الخميس، 20 سبتمبر 2018

المنشد والكلمة..


قبل حوالي (12) سنة من الآن كتبت مقالا حول العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المنشد والكلمة. وحين كنت أراجع بعض الملفات اليوم؛ وقعت عيني عليه، فأعدت قراءته، وقد وجدت أن كثيرا مما جاء فيه لم يزل بعدُ سائغاً ليُعْرَضَ على المنشدين والمهتمين بهذا الفن الجميل الذي اختُطف أو يكاد –مع الأسف الشديد- في اتجاه آخر.

**
(1)
كيف يستطيع المنشد أن يؤثر في قلوب الناس؟ وما هي الوسائل التي تكسب نشيده فاعلية أكبر تصل به إلى غايته سلسا ناصعا لا تَكَلُّفَ فيه ولا غموض؟.. ليس من شك في أن التوازن في عناصر النشيد الأولى (الكلمة، واللحن، والأداء) هو الإجابة المثلى عن مثل هذه التساؤلات، لكن العلاقة الخاصة بين المنشد والكلمة تظل هي البُعْدَ الأهم في تشكيل معالم ذلك التوازن!


(2)
تقوم فكرة النشيد على أن (الكلمة) هي حجر الأساس الذي ينبني عليه العمل، يختارها المنشد بعناية فائقة وروح شفافة تستشعر النبض الذي يجري من حولها همسا كان أم جهرا، حتى يكون نشيدُه معالجةً فذةً تنتظمُ آلام الأمة والمجتمع وآمالهما عبْر قطاعي الفرد والمجموع، وتنفذُ إلى دقائق هذا الكون وتتفاعلُ معها. لكن هذه العناية الفائقة، وتلك الروح الشفافة لا تحصل له إلا بعد معايشة واعية لقضايا الأمة واستقرارها في دائرة الهم الذي يعالجه في حياته، حتى يؤتي عملُه أُكُلَه ويكونَ بلسما على جرح فيلقى القبول لدى المتلقي.


(3)
إن الفنان الذي لا يسائل نفسه حول الهدف من رسالته هو فنان عابث لا يحترم قدسية الكلمة، ولا ينظر بعين التقدير إلى الجمهور الذي يتلهف لسماع حدائه، ومن ثم فليس عجيبا ألا تستجيب لها النفوس ولا تحتفي بها القلوب، فكأنها إلى زوال مذ نشأت. وإذا كان طَرْحُ هذا السؤال مهما جدا لفنان كرس رسالته لأداء قيم طينية تافهة، فكيف الأمرُ بالنسبة للفنان المنشد الذي يتوسل بعمله للآخرة لا الدنيا، وينسج خيوط رسالته من مادة السماء لا من مادة الأرض!!


(4)
إن سؤال المنشد لنفسه (لماذا النشيد؟ ولماذا أُنشد؟) يمثل بداية الوعي الحقيقي برسالة النشيد كأداة فكرية فاعلة تعمل في حقل التربية والتثقيف المجتمعي، وبداية الوعي الحقيقي برسالته هو كفنان يعمل من أجل مُثُل عليا، ويسعى لنشر الخير بين الناس قاطبة وبَثِّ روح الجمال في ربوع هذا الكون بأكمله.
يقول توفيق الحكيم عن أهمية هذا الوعي عند الفنان الكاتب: "إن مهمة الكاتب في نظري هي تربية الرأي، و كل كاتب لا يثير في الناس رأيا أو فكرا أو مغزى يدفعهم إلى التطور أو النهوض أو السمو على أنفسهم، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة، ولا يقر فيهم غير الاطمئنان الرخيص، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل، ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة، ولا يغمرهم إلا في التسلية والملذات السخيفة التي لا تُكَوِّنُ فيهم شخصية، ولا تثقف فيهم ذهنا، ولا تُرَبِّي فيهم رأيا لهو كاتب يقضي على نمو الشعب وتطور المجتمع!".

