الاثنين، 2 مارس 2020

مشارق | 6



(51)
كن عاليا مثل كل عال.
مُشرقـــا مثل كل مُشرق.
سيدا حُرّاً نبيلا مهما دار عليك الزمان وتغيرت الأحوال..
صفاتٌ؛ تأملها جيدا فيمن حولك وما حولك، ثم "فبهداهم اقتده" !


(52)
لا تكن
-في كل أحوالك-
مُستقبلا لما يصدر عن الآخرين.
إن اعتماد (الاستقبال/ الاستهلاك) استراتيجية حياة مهلكة، وإن (الإرسال/ الإنتاج) منجاة. كن منتجا، حرا في اختياراتك، ذكيا في تنزيلها بما يناسب كل مجلس ومقام.
الإنتاج يوفر لك حصانة من الانتظار، والقلق، وأن تكون محلا لتفريغ شحنات الآخرين، أو أداة من أدوات تجاربهم، أو (في أسوأ الأحوال وأحسنها) شيئا منسيَّا غير مذكور!
سمعت د.صلاح الراشد يقول في أحد برامجه التحفيزية: "إذا لم تكن لديك خطة عمل، فستكون جزءا من خطط عمل الآخرين" أو كما قال.


(53)
يثورون عليك بين حين وآخر. وفي كل مرة يتَّخذون لذلك سببا يُعَبِّرُ عن بغضائهم أو غيظهم أكثر مما يُعَبِّرُ عن حقيقة السبب المعلن. "فذرهم في غمرتهم حتى حين"، واصْبِر نفسَك على ألا تلتفت إليهم، وأن تمضي كأنك لم تسمع ولم تُبْصر؛ فإنك بهذا تُصيبُ شيئا من سيرة عباد الرحمن الصالحين "الذين إذا مروا باللغو مروا كراما"، وسيرة العقلاء المتقين "الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"..
وإن أنت أبيت إلا أن تُرْضيَهم بأن يضيقَ صدرُك بما يقولون، وأن تُنْفق فيه ليلك ونهارك، وتَرُدَّ على هذا وتُفَسِّر لذاك، مع علمك أنهم يتطلَّبون الدليل على النهار؛ " فلعلك باخع نفسك على آثارهم" يا أخي، ولعلك تدور في دائرة لن تنتهي حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وإليه تُرجع الأمور.


(54)
ينأى بالإنسان،
عن الاعتراف بأخطائه (أحيانا)؛
خطأُ ناصحه ومنبهه..
لا يَصْلُح الخطأ بخطأ مثله، كما لا تطفئ النار النار. وسيعلم المصلحُ الحقُّ مفاتيح منصوحه ومغاليقه ما تقصَّاها، وسيعلم حينئذ أيَّ صراط مستقيم يسلكه لتحقيق غايته النبيلة.
"ادفع بالتي هي أحسن"


(55)
مهما يكن من كونك مُحِقّاً فيما تَدَّعيه، مُتَّخِذاً أسبابك من الحيطة والحذر، عالما بأنك منصورٌ بقوة القانون؛ فإن في (الصُّلْح) أمانا واطمئنانا ونجاةً من مظالمَ وشبهات..
- "والصُّلْحُ خَيْر" كما في الكتاب العزيز، و(أعقل الناس أعذرهم للناس) كما قال علي بن أبي طالب، و(أشرف الثأر العفو) كما في المثل الإنجليزي!


(56)
مهما يكن من كونك مُحِقّاً فيما تَدَّعيه، مُتَّخِذاً أسبابك من الحيطة والحذر، عالما بأنك منصورٌ بقوة القانون؛ فإن في (الصُّلْح) أمانا واطمئنانا ونجاةً من مظالمَ وشبهات..
- "والصُّلْحُ خَيْر" كما في الكتاب العزيز، و(أعقل الناس أعذرهم للناس) كما قال علي بن أبي طالب، و(أشرف الثأر العفو) كما في المثل الإنجليزي!


(57)
تُبْقِي الإنسانَ بعضُ أقواله وأفعاله، أكثر مما يُبْقيه شخصه الماثل بين الناس. ومهما حاول المُبْغِضون التخلص منه؛ فإنه بسيرته النقية يتناسخ ويتناسل في كل جيل. يريدون أن يطفئوا نور الله فيه بأفواههم وأيديهم وقلوبهم، ولكنهم عبثا يحاولون..
ثم يقتلونه، فيحسبون أنهم أتوا على ما عجزوا عنه من قبل: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم"..
يا لَلحمقى؛ لقد جعلوه رمزا مضيئا إلى الأبد!


