الخميس، 10 مايو 2018

حكايات (كِخَّه يا بابا)



(1)
كان المشرف على الرحلة الطلابية يقول لنادل المطعم: "هات طبق كذا لهذه الطاولة"، " أحضر هنا كأسي عصير"، "ضع هناك أطباقا مختلفة". وكان النادل يُدَوِّنُ صامتا ما يقوله المشرف. ما إن انتهى صاحبنا من طلباته، حتى قال له النادل بلغة حاسمة حازمة: "في هذا البلد؛ يجب (أو ينبغي) أن تقول (لو سمحت) قبل أن تطلب أي شيء!!"..

فوجئ مشرف رحلتنا إلى بريطانيا بكلام النادل، وأخذ يعتذر بكلمات من هنا وهناك، فيما لم ينتظر النادل كثيرا لسماع معلقة الاعتذار المرتبكة، وإنما أخذ طريقه -واثقا من نفسه- إلى بطن المطعم لإحضار المطلوب.

حدث هذا الموقف قبل نحو 15 سنة تقريبا، ولم أكن أتذكره إلا في المناسبات المتباعدة، ولكن كتاب (كِخَّه يا بابا) الذي وقع بين يديَّ قبل أيام خلت؛ ذكرني به. يضم هذا الكتاب، الذي يقع في حوالي 120 صفحة من القطع المتوسط؛ بين دفتيه عددا من المقالات، نشرها مؤلفه د.عبدالله المغلوث -خلال فترات متفرقة- في الصحف السعودية؛ منتقدا فيها بعض الظواهر الاجتماعية في مجتمعه. يقول المغلوث في مقدمة كتابه، موضحا سبب التسمية اللطيفة للكتاب: "إن أبرز مشاكلنا السلوكية والاجتماعية تبدأ في مجتمعاتنا مبكرا، مبكرا جدا.. فنحن نستقبل أطفالنا بعبارات: "كخه يا بابا"، و"أح يا ماما"، و"عيب" حتى ينبت الشعر في شواربهم. هذه العبارات التي ترافق أطفالنا سنوات طويلة جعلت الكثيرين منهم لا يجيدون الحديث وارتكاب الأسئلة. تبدو جملهم ناقصة وكأن أرتالا من الفئران الشرهة انقضت عليها بأسنانها الحادة. في حين تبدو جمل الأطفال الآخرين أكثر دهشة وانشراحا".

في الواقع؛ ما يتعرض له (المغلوث) في كتابه يتشابه –في قليل أو كثير- مع ظواهر أو عادات اجتماعية توجد في أغلب المجتمعات العربية، إن لم يكن كلها. ففي مثل الموقف الذي ذكرته أعلاه؛ يقول المغلوث: "لا أنسى الإحراجات التي تعرضت لها في بداية انتقالي للدراسة في أمريكا. كان النادل والسائق والمعلم والسباك يتعاملون معي كطفل، فكلما أسدوا لي خدمة أو طلبت منهم شيئا ونسيت أن ابتسم وأن أشكرهم كما ينبغي رددوا على مسامعي العبارة الشهيرة: ماذا عن الكلمات السحرية (وات أباوت ذا ماجيك ووردز)؟.. ويقصدون بها: شكرا، أنا ممتن، من فضلك، أرجوك وغيرها. هذه الكلمات لم تدخل قاموسنا إلا مؤخراً، لم تدخل إلا بعد أن بلغنا من العمر عتيا، وأرسينا قواعد هشة لعلاقاتنا مع الآخرين".