(5)
الوعي الذي يطالَب به المنشد ليس هو فهمَ التأصيل النظري لفلسفة الفن ومن ثَمَّ انعكاسها على طبيعة المواضيع التي يطرحها، بقدر ما هو تجسيد عملي واضح يُلمح في أخلاقيات المنشد وسلوكياته الحياتية. إنه ليس من شك في أن طرح قضية من مثل الحَثِّ على التفاؤل – مثلا – يُمَثِّلُ معالجةً واعية لما تحتاجه الأمة في زمن كثرت فيه آلامها وأحزانها، لكن الوعي الحقيقي للمنشد يكمن في اتخاذ هذا التفاؤل عقيدة تتشربها نفسه،  وسلوكا عمليا يمضي به في حياته، ومبدأً يسعى لإشاعته بين أفراد المجتمع. أليس من السخرية بمكان أن يأتي شخص ليدعونا إلى التفاؤل ثم لا نراه بعد ذلك إلا عابس الوجه مقطب الجبين؟!.. وإذن فنحن لا نريد للمنشد أن يكون صورة عملية لتفاهة القيم يوم أن تغدو كلماتٍ يتشدق بها اللسان دون أن يحلق بها الضمير وترقى بها الروح.

(6)
وإذا بدا لأحد أن يتساءل عن طبيعة هذه القيمة.. أهي أخلاقية بحتة أم أن لها أثرا يطول بُنْية العمل نفسه؟!.. فإننا نقول بداية: إن الإسلام لا يحتفي بالفن إذا تجرد من الأخلاق ولا يعترف به أداةً تنهض بالمجتمع إلى الأفضل إذا جاء مجافيا لها. وإذا تقررت (أَخْلَقَة) الفن في نفسه فإن أَخْلَقَتَه – إن صح التعبير– في نفوس منتجيه من باب أولى. إن الفن الرفيع المهذب لا يصدر إلا عن نفوس رفيعة مهذبة!..


(7)
وإذا كان وعي المنشد بأهداف فنه وأسباب وجوده – أي الفن – من الأخلاق التي لا يُتَصَوَّرُ الفنانُ المنشد بدونها – كما قررنا سلفا – فإن هذا الوعي نفسَه من الأسباب المهمة التي تقف وراء خلود الفن الجميل، وبقائه حيا فعالا في قلوب الناس لآماد طويلة.


(8)
ولقد تساءل كثيرون عن السر في خلود عدد كبير من الأناشيد القديمة في قلوب الناس؛ رغم الحُلّةِ البسيطة التي تتبدى فيها، ورغم البون الشاسع بينها وبين ما وصلت إليه الأناشيد الحديثة، من حيث: تقنيات النشيد الداخلية، ومهارات الأداء؛ فضلا عن نقاء الصوت بفضل التطور الكبير في عالم الهندسة الصوتية.. تساءلوا عن سر خلودها، في حين لا يحظى إلا عدد قليل من الأناشيد الحديثة بمثل هذا..؟!!
فما وجدنا عند التأمل الفاحص إلا أن تلك الأناشيد الخالدة تنضح بروح الإيمان ويُحَسُّ فيها الإخلاص ويتراءى فيها الصدق، وأن تراكب مفرداتها (اللحن والكلمة والأداء) يكشف عما يسميه النقاد بالصدق الفني.


(9)
وعندما سئل المنشد (نزار أبو الفداء)، وهو أحد المنشدين البارزين في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، عن الفرق بين النشيد قديما وحديثا؛ أجاب بأن النشيد القديم: "كان متميزا هادفا ذا رسالة واضحة وكان أصحابه مدارس في الأسلوب... بينما النشيد الحديث –في أغلبه– موهبة تفرغ في شريط وأصبح الكثير ممن ينسبون أنفسهم للنشيد كفقاعة الصابون لا هدف.. لا رسالة.. لا تَوَجُّه.. وإنما هواية وتفريغ طاقات كامنة وإمكانات محدودة وشهوة فنية وسباق في الإصدارات غير المصنفة التي لا تستطيع أن تسمعها أكثر من مرة ثم تندم على شراء الشريط.."
وكان جواب المنشد الكبير (أبي الجود) حين سئل عن السر في خلود أنشودته (رحماك يا رب العباد) التي كتبها عام 1970م قوله : "أرى أن سر نجاحها يعود إلى روح الشباب الذي غمرها، والإخلاص وصدق التوجه والمقصد، فكانت رائدا ونبراسا لي ولإخوتي حيثما أردنا التضرع إلى الله تعالى و التذلل بين يديه".


