك أن الفكرة التي تبدو مكلفة عند صاحب مشروع ما تبدو مربحة عند مُنفِّذه، والتي تبدو عبقرية في مكان أو زمان ما قد تبدو غبية أو مجنونة في مكان وزمان آخرين..
••
الفكرة محايدة.. هكذا يبدو لي!



١٣ سبتمبر
تشعر بحنين مضاعف لكل التفاصيل الصغيرة التي تربطك بشخص عزيز. تلك التفاصيل التي لم تكن تعيرها اهتماما كثيرا، ولم تكن تبدو ذات شأن كبير؛ هي التي تعذبك الآن. تتبدى واضحة حاضرة بقوة في الغيابات الطويلة، كأنما تأتي لتغيظك أو تزيد عذاباتك.



١١ سبتمبر
يبذل الإنسان أحيانا قصارى جهده في تدبير أمر ما، ويأخذ بالأسباب ما تيسر منها وما تعسر، ولكنه لا يفلح فيما يريد. ثم تمر الأيام، ويدبر الله له الأمر من حيث لم يحتسب ولم يقدر؛ وهنالك يتأكد لديه أن تلك اللحظة التي تحقق له فيها ما أراد كانت هي اللحظة الأفضل!..
الله سميع، الله بصير، الله رحيم، الله قوي فعَّال لما يريد،
وهو أكبر مما كَبُر عليك، وأكثر مما أكثرت من تَمَنِّيه وتَرَجِّيه؛
فلا تملَّ من سؤاله، ولا يَخِبْ ظنُّك فيه أبدا!



١٠ سبتمبر
لا يبني الإنسان تفضيلاته (دائما) على أسس منطقية..
مهما علم، أو اجتهد أن يعلم، أو تظاهر أنه يعلم؛ فإن لهوى النفس، والغفلة، والجنون، وغيرها مما يعتري نفسه البشرية؛ دخلا كبيرا أو صغيرا في الدفع به باتجاه شيء ما دون غيره.. يبقى أن عليه -في كل الأحوال- أن يُحسن التعايش مع تفضيلاته التي نتج عنها واقعه الحالي، وأن يطوِّرَ من النوايا والأفكار والوسائل ما يجعل واقعه الذي صار إليه مَظِنَّةَ أن يحْسُنَ بالصبر، وأن ينموَ بالشكر!



٦ سبتمبر
في الطريق إلى حديقة الألعاب؛ كانت الزهراء تترنم بهذا النشيد:
"فانسَ المآسيَ والهمومْ
وامسح دموعك والغمومْ
واعلم بأن الحزن شيء لا يدوم"..
•• نعم..
كلما وجدت سبيلا إلى الفرح؛
فلا تغادر صغيره ولا كبيره، ولا تمدن عينيك إلى غيره من المشاعر. أما الهموم فلن تفتأ تتناول النفس من حين لآخر حتى تغادر الحياة، وليس يخفف منها استغراقك فيها، ولكن الفرح قد يفعل ذلك. هو بعض نصيبك من الدنيا، فلا تخذل نفسك في لحظة حلوة ربما لا تتكرر!..



٤ سبتمبر
يعجبني الإنسان الذي يجتمع له في وعاء روحه:
صادق التدين، ونافع العلم والمعرفة، وجميل الحضور في المجتمع، وذكيَّ الانفتاح على الجديد، واقتناص الدعابة في اللحظة المتجهمة، وأن يحبَّ الناسَ المحبةَ التي تفضي به وبهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.
••
أُحِبُّ هذا الإنسان،
وأحب أن تربطني به العلائق القوية،
وأرجو –على رغم الغفلة والنسيان والخطأ- أن أكونه في يوم ما!

الخميس، 20 سبتمبر 2018

المنشد والكلمة..


قبل حوالي (12) سنة من الآن كتبت مقالا حول العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المنشد والكلمة. وحين كنت أراجع بعض الملفات اليوم؛ وقعت عيني عليه، فأعدت قراءته، وقد وجدت أن كثيرا مما جاء فيه لم يزل بعدُ سائغاً ليُعْرَضَ على المنشدين والمهتمين بهذا الفن الجميل الذي اختُطف أو يكاد –مع الأسف الشديد- في اتجاه آخر.