(2)
في موضع آخر من الكتاب، تذكرت رجلا كبيرا في السن، كنت أراه في صلاة الجمعة. في كل مرة كان يلبس كمة جديدة وثيابا تناسب لون الكمة. شاب شَعْر الرجل وبَشَرُه، فكان يحتال على بياض الشعر وتَفَرُّقِه بصبغه وإطالته وتسريحه؛ بحيث يغطي جزءا لا بأس به من قفاه، أما تَغَضُّن بشرته فلم يكن له من حيلة فيه إلا أن يتهندم على نحو ما يفعل الفتيان، بحيث يشعر من يراه أنه أمام شاب لم يبلغ الثلاثين بعد أو لم يجاوزها على الأقل. لم يكن الرجل العجوز متطرفا في لباسه إلى حد السفه والتصابي، ولكني أعترف بأنه كان يخطر في بالي -حين رؤيته- تساؤلات عابرة لا تخلو من استنكار من مثل: (ما الداعي لمثل هذا؟) أو (ما ضَرَّه لو عاش عمره كما هو؟)..
تلك الخواطر كانت تصول وتجول في البال -بلا وعي مني-؛ كأن على كبار السن أن يضعوا رجلا واحدة في القبر من الآن، فيما يكتفون برجل واحدة فقط يمشون بها في دروب الحياة. كأنْ ليس من حقهم إلا أن يعيشوا نصف الحياة فحسب. تذكرت هذا الرجل حين قرأت مقال (لماذا نموت قبل الموت) وفيه يقول المغلوث: "في الغرب عندما يتقدم الإنسان في السن تظهر عليه ملامح الرفاه والارتياح، فقد تحرر من الكثير من الالتزامات وتفرغ لهواياته وسعادته. في المقابل، يذوي إنساننا عندما يكبر"، ثم يحكي عن رجل أعمال عجوز، فيقول: "يعترف رجل الأعمال السنغافوري الناجح تشو باو (83 عاما) أنه لا ينام سوى أربع ساعات يوميا. يقول: "لا أود أن أهدر يومي في الفراش". يقضي تشو جل يومه في المكتب أو مع أبنائه. يلعب معهم كرة السلة أو يطهو لهم. يرى السنغافوري أن الموت يهرب منه كلما وجده سعيدا. يقول في مذكراته التي صدرت العام الماضي: "أنا لا أخاف من الموت. سيحملني يوما ما.. عاجلا أم آجلا، لكن لماذا أناديه قبل أوانه؟". وفي المقال نفسه يورد الكاتب كلمات الفيلسوف الإنجليزي، فرنسيس بايكون: "الشيخوخة في الروح وليست في الجسد".


(3)
سيجد من يطلع على الكتاب، الذي أصدرته دار مدارك ببيروت؛ عرضا لمواقف كثيرة، لا شك أن له علاقة بمواقف شبيهة بها، ومن ذلك (مثلا) أنني تذكرت ما حكاه لي أحد أصدقائي من ذكريات طفولته، حيث كان ذات يوم مع أبيه في المجلس العام للقرية، وحين قام مع غيره من الصغار لصب القهوة للكبار، تقدم باتجاه أبيه، فصب له في الفنجان قدرا أكبر من الحد المعتاد، فما كان من الأب إلا أن نهره بصوت عال ملأ أسماع الحاضرين، وربما مرطه دلة القهوة مالئا سمعه بكلمات التقريع، وقائلا له: "ما هكذا تصب القهوة، اذهب واجلس مع أمك في البيت حتى تتعلم عادات الرجال.. هيا قم من هنا واذهب للبيت". لم يتمالك الصغير نفسه، فأجهش بالبكاء، وانطلق راكضا بدموعه إلى أمه في البيت بعد أن ذهب لمجلس الرجال وهو منفرج الأسارير. يحدث كثيرا أننا نريد لأولادنا أن يتعودوا العادات الحميدة، ويتطبعوا بطباع خيرة الناس في المجتمع، ويقتفوا خيِّر السلوك؛ ولكننا نخطئ الوسيلة لذلك. نسيئ إليهم من حيث نريد الإحسان. ولك أن تتخيل كيف يَشِبُّ طفل تتناوله يد تدمن إمساك العصا، وتتحدث إليه لسان مطبوعة على الصراخ، وتنفتح عليه -في كل صغيرة وكبيرة- عين محمرة كالجمر. يحكي الكاتب في مثل هذا السياق هذه القصة: "على ضفاف الكورنيش شاهدت سيدة تسحب ابنها من أذنه حتى تكاد تقطعها وتقول له وهو يهطل دموعا: قف ولا تتحرك حتى أنتهي من تصويرك. الطفل لم يذعن لطلبها، كان يضع يديه على وجهه. اضطرت أمه للاستعانة بزوجها. جاء يهرع من الخلف حاملا يده الضخمة التي تشبه المطرقة. صفعه بها بقوة حتى أخمد بكاءه وأشعل ألمنا. استرجعت هذا الموقف عندما شاهدت أبا يأمر أبناءه بالابتسام أمام أحد الفنادق لالتقاط صورة جماعية لهم. وقد كانت المفاجأة عندما قال لأحد الصغار وهو يهم بضغط زر الكاميرا: ابتسم يا حمار!".. يقول المغلوث: " أي صورة تلك التي سنحظى بها وسنودعها ألبومنا وذاكرتنا. أي ابتسامة هذه التي ستولد من رحم القمع والشتائم. من المخجل حقا أن يصورنا آباؤنا عنوة. أن يطعمونا عنوة. أن يدخلونا إلى مدارسنا عنوة. إن نتائج هذا التعسف مؤسفة. مؤسفة جدا. سننبت متجهمين، غير مقبلين على الحياة والمستقبل."