(10)
إن التزام المنشد بالمبدأ الذي يدعو إليه وإخلاصه له يتعدى كونه موقفا أخلاقيا إلى أن يصير قيمة فنية ترفع من شأو العمل، وتثقل كفته في موازين النقد ومن ثم تكسبه صفة الخلود. إنها القيمة التي تفهمها القلوب والنفوس بعيدا عن منطقية العقل ومعادلاته المادية الجامدة.. إنها لغة الفن في جوهره الأصيل!

الحب.. وقود الأرواح المؤمنة!


هذا مقال قديم؛
كتبته قبل حوالي (14) سنة من الآن
بتاريخ (23 أغسطس 2004م)
**
قيل:
"لكل روح وقودها..
فاختر لروحك ما يوقدها..
فماذا تختـــــــــار..؟!"

أختار (الحب)..!!
لا تعجبوا لاختياري ولا تستنكروه..
إن الحب وقود خطير جدا ، ليتنا ندرك كنهه، وليت أنفسنا تتملى جوانبه وتتلمس أبعاده. لست أعني (الحب) الذي يتغنى به أرباب الخلاعة والمجون؛ فذلك شعور لاحياة فيه إذ لا يتجاوز دائرة الجسد . إنما أعني (الحب).. تلك القيمة السامية في وجود الإنسانية العظيم .

لو رأيت إنسانا يتأمل زهرة فواحة.. يقلب النظر فيها تارة، ويشم رحيقها تارة أخرى؛ فاعلم أنه محب!.. لقد أورثه الحب قلبا فيه من الرهافة وعمق الإحساس ما جعله يرى في تلك الزهرة عوالم كبرى لا يزال يجهل سرها. تلك هي عوالم (الإنسان، والكون، والحياة).
أرأيته لو لم يكن محبا، أما كان صدف عنها وانطلق لا يلوي على شيء..!!

إنه (الحب)..
يفتح الروح على مساحات كبرى رحيبة؛ فهو يغوص بها في رحم الوجود (الإنساني)، وينطلق بها لتستطلع آفاق (الكون)، ويمضي بها لتعكس خفقات (الحياة)، ومن ثمَّ نراها تنضح بالأمل القوي الذي لا يعرف اليأس أو الكآبة ويتجاوز الصعب والمستحيل، وبالحس المرهف العميق الذي يستجيب لكل خفقة في هذا الوجود ويستشرف عوالم المستقبل الغامضة.

وكم من الناس من رآه سر هذه الحياة وجوهر وجودها، فلما أفلست حياته منه عزف عن الحياة بكل ما فيها وانتظر الموت غير عابئ بشيء غيره. يصف بعضهم الحب فيقول: "إنه تفتُّح النفس للنفس ومناجاة القلب للقلب. وكل شيء في الوجود يحب شيئا: فالزهر يخالف بين ألوانه ليسقط عليه مختلف اللحن، والزمان يأتي بربيعه ليشعر أهله بالرضا والسعادة ، وليكفر عن برد شتائه ووقدة صيفه".

