السبت، 28 نوفمبر 2015

مذكرات امتنان لله (2)

آن لك أن تعذر الذين مررت عليهم يوما ما،
فَحَيَّيْتَهم ولكنهم لم يردُّوا عليك بأحسن منها، و لا حتى مثلها ..
كنت تشعر بالإهانة .. أليس كذلك؟!
وحين رجعت إلى البيت، قلت في نفسك: يا لوقاحة هذا.. ومن يحسب نفسه ذاك؟
هل تعلم أن ذلك الذي بدا لك وقحا، لأنه لم يرفع يده بالتحية؛ كان أعمى لا يرى!! ..
- أفأنت تلوم الأعمى على أنه لا يرى!!
وذاك الذي بدا لك متكبرا مغرورا، لأنه لم يلتفت إليك حين التفتوا كلهم؛ كان أصم أبكم!! ..
- أفتلوم الأصم على أنه لا يسمع، والأبكم على أنه لا ينبس ببنت شفة!!
آن لك أن تعتذر لهم جميعا، وأن تستغفر ربك قبل هذا، وأن تلتمس من الآن عذرا لكل من لا يحييك إذا حييته، و لا يرد عليك إذا كلمته، و لا يقوم من مجلسه إذا سمع الآخرون خطواتك فقاموا إليك ..
آن لك أن تشكر الله على نعمة السمع والبصر واللسان!

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

أقصى اليمين .. أقصى اليسار !!

عرفت معاوية الرواحي أيام كان طالبا في سنته الأولى أو الثانية في الجامعة. كان ضَاجّاً بالحيوية والحماسة. وقد لفت انتباهي أول مرة في صالة التلفاز التي كنا نتابع فيها ما تبثه قناة الجزيرة من أخبار الحشود الأمريكية التي تتقدم باتجاه العراق عام 2003م. كان صاحبنا يقوم من كرسيه، ويتقدم ليقف حائلا بيننا وبين شاشة التلفاز، فيخطب بكلام يشبه التحليل لما يحدث أو الانتقاد بلغة غير مهادنة .. لست أذكر تماما فحوى كلامه، ولكني أذكر أنني تعجبت من هذا الطالب الجديد على الجامعة، والجديد على هذا الجمهور؛ كيف يجرؤ على الوقوف خطيبا بينهم دون خوف و لا وجل !

كنت أرى في سلوكه هذا نوعا من الغرور أو التبجح، ونحوهما من الصفات؛ من ناحية .. ولكني –في الناحية الأخرى- كنت معجبا بجرأته وحركته بين زملائه ..
سنحت الفرصة بعد ذلك لنجلس معا؛ وأسمعني شيئا من خواطره الشعرية التي بدت لي حينها قريبة الشبه بشعر نزار قباني. أذكر أني حثثته على مزيد القراءة لتطوير موهبته .. ورُبَّ حاثٍّ على القراءة من هو أكثر قراءةً منه!!

في تلك السنة كنا مشغولين بالتحضير للمهرجان الإنشادي السادس، وكان معاوية فيما تلاها من أيام يشارك معنا في تعليق الإعلانات الجدارية.. كان يقول أحيانا وهو يضحك مشيرا إلي: "أقصى اليمين"، و"أقصى اليسار" مشيرا إلى نفسه!

لم ألتق بمعاوية بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، ثم رأيته في فعاليات مختلفة هنا وهناك، وكانت الظروف تسمح أحيانا بلقاءات سريعة.

لاحقا.. حين أصبح للعمانيين مجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ أصبحت أراه حاضرا بقوة في هذا المشهد، وكنت –كغيري- متابعا لما يكتب، بين إعجاب بمنشوراته، وتحفظ عليها، وعدم اتفاق معها جملة وتفصيلا!

معاوية صديق الجميع وعدوهم في آن واحد! ..
ما إن يفتعل عراكا مع فئة، حتى تراه قد أنشب أظفاره في مناوئيها، ثم إذا هو يتلطف بالكلام مع أعدائه الأُوَل.. والعكس صحيح.. وبهذا يمكن للجميع أن ينظروا إليه في إحدى صُوَرٍ ثلاث: الولد الشقي، أو الأخ المتمرد، أو الأب القاسي.. لكنهم –مهما كان من أمره مع الجميع- لا ينبغي لهم (وربما لايستطيعون) النظر إليه في صورة العدو؛ لأنه سرعان ما يدور دورته المعتادة، فيبعث على الأنس أكثر من الضيق، كأنه يحرك في الجميع أزرار الغضب والفرح على نحو يجعلهم يأنسون إلى صروف الأيام والليالي أكثر.. والأنس الذي أعنيه هنا هو الذي نعبر عنه في لهجتنا بـ (التهَجِّيلة).. ويبدو أنه كان منتبها لما يحدثه من أثر بين الناس حين جعل شعاره في الحياة يوما ما (الحياة هجلو)!..