(58)
إنك لا تضيف شيئا جديدا في المكان فحسب، حين تغير وضعا ما في المكان من حولك، ولكنك تضيف شيئا للروح، وأشياء كثيرة جدا إلى حياتك. وكلما جعلت التغيير (بالحذف أو بالإضافة) عادة لك؛ فقد قبضت على معنى مهم من معاني الحياة، ربما يكون هو ما يشير إليه نيتشه حين قال: (الحياة جدل بين الذوق والتذوق).


(59)
في البدايات الجميلة، واللحظات الجميلة، والذكريات الجميلة، والأحلام والنوايا الجميلة؛ ما يكفي لأن يرجع المتخاصمان إلى ما كانا عليه من جميل المودة والرضا والوئام..
وإن مما يثبط معنى الخصومة في موقف مرشح لخصومة كاملة الأركان؛ أن ينظر كل طرف للآخر بعين المحبة، فذلك أدعى لأن يلتمس كل منهما العذر لصاحبه. قال نيتشه: "يكفي أن تنظر لي على أنني عدو، حتى تخطئ في فهم كل ما أقول"!


(60)
في مواقف الشهادة لنفسك أو لغيرك؛ كن أنت أنت في كل أحوالك. لن يحييك تصديق المصدقين، ولن يميتك تكذيب المكذبين. كن أنت أنت.. كن واضحا وصادقا مع نفسك، ثابتا ووفيا لقيمك، كريما وحكيما في تعاطيك مع ثابت التفاصيل ومتغيرها. بذلك سار الخيِّرون السعداء "فبهداهم اقتده"..


مشارق | 5


(41)
على رغم ما سيكابده من الشوق والشقاء والشقوق؛
يفارق الإنسان بعض من يحب أن يكون قريبا منهم على الدوام، ويهجرهم -زمنا يطول أو يقصر- جراء أحوال تسيئ إليه وإليهم، ويترك مكانهم إلى موضع نفسي أو مادي آخر بعيد..
يفعل هذا كيما يستبقيَ ذكرياته الجميلة في مأمن، فلا يساءَ إليها بحاضرِ ما قد تغير، أو بمستقبلِ ما قد يكون..
وقريبا من هذا؛ كان حال ابن عنين الدمشقي حين قال:
فارقتُهم لا عن قِلىً، وهجرتهم
لا عن رضا، و رحلتُ لا متخيرا
لا عيشتي تصفو، و لا رسمُ الهوى
يعفو، و لا جفني يصافحه الكرى


(42)
أجمل فرص الحياة تلك التي تفتح لك نافذة من العلم والمعرفة. جمالها في أنها تضيف لعمرك عمرا آخر، ولعالمك الذي تعيش فيه عوالم أخرى. يعلم العاقل تمام العلم أن في الناس من حوله علماءَ مختلفين في فنونهم، فالصغير منهم في فن كبير في فن آخر. العاقل من يمنح نفسه فرصة أن يكون تلميذا أكثر من مرة في حياته، وفي الأثر (لا يَزَالُ الْمَرْءُ عَالِمًا مَا طَلَبَ الْعِلْمَ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ ، فَقَدْ جَهِلَ).


(43)
إن مجلسا أو موقفا تُشعرك طبيعته بأنك أضعف الموجودين فيه؛ خليقٌ بك أن تهجره إلى خير منه زكاةً وأقرب رحما، وتلك الهجرة –والله أعلم- مَظِنَّةٌ لمحبةِ الله ورسوله.. أليس المؤمن القوي خيرا وأحبَّ إلى الله من المؤمن الضعيف!


(44)
إن في تجميل بيئة الكلام، وفي المعاني الإيجابية الخَيِّرة التي تبثها بين الناس، وفي النوايا الصافية التي تقودك إلى كل هذا؛ إحساسا بالمسؤولية الكونية، والتزاما بتحقيق الخيرية في المجتمع، ووجها من وجوه العبادة لله عز وجل. يروي الإمام الحافظ ابن رجبٍ أن قوما تذاكروا عند الأحنف بن قيس؛ أيهما أفضل: الصمت أم النطق، فكان من جواب الأحنف الحكيم أن قال: (النطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، أما المنطق الحسن فينتفع به من سَمِعَه). ويروى عن الحسن البصري مثل هذا، حيث يقول: (إملاء الخير خير من الصمت) ومن كلام لقمان الحكيم في أثر الكلام قوله: "إنّ مِنَ الكَلامِ ما هو أشدُّ مِن الحَجَرِ في وَقْعِهِ، وأنفذُ مِنْ وَخْزِ الإبرِ، وأَمَرُّ مِنَ الصبرِ، وأحرُّ مِنَ الجَمْرِ"


(45)
كما تهوي الفكرة المريضة بالإنسان إلى حياة قلقة متهاوية؛ فإن الفكرة الصحيحة الحية تنهض به إلى حياة آمنة مطمئنة..
تأمل في الأثر النبوي الشريف: "ولا تمارضوا فتمرضوا" من حيث دلالته على هذا، ومن حيث كونه يجمع بين الإنذار والبشارة؛ فهو بقدر ما يحذر من فكرة مريضة؛ فإنه يبشر بفكرة حية ملهمة هي التشافي الذاتي الذي يمكن للإنسان من خلال الإحساس العميق به أن يشفى من أسقامه وأوجاعه..