وبعد، فماذا تحتاج الروح كي تنطلق إلى مرافئ الأمن والطمأنينة غير مركب قوي يحملها، وزاد يبلغها غايتها، وتخطيط سليم يكشف لها الطريق الصحيح. إن (الحب) هو المركب والزاد والخطة! لكنه لا يكون كذلك إلا يومَ يكونُ عظيما في خيوط نسيجه وفي خطوط مساحته، فنبلغ به مرافئَ العظمة والسمو والجلال. ولعل قول الشاعر:
إني أحبــك كي أبقى على صلة
بالله ، بالأرض ، بالتاريـخ ، بالوطـن
يفسر بعض ما أجملته العبارة السابقة؛ ذلك أن الحب العظيم إنما يكتسب قدسيته وجلاله من ارتباطه بالله العظيم أولا، وبالقيم الفاضلة ثانيا. وهو إذا كان عظيما في منبعه فإنه يكون عظيما في مستقره إذ يشمل بظله الدنيا والآخرة . يقول الرافعي العظيم: "إن كان في الأرض عبودية شريفة فهي للحب وحده، إنما هي فكر القلب في مرجعه واتصاله به ؛ وكما يستعبد الأعمى لعكازته لأنه يرى فيها عنصرا من النظر، والشيخ الهرم لعصاه لأنه يرى فيها عنصرا من الشباب، والطفل الصغير للعبته لأنه يرى فيها عنصرا من الشباب، والطفل الصغير للعبته لأنه يرى فيها عنصرا من العقل – كذلك يستعبد عاشق الجمال للجمال، لأنه يرى فيه لروحه وقلبه نظرا وشبابا وعقلا، فيبصر ويقوى ويعقل إذا عمي غيره وضعف وخرف؛ ويعلم حينئذ بنظرة الفكر القوية العاقلة أن العبودية للحب الصحيح هي مبدأ العبودية الصحيحة لله" وإذن، فأنا أستطيع أن أقرر الآن بكل ثقة ..
إنما يصنع ( الفعلَ ) العظيم ؛
الروحُ المترعة بـ( الحب ) العظيم !

السبت، 15 سبتمبر 2018

الوقودَ.. الوقود!

تداول الناس عندنا في #عمان، خلال الأيام القليلة الفائتة؛ رسائل ومقاطع صوتية في (واتساب) حول مشكلات بدأت تظهر في سياراتهم جراء استخدام وقود رديء الجودة، تقدمه محطات النفط.

أحد الجيران أخبرني بأنه لاحظ مشكلة ما في سيارته، وحين ذهب بها إلى الوكالة قيل له بأن السبب يعود إلى رداءة الوقود المستخدم في السيارة، وقد وجد كثيرين مثله يعانون من المشكلة ذاتها.

وفي الأيام نفسها؛ انتشر مقطع لشاب خليجي (يبدو أنه سعودي) زار عمان، وقارن فيه بين أسعار الوقود العادي (91) والممتاز (95) في كل من عمان والسعودية، وكانت المحصلة -اعتمادا على خزان سيارته (نيسان إكستيرا)- النتائج الآتية:
•• وقود عمان الممتاز (95) بحوالي (15 ريالا عمانيا/ 150 ريالا سعوديا)، يمكن استخدامه لمسافة أقصاها 470 كم.
•• وقود السعودية العادي (91) بحوالي (9 ريالات عمانية/ 90 ريالا سعوديا) يمكن استخدامه لمسافة أقصاها 512 كم.

- لاحظوا الفرق!

وقبل يومين؛ نشرت صحيفة (أثير) الإلكترونية خبرا عن (اجتماع يكشف المستور) بحسب العنوان الذي اختارته لخبرها، ومفاده أن اجتماعا حدث بين ممثلين لأكثر من جهة ذي علاقة بموضوع (وقود السيارات)؛ تبين فيه أن ثمة خللا في عملية تصنيع وقود (95) أدى إلى تلوثه بمواد تسببت في انسداد مرشحات التصفية في العشرات من محطات الوقود، منها أكثر من 30 محطة لشركة (نفط عمان) وحدها، بالإضافة إلى عشرات أخرى لدى محطات (شل) و(المها)، ثم انتقل التأثير لاحقا إلى المركبات.