(4)
أعجبني أسلوب د.عبدالله المغلوث في كتابه اللطيف هذا، وقد كنت معجبا من  قبل بكتاباته التي كانت تُتداول -بين حين وآخر- في رسائل الواتساب؛ فمن ثَمَّ أدعوكم لمطالعة الكتاب، الذي تتوفر منه –لمن شاء- نسخة إلكترونية على شبكة المعلومات. وفي معرض مسقط الدولي للكتاب، قبل عامين تقريبا؛ وجدت ركنا لمجموعة طلابية تطوعية تبيع نسخا صوتية لعدد من الكتب، وكان من بينها كتاب (كخه يا بابا)، ولكنها -للأسف الشديد- تنقصها المراجعة اللغوية والأدائية.
وأيّاً كانت النسخة التي ستطالعونها؛ فإنكم ستجدون في الكتاب كمّاً كبيرا من الحكايات الملهمة والدالة، صاغها المؤلف بلغة سهلة بسيطة تتدفق بسلاسة، وأجزم أن قارئها لن يشعر بالسآمة أو الملل.




الاثنين، 7 مايو 2018

حول تسعيرة الوقود لشهر مايو 2018م


تثير أسعار المشتقات النفطية التي يعلن عنها مطلع كل شهر الكثير من السخط بين الناس عندنا في #عمان، بمختلف فئاتهم، والسبب أن المواطن لم يكن يتوقع أن تصل أسعارها إلى ما وصلت إليه.
صرح بعض كبار المسؤولين في بداية الأزمة الاقتصادية بأن الإجراءات التي سوف تلجأ لها الحكومة لن تمس معيشة المواطن، والحق أنها مستها في الصميم، بلا مبالغة!
لم يُثر رفع الرسوم على كثير من الخدمات اللغط ما تثيره أسعار الوقود، لأن كثيرا من تفاصيل معيشة الإنسان ترتبط بالوقود كما هو معروف..
عبر كثيرون في غير وسيلة من وسائل التواصل عن خشيتهم من أن تؤدي إجراءات الحكومة الضريبية والارتفاع المستمر لأسعار الوقود، في ظل توقف ترقيات الموظفين ووجود عدد كبير من المخرجات الوطنية بلا وظائف؛ إلى خلق فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء..  كلما اتسعت هذه الفجوة امحت الطبقة المتوسطة، وأصبح المجتمع منقسما في طبقتين: الغنى الفاحش، والفقر المدقع.. يقول د.علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي المعروف: "لقد اتفق المفكرون في هذا العصر على أن الغنى الفاحش والفقر المدقع رذيلتان اجتماعيتان، ولا تنهض أمة حديثة وفيها هاتان العورتان" .. والله المستعان!

😥'

وحول ثنائية الفقر المدقع والغنى الفاحش في المجتمعات؛ أضيف إلى المقولة أعلاه، بعض ما نقلته خلال الأيام الفائتة في صفحاتي على (فيس بوك، وتويتر) من كتاب (وعاظ السلاطين) للمفكر د.علي الوردي:

(1)
"إن شر الذنوب هو أن يكون الإنسان في هذا البلد ضعيفا وفقيرا"

(2)
"تحاول الحكومات الحديثة أن تكثر بين رعاياها نسبة المرفهين، الذين يقفون وسطا بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. والأمة الراقية يقاس رقيها اليوم بنسبة ما فيها من هؤلاء المرفهين المتوسطين"

(3)
"مررت في صيف 1950 بالاسكندرية، ميناء #مصر العظيمة، فوجدت فيها من التفاوت الطبقي ما بعث في نفسي التقزز الشديد. فهناك على ساحل البحر وجدت الغنى المفرط صارخا يثير الشهوات ويحفز على الكفر. وعلى بعد خطوات من ذلك، في ما يسمونه بالحي البلدي، وجدت الفقر في أبشع صوره. عند ذلك أدركت أن انفجار القنبلة في مصر آت لا ريب فيه"!


السبت، 5 مايو 2018

أبريليات | 2018م


30 أبريل
علوم الإنسان ومعارفه،
تحدث فارقا في حسبة العمر؛
فمن كانت محصلته منها أكثر كان أكبر، والعكس صحيح.
وبهذه الحسبة؛ فقد يصغر الإنسان في موقف ويكبر في موقف آخر، كما قد يكون الإنسان أكبر من غيره في فن من الفنون، وأصغر من غيره في فن آخر.