**
(1)
كيف يستطيع المنشد أن يؤثر في قلوب الناس؟ وما هي الوسائل التي تكسب نشيده فاعلية أكبر تصل به إلى غايته سلسا ناصعا لا تَكَلُّفَ فيه ولا غموض؟.. ليس من شك في أن التوازن في عناصر النشيد الأولى (الكلمة، واللحن، والأداء) هو الإجابة المثلى عن مثل هذه التساؤلات، لكن العلاقة الخاصة بين المنشد والكلمة تظل هي البُعْدَ الأهم في تشكيل معالم ذلك التوازن!


(2)
تقوم فكرة النشيد على أن (الكلمة) هي حجر الأساس الذي ينبني عليه العمل، يختارها المنشد بعناية فائقة وروح شفافة تستشعر النبض الذي يجري من حولها همسا كان أم جهرا، حتى يكون نشيدُه معالجةً فذةً تنتظمُ آلام الأمة والمجتمع وآمالهما عبْر قطاعي الفرد والمجموع، وتنفذُ إلى دقائق هذا الكون وتتفاعلُ معها. لكن هذه العناية الفائقة، وتلك الروح الشفافة لا تحصل له إلا بعد معايشة واعية لقضايا الأمة واستقرارها في دائرة الهم الذي يعالجه في حياته، حتى يؤتي عملُه أُكُلَه ويكونَ بلسما على جرح فيلقى القبول لدى المتلقي.


(3)
إن الفنان الذي لا يسائل نفسه حول الهدف من رسالته هو فنان عابث لا يحترم قدسية الكلمة، ولا ينظر بعين التقدير إلى الجمهور الذي يتلهف لسماع حدائه، ومن ثم فليس عجيبا ألا تستجيب لها النفوس ولا تحتفي بها القلوب، فكأنها إلى زوال مذ نشأت. وإذا كان طَرْحُ هذا السؤال مهما جدا لفنان كرس رسالته لأداء قيم طينية تافهة، فكيف الأمرُ بالنسبة للفنان المنشد الذي يتوسل بعمله للآخرة لا الدنيا، وينسج خيوط رسالته من مادة السماء لا من مادة الأرض!!


(4)
إن سؤال المنشد لنفسه (لماذا النشيد؟ ولماذا أُنشد؟) يمثل بداية الوعي الحقيقي برسالة النشيد كأداة فكرية فاعلة تعمل في حقل التربية والتثقيف المجتمعي، وبداية الوعي الحقيقي برسالته هو كفنان يعمل من أجل مُثُل عليا، ويسعى لنشر الخير بين الناس قاطبة وبَثِّ روح الجمال في ربوع هذا الكون بأكمله.
يقول توفيق الحكيم عن أهمية هذا الوعي عند الفنان الكاتب: "إن مهمة الكاتب في نظري هي تربية الرأي، و كل كاتب لا يثير في الناس رأيا أو فكرا أو مغزى يدفعهم إلى التطور أو النهوض أو السمو على أنفسهم، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة، ولا يقر فيهم غير الاطمئنان الرخيص، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل، ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة، ولا يغمرهم إلا في التسلية والملذات السخيفة التي لا تُكَوِّنُ فيهم شخصية، ولا تثقف فيهم ذهنا، ولا تُرَبِّي فيهم رأيا لهو كاتب يقضي على نمو الشعب وتطور المجتمع!".

(5)
الوعي الذي يطالَب به المنشد ليس هو فهمَ التأصيل النظري لفلسفة الفن ومن ثَمَّ انعكاسها على طبيعة المواضيع التي يطرحها، بقدر ما هو تجسيد عملي واضح يُلمح في أخلاقيات المنشد وسلوكياته الحياتية. إنه ليس من شك في أن طرح قضية من مثل الحَثِّ على التفاؤل – مثلا – يُمَثِّلُ معالجةً واعية لما تحتاجه الأمة في زمن كثرت فيه آلامها وأحزانها، لكن الوعي الحقيقي للمنشد يكمن في اتخاذ هذا التفاؤل عقيدة تتشربها نفسه،  وسلوكا عمليا يمضي به في حياته، ومبدأً يسعى لإشاعته بين أفراد المجتمع. أليس من السخرية بمكان أن يأتي شخص ليدعونا إلى التفاؤل ثم لا نراه بعد ذلك إلا عابس الوجه مقطب الجبين؟!.. وإذن فنحن لا نريد للمنشد أن يكون صورة عملية لتفاهة القيم يوم أن تغدو كلماتٍ يتشدق بها اللسان دون أن يحلق بها الضمير وترقى بها الروح.

