الجمعة، 24 يونيو 2011

امرأةٌ من هنا !!


في ذكرى الشيخة الفقيهة العابدة عائشة الريامية..
نشيدٌ قدمته ضمن أمسية (المرأة العمانية.. حضارة الخلق الجميل) احتفاءً بيوم المرأة العمانية الأول إحياء لذكرى هذا الرمز العظيم ..
الكلمات: هلال الشيادي/ الكورال: فرقة رتاج الفنية/ الهندسة الصوتية: عدنان المبسلي/ التوزيع وتركيب الإيقاعات: ناصر العامري/ التسجيل: مركز خيال الفن للإنتاج الفني والتوزيع ..



والشيخة الريامية – لمن لا يعرفها - هي عائشة بنت راشد بن خصيب الريامية البهلوية، سكنت حارة الغاف من ولاية بُهلا، وعاشت في عصر اليعاربة أواخر القرن العاشر، وبداية القرن الحادي عشر الهجري، معاصرةً لثلاثة من أئمة عمان وهم: الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي، والإمام سيف بن سلطان اليعربي، والإمام سلطان بن سيف الثاني..


اتصفت هذه البرة الرضية بالزهد والورع والتقى، وقد تتلمذت على يد كبار المشايخ والعلماء في عصرها، وقد أعطاها الله قوة في الذكاء، وعمقاً في الفهم، فاشتهرت بقوة علمها وغزارة إطلاعها، وبرزت في مجال الفتوى والفقه.


إضافةً إلى مكانتها العلمية فقد كان لها دور سياسي جسيم، يذكره عبد الله الطائي بقوله: "ولقد شاركت هذه العالمة الجليلة في توجيه الحكم في عصر اليعاربة في عمان، فبعد أن خرج سيف بن سلطان على أخيه الإمام بلعرب طالباً توسيع النفوذ الخارجي ومطاردة البرتغال، في حين اهتم أخوه بالإصلاحات الداخلية، تمكن سيف من الاستيلاء على الحكم بعد وفاة أخيه في الحصن الذي حوصر فيه، فبويع من قبل الكثيرين إلا أن الشيخة بنت راشد رفضت مبايعته، وأصرت على أن يلزم بيته أولاً، وأن يبتعد عن الحكم، ثم ينظر في ذلك من قبل أولي الرأي في البلاد، ولم يستطع سيف أن يعارض هذه المرأة فيحدث لعهده ثغرة بعدم انتخابه، فترك مقر الحكم فعلا ولزم بيته يومين، حتى أرسلت هذه المرأة المسلمة إليه، وناقشته بجانب جماعة من أعيان البلاد في مخالفته لأخيه ثم بايعته على أساس الجهاد والعمل على الإصلاح، وبذلك عاد إلى ممارسة الحكم، وأصبح من بعد في طليعة أئمة عمان حتى سمي بقيد الأرض لسعة نفوذه".


وقد جُمّعت فتاواها في مجلدين تحت اسم جوابات الشيخة عائشة، ولعل لها مؤلفات أخرى في مجال الشريعة الإسلامية، ولكن للأسف فإن مؤلفاتها تلاشت، وكانت هذه المؤلفات توجد بالمكتبات في ولاية بُهلا كأمثال مكتبة آل معد، ومكتبة آل مفرّج، ومكتبة الشيخ سالم بن راشد بن ربيعة العوفي الذي كان يسكن حارة الحدّاد بولاية بهلا، وروى جواباتها بعض العلماء مثل العلامة جميّل بن خميس السعدي في كتابه (قاموس الشريعة)، وذكر فيه أنه قد أدركها وحفظ عنها.


وليس بعجيب إذن على امرأة بلغت درجة الفتوى أن تكون مهتمة باقتناء الكتب، ومما يؤيد ذلك ما ذكره بعض الباحثين من اطلاعه على مخطوطة لكتاب المحاربة للشيخ بشر بن محبوب بن الرحيل رحمه الله – وقد كتب في آخر المخطوطة: (كتاب المحاربة – للشيخة التقية الرضية المرضية العالمة الزاهدة عائشة بنت راشد بن خصيب الريامية البهلوية) وهذا الكتاب يقع في أربعة وثمانين باباً، تتضمن أبواباً في العقيدة الصحيحة كالولاية والبراءة وما لا يسع جهله وما يسع جهله وغيرها، وأبواباً أخرى متفرقة كالإمامة والجهاد والدعاوى والقذف وذكر بعض الطوائف الضالة وغيرها من الفروع المهمة في الدين.


ولم تكتف الشيخة عائشة باقتناء الكتب التي يصعب امتلاكها في ذلك الوقت فحسب، ولكنها رأت أيضا أن نسخ الكتب له أهمية بالغة في حفظها من الاندثار، وذخراً للأمة عند تقلب الدهور والأزمنة وبقاءً للعلم، فطلبت من مسعود بن راشد بن حرمل بن مرشد المعمري الخروصي نسخ كتاب جوابات الشيخ أحمد بن مدّاد النزوي الذي هو من علماء القرن العاشر، وتم الانتهاء من نسخه ليلة الخميس لثمان ليال بقين من شهر رمضان عام 1128هـ، وفي مخطوط بيان الشرع الجزء الرابع عشر، ذكر الناسخ بأنها نسخة للفقيهة العالمة عائشة الريامية، وتم الانتهاء من نسخه في الثامن عشر من ربيع الثاني من عام 1128هـ.