29 أبريل
تكتب للإنسان حياة طيبة غير الحياة التي يعيشها المحيطون به؛ حين يتكئ على يقين صادق بالله في كل أحواله، وحين يوفق إلى رفيق صالح يدله على الخير وينأى به عن الشر، وحين يقع على كتاب مفيد يرسم له طريقا سالكا في الدنيا منجيا في الآخرة، وحين يُلْهَم فكرةً عبقرية أو يستلهمها فينهض بواقعه إلى أعلى ما يرجوه المؤمن العاقل.. هنالك يدخل الجنة ولما يَمُتْ بعد!


24  أبريل
لا تحبس عمن تحب؛ خواطرك الجميلة عنه، وذكرياتك اللطيفة معه.
شاركه إياها،
وإن باعد بينكما المكان أو الزمان أو مشاغل الحياة.
قدر الحب أن يكون حبلا واصلا بين اثنين، أو غطاء يجمع أشتاتهما ويضم حواشيهما معا، أو وطاء يستريحان فيه من وعثاء سفر ما. قدره أن يكون (مشتركا)؛ فلا تغير خلق الله!


23  أبريل
‏اللهم
أحْيِني مبتسما،
وأمِتْني مبتسمــــا،
واحشرني في زمرة المبتسمين!
😊


22 أبريل
تكشف مواقع التواصل الاجتماعي اليوم من المعلومات حول شخص ما، ما كان يتكلف حتى زمان قريب مشقة السفر إلى بلد المسؤول عنه أو الاتصال بأهله ومعارفه..
اليوم بضغطة زر تستطيع أن تعرف كثيرا من تفاصيله الأسرية، واهتماماته العامة، ونشاطه الاجتماعي، وربما حتى مستواه المادي، وغيرها كثير..
وسائل التواصل الحديثة نعمة؛
يشكرها حقا من يستخدمها في محمود الأمور لا في مذمومها.


21 أبريل
يعجبني الجلوس إلى كبار السن. تعجبني أحاديثهم النقية، البعيدة عن التكلف، الطيبة المضمون. يسوقونها -حفظهم الله- على سجيتهم في الحديث، وعلى طريقتهم في التفكير والتحليل.
وفي سردهم للأحداث فن جدير بالانتباه، فهنالك تبعث الألفاظ بعثا جديدا غير ما هو معتاد في سياقات أخرى.
وفي مضمون ما يتحدثون به تجد حياة غير الحياة التي نعيشها، فيها من التفاصيل ما قد يغير مفهوم البساطة الذي طالما استقر لدينا وصفا لزمانهم. ففي تلك البساطة الظاهرة حركة معقدة منظمة لها قوانينها وأسرارها.
(الشياب) المخضرمون نعمة؛ وإن من يحرم نفسه الجلوس إليهم، فقد حرم نفسه من خير كثير..


20  أبريل
"اليوم الضائع بحق؛
هو اليوم الذي لم تضحك فيه ضحكة".

- نيكولاس تشامفورت


18 أبريل
يذهب العامل الأسيوي الفقير إلى بلده بعد ثلاثة أعوام أو أكثر من العمل.
يمكث بين أهله ثلاثة أشهر أو أربعة، وفي تلك الفترة يستهلك -تقريبا- كل ما قد تحصل عليه، أو أغلبه؛ من مال، بينما يكون دكانه مغلقا لا يدر عليه شيء خلال فترة غيابه -كما حدث (مثلا) مع هلال، عامل تنظيف السيارات البنجالي- ولكنه يرجع بابتسامته التي خرج بها للمطار يوم طار لأهله، والتي حافظ عليها خلال أعوام عمله..
يبتسم ابتسامته الصافية الصادقة، ويفتر عن ثغر ترى في أسنانه أثر الدخان ومآسي الحياة؛ ثم يحييك تحية السعيد بغناه وصحته، بل ويسأل زبائنه سؤال المحسن الثري: كيف الأمور.. كل شيء تمام؟!
*
من أين يأتي هؤلاء بكل هذه القدرة على السعادة؟!!..