- ما الذي يحدث عندنا بالضبط؟

إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه؛ من ارتفاع تكاليف الوقود، ورداءته التي تترتب عليها تكاليف مالية أخرى؛ فستتضاعف –قطعا- تكاليف المعيشة عندنا أضعافا مضاعفة، بسب دخول الوقود في أغلب تفاصيلها، إن لم يكن كلها!!

أيها المسؤولون: الطبقة المتوسطة تتآكل رويدا رويدا، ولهذا الأمر تداعيات سلبية ومرعبة في أكثر من جانب، وعلى أكثر مستوى؛ وما لم ينتبه الرشيد منكم لهذا، ويقرن الانتباه بتحرك فاعل؛ فإن أخشى ما نخشاه أن تنفلت الأمور في المستقبل القريب إلى ما لا تحمد عقباه، ونرجع إلى مربعٍ –طالما حمدنا الله- على الخروج منه، لا سيما وأن المنطقة –في هذه الآونة- تتحرك على صفيح ساخن.

لقد صبر المواطنون على كثير من الإجراءات، وشكروا جهود الحكومة في كثير من الملفات، وقد كانوا على المستوى المؤمل والمطلوب منهم فترة الأزمة كلها.. أمَا وقد (خرجنا من عنق الزجاجة) –كما صرح بذلك مسؤول كبير قبل أشهر خلت في إحدى الإذاعات المحلية-؛ فقد آن للحكومة أن تعيد النظر فيما كان من إجراءات؛ فضلا عن ألا يتبرع مسؤولوها (الشيمة!) بمقترحات جديدة تثقل كاهل المواطن، وترهق جيبه الذي تتناوله الثقوب من كل جوانبه.

هل نحتاج إلى أن نُذَكِّر صناع القرار الاقتصادي والاجتماعي (والسياسي والأمني أيضا) عندنا إلى أن عددا كبيرا من مخرجات الجامعات ما زالوا يبحثون عن عمل، وأن ترقيات آبائهم وإخوانهم في الحكومة متوقفة –بما يعني مزيدا من الضغط المالي على قطاع (لا بأس به) من الأسر العمانية-، وأن تعزيز ثقة المواطن بالحكومة مطلب مهم على الدوام؟!

وهل نحتاج إلى أن نجترَّ –بكثير من الأسف!- مقولة أحد كبار المسؤولين -في بداية الأزمة- بأن (الإجراءات التي سوف تتخذ لن تمس معيشة المواطن)!.. ومقولة مسؤول آخر –في وسط الأزمة- من أن (الزيادة في سعر الوقود ما هي إلا سعر (شاورما) واحدة في 2016م)؛ فأما الإجراءات فقد مَسَّتْنا في الصميم حين مسّت وقود السيارات، وأما الزيادة فقد تجاوزت (سعر الشاوارما) إلى أن تكون سعر (صحن مندي) في 2018م -كما كتب أحد المدونين-، وربما تكون عشاءً دسما كامل الأركان لأسرة بأكملها في الأيام المقبلة؟!


- على سبيل المثال –لا الحصر-: لدي سيارة؛ كنت أملؤها بالوقود الممتاز بحوالي (11) ريالا، والآن أملؤها بحوالي (20) ريالا بالوقود العادي!


هل نحتاج إلى أن نسوق بعض ما يقوله علماء الاجتماع، في مثل هذه الأحوال؟..
أنقل هنا مقولتين لعالم الاجتماع العراقي د.علي الوردي:

- "تحاول الحكومات الحديثة أن تكثر بين رعاياها نسبة المرفهين، الذين يقفون وسطا بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. والأمة الراقية يقاس رقيها اليوم بنسبة ما فيها من هؤلاء المرفهين المتوسطين".