(6)
وإذا بدا لأحد أن يتساءل عن طبيعة هذه القيمة.. أهي أخلاقية بحتة أم أن لها أثرا يطول بُنْية العمل نفسه؟!.. فإننا نقول بداية: إن الإسلام لا يحتفي بالفن إذا تجرد من الأخلاق ولا يعترف به أداةً تنهض بالمجتمع إلى الأفضل إذا جاء مجافيا لها. وإذا تقررت (أَخْلَقَة) الفن في نفسه فإن أَخْلَقَتَه – إن صح التعبير– في نفوس منتجيه من باب أولى. إن الفن الرفيع المهذب لا يصدر إلا عن نفوس رفيعة مهذبة!..


(7)
وإذا كان وعي المنشد بأهداف فنه وأسباب وجوده – أي الفن – من الأخلاق التي لا يُتَصَوَّرُ الفنانُ المنشد بدونها – كما قررنا سلفا – فإن هذا الوعي نفسَه من الأسباب المهمة التي تقف وراء خلود الفن الجميل، وبقائه حيا فعالا في قلوب الناس لآماد طويلة.


(8)
ولقد تساءل كثيرون عن السر في خلود عدد كبير من الأناشيد القديمة في قلوب الناس؛ رغم الحُلّةِ البسيطة التي تتبدى فيها، ورغم البون الشاسع بينها وبين ما وصلت إليه الأناشيد الحديثة، من حيث: تقنيات النشيد الداخلية، ومهارات الأداء؛ فضلا عن نقاء الصوت بفضل التطور الكبير في عالم الهندسة الصوتية.. تساءلوا عن سر خلودها، في حين لا يحظى إلا عدد قليل من الأناشيد الحديثة بمثل هذا..؟!!
فما وجدنا عند التأمل الفاحص إلا أن تلك الأناشيد الخالدة تنضح بروح الإيمان ويُحَسُّ فيها الإخلاص ويتراءى فيها الصدق، وأن تراكب مفرداتها (اللحن والكلمة والأداء) يكشف عما يسميه النقاد بالصدق الفني.


(9)
وعندما سئل المنشد (نزار أبو الفداء)، وهو أحد المنشدين البارزين في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، عن الفرق بين النشيد قديما وحديثا؛ أجاب بأن النشيد القديم: "كان متميزا هادفا ذا رسالة واضحة وكان أصحابه مدارس في الأسلوب... بينما النشيد الحديث –في أغلبه– موهبة تفرغ في شريط وأصبح الكثير ممن ينسبون أنفسهم للنشيد كفقاعة الصابون لا هدف.. لا رسالة.. لا تَوَجُّه.. وإنما هواية وتفريغ طاقات كامنة وإمكانات محدودة وشهوة فنية وسباق في الإصدارات غير المصنفة التي لا تستطيع أن تسمعها أكثر من مرة ثم تندم على شراء الشريط.."
وكان جواب المنشد الكبير (أبي الجود) حين سئل عن السر في خلود أنشودته (رحماك يا رب العباد) التي كتبها عام 1970م قوله : "أرى أن سر نجاحها يعود إلى روح الشباب الذي غمرها، والإخلاص وصدق التوجه والمقصد، فكانت رائدا ونبراسا لي ولإخوتي حيثما أردنا التضرع إلى الله تعالى و التذلل بين يديه".


(10)
إن التزام المنشد بالمبدأ الذي يدعو إليه وإخلاصه له يتعدى كونه موقفا أخلاقيا إلى أن يصير قيمة فنية ترفع من شأو العمل، وتثقل كفته في موازين النقد ومن ثم تكسبه صفة الخلود. إنها القيمة التي تفهمها القلوب والنفوس بعيدا عن منطقية العقل ومعادلاته المادية الجامدة.. إنها لغة الفن في جوهره الأصيل!

الحب.. وقود الأرواح المؤمنة!


هذا مقال قديم؛
كتبته قبل حوالي (14) سنة من الآن
بتاريخ (23 أغسطس 2004م)
**
قيل:
"لكل روح وقودها..
فاختر لروحك ما يوقدها..
فماذا تختـــــــــار..؟!"