(46)
تتهيأ ليوم حافل.
تلبس له أجمل الثياب، وتصلح هيئتك كما لم تفعل من قبل، وتبكر في الاستعداد لكل تفاصيله.
تفاجأ -بمرور الدقائق والساعات- بيوم كسول؛ لا عمل حقيقيا أنجزته، ولم يأتك من وعدك بالزيارة، ولم تجد ما كنت تبحث عنه.
وفي اليوم الذي جزمت بأن لا حدث مثيرا فيه، وأنه سيشبه إخوته من الأيام الكسولة؛ تفاجأ بما لم يكن في الحسبان، ويُخلف ظنَّك اليوم الكسول!


(47)
اللؤم طبع خسيس في النفس يتغذى (داخل نفس اللئيم) على غرور غبي وجهل خفي، (وخارج نفسه) على لطف من يتعامل معهم وصبرهم عليه.
معشر اللئام كما قال علي بن أبي طالب: "يَسْعَوْن حول المرء ما طَمِعُوا به/ وإذا نَبا دَهْرٌ جَفَوْا وتَغَيَّبوا"، واللئيم كما قال سقراط: "إذا احتاج تواضع وتقرب، وإذا استغنى تجبَّر وتكبَّر"..
خُلُقٌ ذميم؛ يغري صاحبه بالمزيد من أعمال السوء، وليس يردعه إلا أن يَجِفَّ ماءُ طبعه القذر بأَثَرٍ من لحظةٍ عاقلةٍ ذات مدى واسع في النفس، أو عقوبة رادعة تُلزمه الحدَّ الذي يتعين عليه الوقوف عنده..
قال أبو الفتح البستي: "عليك بحرمان اللئيم لعله/ إذا ذاق طعم المنع يسخو ويكرم" !


(48)
فكرتك الغضّة الطرية..
إذا وجدت أنها ستموت بين يديك؛ فألقها في يَمٍّ تُحسِن السباحة فيه.
هنالك قد يشتدّ عودها، وتمكث في الأرض بأصل ثابت وفرع في السماء.


(49)
بعض ما يزكي به العلماء الكبار أنفسهم؛ أن يهضموا بعض شهواتها حتى لا تدعي ما ليس لها، وأن ينصفوها -في الوقت ذاته- بعدم تعطيل ملكاتها، فتتخاذل عن التفكير والنظر.
يحدث هذا (مثلا) حين لا يقدمون ما يقدمونه من الآراء على أنه الحق الذي لا مرية فيه وأن من خالفه فهو على ضلال مبين، بل يقولون بألسنة مقالهم أو أحوالهم عبارات من مثل: "إن هذا ما يؤدي إليه النظر" أو "إن هذا هو الأرجح لدي"..
إنهم يقولون ذلك؛ لأنهم يستحضرون أنهم ربما رأوا رأيا غيره في زمان أو مكان مختلفين عن ذي قبل.
قال #جابر_بن_زيد مَرَّةً:
"إنا لله! يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدا؟!"
قالها مُغْضَبا، حين سمع أن طلابه يدونون عنه ما يسمعونه منه!


(50)
كما أن الإنسان ينشط بالتشجيع والتعزيز؛ فإنه بالقدر ذاته ينبغي له أن ينتفع ممن يسوق له بعض عيوبه. ومهما أوتي الإنسان من تواضع ومعرفة، فإنه لن يستطيع أن يحيط علما بما هو عليه في كل أحواله بين الناس. فربما أساء من حيث ظن الإحسان، وربما بدا ظالما من حيث كان ينوي العدل. وحينها، فالذين يكشفون للإنسان صفحته التي لم يرها، هم البررة المخلصون (نظريا، على الأقل)، الذين تجب لهم المحبة والمرحمة. وتأملوا في مقولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال: "رحم الله امرءا أهدى إليَّ عيوبي".. لاحظوا أن الرجل العظيم كان يدعو لمن يبدي له عيبه، وكان يرى في ذلك هدية!