- "مررت في صيف 1950 بالاسكندرية، ميناء #مصر العظيمة، فوجدت فيها من التفاوت الطبقي ما بعث في نفسي التقزز الشديد. فهناك على ساحل البحر وجدت الغنى المفرط صارخا يثير الشهوات ويحفز على الكفر. وعلى بعد خطوات من ذلك، في ما يسمونه بالحي البلدي، وجدت الفقر في أبشع صوره. عند ذلك أدركت أن انفجار القنبلة في مصر آت لا ريب فيه"!

- فماذا تنتظر حكومتنا الرشيدة الموقرة لتتحرك؟

إن نجحت سياسة (رد الفعل) في احتواء الأزمات ضمن ظروف زمانية ومكانية معينة؛ فإنها قد لا تأتي بالنتيجة نفسها دائما. أفكار الناس تغيرت، وقد تغير جيل اليوم؛ فبعد أن كان شباب الأمس (وهذا على سبيل الدعابة والموافقة اللفظية) يتمتعون بطعم الليمون –كما كان يقول إعلان قديم لمشروب ماونتن ديو- فإن لشباب اليوم مفاهيم جديدة في المتعة وقيم المواطنة؛ ينشئها التواصل المفتوح مع مجتمعات أخرى، و(ربما) بأكثر مما تفعل المناهج الدراسية والخبرات المجتمعية.. مفاهيم متحركة متغيرة، الله أعلم بطبيعتها النظرية وحركتها على الأرض ومآلاتها في الواقع!

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

أغسطسيات 2018م


٢٨ أغسطس
لا أحتقر تجارب الآخرين،
ولا أقلل من أهمية ما يعرضونه من تفاصيل ونتائج،
ولست متأكدا من مستوى التفاوت المعرفي والذهني بيني وبينهم (وجوده، ومداه
ولكنَّ هذا كله لا يكفيني (في أحيان كثيرة) لأتبنى قناعاتهم، ما لم أجرب بنفسي.
أحب أن تكون لي تجاربي الخاصة،
وأحب أن أتفاعل بحرية مع النتائج التي تفضي إليها تجاربي هذه،
وهنالك قد أفضي إلى القناعة نفسها، لكنها ستكون -بلا شك- أثبت وأرسخ!


٢٧ أغسطس
من حيل التسويق الحديث؛ أن يُعَالَج كسادُ بضاعة ما (أحيانا) بالإعلان عن سرعة نفادها من السوق، وتوجيه المستهلك من حيث لا يشعر إلى المبادرة بحجزها قبل نفادها مرة أخرى..
توجهه آلة التسويق -التي لا تَكَلُّ ولا تَمَلُّ- نحو ذلك بالتلميح أكثر من التصريح، وبالصورة أكثر من الكلمة؛ فينساق إلى البضاعة المعروضة شغوفا متحمسا، فضلا عن كونه راضيا مختارا..
#التسويق -والمسوِّقون أدرى- حِيَلٌ وفنون وعلوم، وشيء -غير يسير- من السحر الذي يلقي به السحرة حبالهم فيُخَيُّل لنا من سحرهم أنها تسعى!


٢١ أغسطس













..
#العيد
أن تجعل اللحظات السعيدة واجهةَ كتاب الذكريات..

٢٠ أغسطس


لبيَّك..
ما امْتلأت بها أم القرى!


١٩ أغسطس
- هل اختار الإنسان الأرض التي ولد فيها؟
لا؛ وليس يدري بأي أرض يموت، وقد مر عليه حينٌ من الزمن بين هذين التوقيتين لم يكن يعلم فيه أين/ ومتى/ وكيف يؤتى حظوظه من المهنة والزواج والذرية..
- أليست تلك منعطفات مهمة في دروب الحياة؟
بلى؛ وعلى الإنسان أن يحسن التفكر فيما مضى منها ليأخذ العظة، وأن يحسن الاستعداد لما سيأتي منها ليتزود، وإن خير الزاد التقوى..