ولقد كانت في عصرها- عصر اليعاربة نساء أخريات غيرها، اشتهرن بالعلم فما أعظمه من عصر انتشرت فيه تلك العالمات ليكن قبسا ترجع إليهن كل فتاة فيما أشكل عليهن من أمور دينهن ودنياهن ويكن شعلة تنير الطريق أمام كل فتاة تحب العلم وتسعى إليه.


توفيت العالمة الجليلة عائشة الريامية في عصر الإمام سلطان بن سيف الثاني، بعد عمر قضته في كفاح من أجل العلم والدين، ودفنت ببهلا شمال الطوي الواقعة بمسجد العبّاد عليه لوح من الرباب مكتوب فيه اسمها وتاريخ وفاتها، ولا يزال قبرها معروفاً ولكن مع مرور الزمن تلاشى تاريخ وفاتها، ولكن اسمها لا يزال محفوراً في ذاكرة الأجيال يتـناقله الأبناء عن الآباء، وقد سميت مدرسة ببهلا باسمها تخليداً لذكراها العطرة.
//
*بتصرف: المادة المكتوبة أعلاه منقولة*

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مقطع من سيرة قروي في مدينة!


أنا ابن القرية !
أحبها كما تحبين أنتِ المدينة ..
وصفتِ قريتنا - يوما – بأنها منسية ، و أخشى أنها كذلك لأن الأيام و الظروف تبعدنا عنها !
يزيدني ألما أنها لم تعرفك بعد كما عرفتك ، و أنها لم تحتفِ بك كما أحتفي أنا بك في كل لحظة ، و يزيدني عذابا أنك لم تبحثي عن الحلول لتحبيها كما أحبها !
أنا القروي .. ماذا أفعل بهذا الحنين الجارف إلى قريتي الصغيرة؟..
حنينٌ يأخذ في عينيَّ أطراف المشاهد كلها لأنتهي في كل صورة إليها .. نخيلها و دروبها المتربة و بيوتها الطينية ، و السواقي .. ما أجمل سواقيها ! .. ليتك شهدتني صغيرا و أنا أحمل المصباح في ليلة ظلماء .. أضيئ المكان من حول أبي الذي يقف على (صْوار الساقية) بـ (المسحاة) ليفتح دربا للفلج التي تنتظره مزرعتنا الصغيرة بفارغ الصبر ..
كان أبي يقول لي – و نحن نذهب إلى ناصية الساقية – : أنتَ تؤنسني ! .. هل كنت مؤنسا لك حقا يا أبي، ويدي الصغيرة ترتجف في راحتك.. ؟ يمناي على المصباح الذي أدفع به الظلام القادم من الأمام ، و يسراي في كف أبي أدفع بها الخوف من المجهول الذي ألتفت إليه بين حين و آخر أن يأتي من الخلف ! ..
رغم كل ذلك ، فإن شعورا بالأمن كان يعم حياتنا اليومية ..

في القرية .. تعرفني كل الدروب ، تعرفني و أعرفها ..
أما دروب المدينة فلا تثبت على حال ..
تتعقد يوما بعد يوم ، فتبدو في عينيَّ كلغز محير ! ..
يمر عليها كثيرون لا يتعارفون أصلا ، فلا تهتم هي الأخرى أن تتعرف عليهم ، و تُبقي على الرسمية بينها و بينهم ..
صدقيني .. سأموت إذا ابتعدت عن القرية ، لذا شجعيني على زيارتها دوما و أن أكون قريبا منها كلما احتاجت لي ..
المدينة تخنقني ، و تقتلني في اليوم و الليلة مرات عديدة ، و أنا أتألم بصمت جريحا وغريبا ..
يموت في داخلي الإنسان الطيب الذي يعرفه الطين و الفلج و النخلة ، و أتحول – رويدا رويدا – إلى آلة تدور في مصنع كبير لا يهدأ دون أن يعبأ بها أحد ..
ربما لا تشعرين بهذا كله ، و قد ترينه مبالغة ، و أنا أعذرك !
بيتنا الصغير في القرية ، كانت أمي – دائما – تصفه بأنه ( عْوَر / مقنّ دجاج / حص )! وربما سخرت فقالت : ( البيت الغاوي ) .. هذا البيت يسكن في داخلي ، يزورني في كل مكان ، و أزوره في كل لحظة .. لذا أحب غرفتنا التي اتسع لها صدره ، و أحب – أكثر منها– أن أرى فرحتك كلما رجعنا إليها يا عزيزتي !
إذا كان قدرنا أن نسكن المدينة – و المدينة ليست شرا كلها - ، فليكن من تمام هذا القدر القرية – و هي ليست خيرا كلها - : ألا نبتعد عنا كثيرا ..

لأني أحب قريتي عرفت حب الوطن !
و لأنك وطني فإن حبي لك يزداد بقدر كل زيارة إلى القرية ..
كأن البراءة الظاهرة في كل ما فيها تنداح في خاطري رؤى و أحاسيس ، لأطل عليك بعدها حبيبا مشبعا بالبراءة .. ألا يحتاج الحب إلى البراءة لينمو و يقوى ؟
إن الحب الذي تنزع البراءة منه هو حب بوليسي .. حب جامد كقاعدة الرياضيات لا تقبل استثناء و لا تُعنى بأي منعطف .. هو حب تضيق معه السماوات و الأرض و الجبال .. هو حب أسود مشرد تتقاذفه الطرقات كعودام السيارت التي تتبعثر دون اتجاه محدد لتؤذي الخلقَ برائحتها الضارة ..
إن الحب الحقيقي أفق لا حدود له ، و هو نور على نور رائحته كالتضحية في سبيل الوطن !
( إن حبي في بلادي ، فأعيديني إليها ) ..