16 أبريل
بعض ما نمر عليه الآن، من أحداث أو أشياء أو أشخاص؛ ما هو إلا (رموز) دالة –من حيث لا ندري- على علاقة ما في المستقبل بيننا وبينها. نعرف ذلك، حين نستعرض الآن ما هو محيط بنا، من تفاصيل كثيرة، فنتذكر كيف كانت لحظة التماس الأولى معها في الماضي.. تلك اللحظة؛ كانت يومها بلا معنى، أما الآن فهي بيِّنة الصلة والنسب بما كان من قديم. هذه الرموز قد تكون شعورا ما نجهل كنهه أو أسبابه من الواقع، أو كلمة نسمعها فتبقى عالقة دون سبب واضح، أو لقاء عابراً لم يستغرق إلا قليلا ولكنه سيؤسس في المستقبل لعلاقة وثيقة..
..
سبحان الله!


12 أبريل
كما أن للمتقدم فضل السبق؛ فإن للمتأخر فضل التتمة.
وعلى رغم أن للمتقدم فضل اجتراح الطرق البكر وعبقرية الإنشاء؛ فإن للمتأخر فضل سد الثغرات وعبقرية الختام!
ليست الفضيلة في الإتيان بالجديد فحسب؛
بل إنها في تنزيله بما يناسب زمان الناس في كل مرحلة.


11 أبريل
بعض ما يتراكم لدينا من معارف خاطئة أو أفكار غير صحيحة عن موضوع ما؛
كان نتيجة النظرة الخاطفة، أو السمع المسترق، أو الظنون التي بنيت على غير حقيقة.
الاطلاع الدقيق المعمق، والقراءة الهادئة المتأنية؛ لا تفضي –قطعا- إلى مثل هذه النتائج..
لاحظ أخطاءك في نطق بعض الكلمات وستجد (مثلا) أن سماعا مسترقا للمصطلح الجديد كان السبب فيه، ولاحظ معلوماتك حول أثر أدبي أو علمي وستجد أن سبب أخطائك في نسبته أو صحته كان المرور الخاطف على المصدر الذي أخذته منه، ولاحظ ظنك في (فلان) من الناس وستجد أن رؤيتك له (مرة واحدة) في مكان ما هي التي جعلتك تحكم له أو عليه..


10 أبريل
للكلمات التي تمر علينا هنا وهناك مرجعية معجمية لا يشاركنا فيها أحد، أوجدتها أحوال خاصة ومشاعر ارتبطت بتلك الأحوال.
وبهذا قد تجد للكلمة الواحدة التي يقيم لها المعجم القياسي معنى واحدا فقط؛
معنيين آخرين، متناقضين تماما، عند شخصين مختلفين، كل بحسب قاموسه النفسي أو الاجتماعي أو ما أشبه ..


9 أبريل
من المغضب المبكي أن ترى الفقير الذي حملته لقمة العيش ليعمل في خدمة المنازل، أو بناء البيوت، أو أي مهنة من أمثال هذه؛ أن تراه غير شاكر ولا مخلص ولا صادق.
تغضبك طباعة اللئيمة،
وتبكي على شعب مقهور، هو واحد منه؛ جعله القهر والطغيان محلا لهذه الأخلاق السيئة..


8 أبريل
الأصل أن تقوى ثقة الإنسان بنفسه، بما يعلمه هو عنها من قدرات وأعمال طيبة يقوم بها، لا بما يعلمه الناس عنه. وحينئذ فلا مبرر لليأس أو السخط، إذا مر على الإنسان حين من الدهر لم يكن فيه شيئا معلوما أو معتبرا لدى الناس من حوله، فحسبه ما يعلمه هو ويعتبره، وحسبه –قبل هذا وبعده- ما يسخر نفسه فيه (مسوقا بنية حسنة صافية) من خير ينفع الناس ويمكث في الأرض..


5 أبريل
اشعر بالامتنان لكل من يسدي إليك معروفا أو يتفضل عليك بجميل.
ودعك من وساوس الشيطان حيث يقول لك: إنه لم يتصل إلا لأنه محتاج لأمر ما، ولم يزرك إلا لأنه كان مارا في الطريق نفسه، ولم ينتظرك رعاية لك بل لأنه كان مشغولا بأمر ما؛ فهذه وإن صدقت فإنها لا تنفي معنى الإحسان عن فعله الحسن!


2أبريل
لا يكفي أن تسبق الناس بالنوايا؛ فالغلبة لمن أتبع النية بالفعل.
إن النية التي لا تتقدم باتجاه العمل هي الـ(حبر على ورق) كما يقول العامة، و(قرارات حبيسة الأدراج) كما يقول المهتمون بالشأن العام، و(الرجل المريض) كما يُكَنِّي كُتَّاب السياسة أحيانا عن الحاكم العجوز الذي لم يبق منه إلا المظهر، أو الدولة الكبرى تتداعى عليها الأمم من كل حدب وصوب!