١٥ أغسطس
الآن وقد فهمنا جميعا بأن كثيرا مما يحمله لنا الواتساب من أخبار، غير مؤكد أو غير صحيح أصلا، وأن كثيرا من هذه الأخبار تفوح منها نوايا خبيثة؛ فعلام لا نتمعن فيها قبل نشرها، وعلامَ لا نتأنى ونتفكر في مآلاتها؟..
أتحدث عن أخبار سيئة لا تُعَلِّم جاهلا ولا تُنَبِّه غافلا، وإنما تثير اللغط والفتنة. علينا أن ننتبه، في كل حين، وفي هذا الوقت خصوصا؛ حيث تموج المنطقة باضطرابات لا ندري إلى ماذا ستفضي بها، نسأل الله السلامة!


١٤ أغسطس
ربما يُخَفِّف حِدَّةَ
سوءِ ظن إنسان ما بإنسان آخر،
أو ينفيه تماما؛
أمران اثنان:
أن يحاسب الأول نفسه، فربما يكون ما فعله صاحبه إنما كان بسبب منه.
وأن ينتبه لاحتمالات ثالثة ورابعة وأكثر، حملت صاحبه على فعل ما فعل، أو قول ما قال!


١٣ أغسطس
تصيبك اللحظات المؤثرة بالعجز في أحيان كثيرة عن التعبير عنها، لأنها أكبر من طاقة الحروف والكلمات. شيء يفيض على العباراتِ مكتوبةً أو منطوقة. وكلما تناولت فكرة لتبدأ منها فوجئت بها تتبخر؛ بفعل تزاحم العواطف، وما تخلفه من طقس نفسي ضاغط..
في مثل هذه اللحظات؛ أظن أن الصمت هو التعبير الأبلغ؛ لأنه - ويا للعجب- يبوح بالكثير، مغنيا صاحبه -في الوقت نفسه- عن لسان فصيح أو قلم سيال!
١٢ أغسطس
تبدو بعض الأشياء جديدة عليك الآن، ليس لأنك تراها أو تسمعها -أو تتفاعل معها بجوارحك الأخرى- لأول مرة، ولكنها الأحاسيس التي تخالط فؤادك الآن تعيد فيك فرحة الطفل باكتشاف شيء جديد، وتبعث فيك خبرة الإنسان المتأمل الذي لا ينفك عن اكتشاف الجديد في كل ما يتأمله. الأحاسيس قوة رائعة مودعة فينا. إنها بنات الأفكار، ولذا فاجتهد أن تكون وفيا لأي فكرة إيجابية، وأن تتنكر لأي فكرة سلبية!


١١ أغسطس
يعترف كثير من الناس بأن لكل شيء قيمة إلا (الوقت)!
عليّ أن أكون دقيقا وأمينا: إنهم يقولون بأفواههم عن قيمته ما ليس في قلوبهم عنها (وبالمناسبة؛ فربما نكون أنا وأنت من بينهم!). تعال انظر (مثلا) إلى مواقف الضرر، وستجد أن المضرور يعوض عن ضرر سيارته أو بضاعته، ولكن هل يعوض عن وقته الذي أنفقه في متابعة موقف الضرر هذا؟ إنهم لا يشيرون -ولا يقدرون؛ تبعا لذلك- إلى أن المسكين كان في غنى عن الدخول في تفاصيل كهذه!
وقس على هذا كثير، فيما يحدث من معاملات ومواقف بين الأفراد والمؤسسات.
- الوقت ثمين، أثمن من كثير مما يثمنه الناس، أثمن مما نتصور، وحسبنا أنه -بصورة ما- أحد ما يسأل عنه الإنسان في موقف الحساب العظيم.


٩ أغسطس
يصرف طالب العلم والمعرفة العربي عن القراءة في بعض العلوم الإنسانية (أحيانا) قواعدها الرياضية المربكة التي تحيلها إلى ما يشبه العلوم التطبيقية، وعجمة المصطلحات المتداولة فيها لا سيما إذا كان أكثر من كتب فيها أعاجم، وجفاف لغة الذين يكتبون فيها من العرب أو ضعف معرفتهم اللغوية..
المجد للعلماء الذين يحبون لغتهم، ويجتهدون في إتقانها، ويكتبون العلوم بلغة عربية أصيلة جميلة!