وصف معاوية نفسه –غير مرة- بأنه (عماني جدا) ! .. ربما يكون قد ابتكر هذا التركيب الوصفي في لحظة عاقلة.. لحظة مترعة بالوطنية التي فاضت بها كثير من منشوراته .. وهذه الابتكارية في الوصف، ودهشة التلقي المترتبة عليها؛ قد تعطي لمحة مختصرة لمن شاء أن يتعرف على الرجل من لقطة واحدة!
*

أرجو لأخي العزيز معاوية السلامة والعافية، وأرجو من سلطات بلادي – جريا على النهج الإنساني الحكيم لسلطان البلاد المفدى حفظه الله، وتزامنا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد– التنسيق مع الجهات المسؤولة في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة؛ لإنهاء هذا الملف، لاعتبارات إنسانية واجتماعية وأخوية، والله المستعان ..

الاثنين، 2 نوفمبر 2015

انطباعات !

يحدث أحيانا أن تتولد لدينا انطباعات سلبية عالية، وربما تتطور إلى مشاعر غير ودودة تجاه أشخاص لم نعرفهم من قبل.. لم نلتقِ بهم في مكان، ولم نسمع لهم حديثا في وسيلة من الوسائل، ولم نقرأ لهم ولم نقرأ عنهم!!
هذه المشاعر والانطباعات تكونت بأثرٍ من أشخاص آخرين عرفوهم عن قرب بوسيلة ما، وخبروا أفعالهم وأقوالهم؛ بما قد يؤهلهم لإطلاق حُكْمٍ ما عليهم..

ثم تمر الأيام، فتتاحُ لنا –بشكل أو بآخر- فرصة التعرف عليهم أكثر.. بالاطلاع على نتاجاتهم وأخبارهم إذا كانوا من أهل الثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها، أو بلقاء مباشر في مكان عام أو خاص إذا كانوا من الأشخاص الذين يكثر أن نلقاهم في حياتنا اليومية؛ فتتغير نظرتنا إليهم بشكل كامل، وتتحول مشاعرنا تجاههم إلى النقيض تماما مما كانت عليه سابقا..

ندرك حينها أننا وقعنا في خطأ فادح، حين لم تكن انطباعاتنا تلك مبنية على أساسٍ قويم ولم يكن يحتويها منهج سديد.
كم ظلمنا (هذا) حين جعلناه أسفلَ سافلين، وكم كنا مفتونين بـ (ذاك) حين رفعناه إلى أعلى عليين!! كم حرمنا أنفسنا من فضل (هذا) حين جعلنا نتاجه الفكري ضلالا مبينا، وكم أوقعنا أنفسنا في ورطة حين جعلنا نتاج (ذاك) حكمةً بالغة!!

إن الحكم على الشيء فرعٌ من تصوره –كما يقول الأصوليون-، وإن التصور (هنا) يعني أخذ الصورة الأصلية الكاملة غير المجتزأة والمعدلة بأدوات الآخرين..
إن تجاربنا الشخصية، واطلاعاتنا الذاتية على كل شيء في المحيط من حولنا؛ يجب أن تكون المصدرَ الوحيد لانطباعاتنا العامة!

مذكرات امتنان لله (1)

عيناك اللتان تفتحهما في أي وقت شئت؛
تخيل أنهما كبطارية الهواتف الذكية، تنطفئ بعد بضع ساعات من شحنها، في توقيت لا تختاره أنت -غالبا-..
ولأنك لم تَحْتَطْ لذلك؛ فقد تنطفئ أثناء اتصال مهم، أو في الشارع حيث أنت بلا سيارة، أو في رحلة إلى مكان منقطع!! ..
تخيل ذلك، واشعر بالامتنان لربك الذي لم يجعل مدة إبصارك محدودة.. تخيل ذلك جيدا، واشعر بالامتنان لأن الله اختارك مبصرا، قادرا على فتح عينيك وإغلاقهما كما تشاء..
***
لو علم الإنسان ما يحتاج إليه من صبر وقوة على ما ينتظره في المستقبل لربما خــــــــارت قواه ولم يستطع صبرا!
***
وأنت تنقل بصرك بين قوافل السيارات في الشوارع يمينا وشمالا، تتلمس شبه فراغ فيه للعبور إلى الدوار، تذكر أن شارعك الخالي من نعم الله عليك!
***
في كل ليل.. ثمة قمرٌ معلَّق بين السماء والأرض..
ولكن أين عنه المضيئون؟!
***
سبحان من خلق المطر! ماء وليس كالماء، يختلط بالأرض فتصبح الأرض غير الأرض.. أيتها القلوب المطمئنة ارجعي.. مكانك هنا.. وهنا تحيين راضية مرضية!
***
عجبا لأمر الرزق. قد يكون المفتاح إليه كلام أو ابتسامة!
***
وإذا حالفك الموت، فقد فزت بالنوم العميق الذي لا يأبه بالمحيط، قام أو قعد.. هنا لا مكان لآلام الماضي، و لا ضجيج الحاضر، و لا قلق المستقبل!
***
حَرِّضْ روحك على أن تكون سعيدة دائما متفائلة بالخير. حَرِّضْ سعادتك الداخلية على أن تفيض كنهرٍ جارٍ تغتسل منه الأرواح المنهكة..
***
الحمد لله أن لم يكن الأكسجين وضوء الشمس سلعة تباع وتشترى!
***