أختار (الحب)..!!
لا تعجبوا لاختياري ولا تستنكروه..
إن الحب وقود خطير جدا ، ليتنا ندرك كنهه، وليت أنفسنا تتملى جوانبه وتتلمس أبعاده. لست أعني (الحب) الذي يتغنى به أرباب الخلاعة والمجون؛ فذلك شعور لاحياة فيه إذ لا يتجاوز دائرة الجسد . إنما أعني (الحب).. تلك القيمة السامية في وجود الإنسانية العظيم .

لو رأيت إنسانا يتأمل زهرة فواحة.. يقلب النظر فيها تارة، ويشم رحيقها تارة أخرى؛ فاعلم أنه محب!.. لقد أورثه الحب قلبا فيه من الرهافة وعمق الإحساس ما جعله يرى في تلك الزهرة عوالم كبرى لا يزال يجهل سرها. تلك هي عوالم (الإنسان، والكون، والحياة).
أرأيته لو لم يكن محبا، أما كان صدف عنها وانطلق لا يلوي على شيء..!!

إنه (الحب)..
يفتح الروح على مساحات كبرى رحيبة؛ فهو يغوص بها في رحم الوجود (الإنساني)، وينطلق بها لتستطلع آفاق (الكون)، ويمضي بها لتعكس خفقات (الحياة)، ومن ثمَّ نراها تنضح بالأمل القوي الذي لا يعرف اليأس أو الكآبة ويتجاوز الصعب والمستحيل، وبالحس المرهف العميق الذي يستجيب لكل خفقة في هذا الوجود ويستشرف عوالم المستقبل الغامضة.

وكم من الناس من رآه سر هذه الحياة وجوهر وجودها، فلما أفلست حياته منه عزف عن الحياة بكل ما فيها وانتظر الموت غير عابئ بشيء غيره. يصف بعضهم الحب فيقول: "إنه تفتُّح النفس للنفس ومناجاة القلب للقلب. وكل شيء في الوجود يحب شيئا: فالزهر يخالف بين ألوانه ليسقط عليه مختلف اللحن، والزمان يأتي بربيعه ليشعر أهله بالرضا والسعادة ، وليكفر عن برد شتائه ووقدة صيفه".

وبعد، فماذا تحتاج الروح كي تنطلق إلى مرافئ الأمن والطمأنينة غير مركب قوي يحملها، وزاد يبلغها غايتها، وتخطيط سليم يكشف لها الطريق الصحيح. إن (الحب) هو المركب والزاد والخطة! لكنه لا يكون كذلك إلا يومَ يكونُ عظيما في خيوط نسيجه وفي خطوط مساحته، فنبلغ به مرافئَ العظمة والسمو والجلال. ولعل قول الشاعر:
إني أحبــك كي أبقى على صلة
بالله ، بالأرض ، بالتاريـخ ، بالوطـن
يفسر بعض ما أجملته العبارة السابقة؛ ذلك أن الحب العظيم إنما يكتسب قدسيته وجلاله من ارتباطه بالله العظيم أولا، وبالقيم الفاضلة ثانيا. وهو إذا كان عظيما في منبعه فإنه يكون عظيما في مستقره إذ يشمل بظله الدنيا والآخرة . يقول الرافعي العظيم: "إن كان في الأرض عبودية شريفة فهي للحب وحده، إنما هي فكر القلب في مرجعه واتصاله به ؛ وكما يستعبد الأعمى لعكازته لأنه يرى فيها عنصرا من النظر، والشيخ الهرم لعصاه لأنه يرى فيها عنصرا من الشباب، والطفل الصغير للعبته لأنه يرى فيها عنصرا من الشباب، والطفل الصغير للعبته لأنه يرى فيها عنصرا من العقل – كذلك يستعبد عاشق الجمال للجمال، لأنه يرى فيه لروحه وقلبه نظرا وشبابا وعقلا، فيبصر ويقوى ويعقل إذا عمي غيره وضعف وخرف؛ ويعلم حينئذ بنظرة الفكر القوية العاقلة أن العبودية للحب الصحيح هي مبدأ العبودية الصحيحة لله" وإذن، فأنا أستطيع أن أقرر الآن بكل ثقة ..
إنما يصنع ( الفعلَ ) العظيم ؛
الروحُ المترعة بـ( الحب ) العظيم !