٨ أغسطس
ثمة فرق بين (المغامرة) و(الطيش).
فبينما تضيف الأولى –في أحسن أحوالها- لصاحبها رصيدا إيجابيا من (المتعة) و(الخبرة) و(المعرفة)، وغيرها من الفضائل؛ فإن الثانية –على أكثر الظن- مترعة بالرذائل في أولها وآخرها. أليست تعود على صاحبها بسمعة سيئة بين الناس، وتُغْشِي وجهَه غَبَرةَ الخزي والندم جراء أفعاله، وكل ما زاد من متعة مؤقتة أنقصته الخسائر اللاحقة؟.. وهل ثمة معرفة مضافة؟ من نافلة القول؛ أن لا مرحبا بعلم أو خبرة ليس لهما سبيل إلا الطيش والتهور..


٦ أغسطس
يدفع الإنسان ثمن خططه غير المدروسة. تفاجئه الأخطاء التي لم يحسب لها. يفاجئه توقيتها، وتكاليفها من الوقت والمال، ومضاعفاتها الجانبية. وحين ينفق أمانيه الواحدة تلو الأخرى في أن يعود الزمن ليختار غير ما اختار، يكون الزمن قد أنفق من الضحك عليه ما ينبه الغافل إلى نعمة الخيال، ويعلم الجاهل التفكير في الاحتمالات، ويأمر العاقل بمعروف التخطيط وينهاه عن منكره.


٥ أغسطس
يُضَارَّ الإنسانَ شيءٌ صغير، لو أمسكه بيده لكسره وفتته. ولكن الشيء الصغير يصيب منه عضوا ضعيفا فيقاسي من الألم ما كان يظن أنه لن يصاب به. لقد غرته صحته، فحسب أنها أقوى من المرض.
يا لَلإنسان..
يبتلى بالصحة كما يبتلى بالمرض. كان واهما حين ظن أنه مبتلى بالأخير فحسب.
يا لَلإنسان..!


٤ أغسطس
ثمة فكرة وقناعات في ذهن صانع ما،
تختلف عن غيرها لدى صانع آخر يقوم بصناعة المنتج نفسه.
لكل صانع عقيدته في الصناعة -كما لكل مبدع في أي شأن من الشؤون- تتكون من (أنظمة عامة) و(تصورات فردية)، تتكامل بطريقة فريدة فذة.
يدرك حُذّاق الصناعة أن عليهم تطوير عقيدتهم بين فترة وأخرى، بما يجعلها تنجح في إحداث الفرق (قليلا، أو كثيرا) في المنتج الواحد الذي تتسع دائرة المشتغلين به وعليه يوما بعد آخر.
تلك سنن السوق!


١ أغسطس
لا يكفي أن يكون الإنسان مظلوما؛ ليكون على حق. بعض المظالم يجلبها على المرء جهلُه أو حمقه. وتلك خطيئات لا بد أن يتحمل وزرها؛ فإن الجهل يُدْفع بالحذر والسؤال، والحماقة -وإن أعيت من ابتلي بها ومن يداويها- فإنها يمكن أن تُدفع بالتفكر في المآلات والنظر إلى تجارب الآخرين.

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

أنتِ هنا !


إليها، وقد سافرت..
|
أحبكِ..
والأسفارُ
تجلو المعادنا
ويصفو بها
ما كدَّر الدهرُ من مُنى
••
وفي جمرة الأشواق..
في كيَّةِ النَّوى
معيـــدٌ لما وَلَّى..
مقيــــــــمٌ لما انثنى
••
فإما افترقنا
كان في الشوق ملتقى
وإما التقينا
شيَّــــدَ الحُبُّ مَسْكنـــا
••
أقول،
ولا أَنْفَكُّ،
والحب سائقي:
مكانــكِ في قلبي،
وأنتِ هنا.. هنــــــــا !