السبت، 15 سبتمبر 2018

الوقودَ.. الوقود!

تداول الناس عندنا في #عمان، خلال الأيام القليلة الفائتة؛ رسائل ومقاطع صوتية في (واتساب) حول مشكلات بدأت تظهر في سياراتهم جراء استخدام وقود رديء الجودة، تقدمه محطات النفط.

أحد الجيران أخبرني بأنه لاحظ مشكلة ما في سيارته، وحين ذهب بها إلى الوكالة قيل له بأن السبب يعود إلى رداءة الوقود المستخدم في السيارة، وقد وجد كثيرين مثله يعانون من المشكلة ذاتها.

وفي الأيام نفسها؛ انتشر مقطع لشاب خليجي (يبدو أنه سعودي) زار عمان، وقارن فيه بين أسعار الوقود العادي (91) والممتاز (95) في كل من عمان والسعودية، وكانت المحصلة -اعتمادا على خزان سيارته (نيسان إكستيرا)- النتائج الآتية:
•• وقود عمان الممتاز (95) بحوالي (15 ريالا عمانيا/ 150 ريالا سعوديا)، يمكن استخدامه لمسافة أقصاها 470 كم.
•• وقود السعودية العادي (91) بحوالي (9 ريالات عمانية/ 90 ريالا سعوديا) يمكن استخدامه لمسافة أقصاها 512 كم.

- لاحظوا الفرق!

وقبل يومين؛ نشرت صحيفة (أثير) الإلكترونية خبرا عن (اجتماع يكشف المستور) بحسب العنوان الذي اختارته لخبرها، ومفاده أن اجتماعا حدث بين ممثلين لأكثر من جهة ذي علاقة بموضوع (وقود السيارات)؛ تبين فيه أن ثمة خللا في عملية تصنيع وقود (95) أدى إلى تلوثه بمواد تسببت في انسداد مرشحات التصفية في العشرات من محطات الوقود، منها أكثر من 30 محطة لشركة (نفط عمان) وحدها، بالإضافة إلى عشرات أخرى لدى محطات (شل) و(المها)، ثم انتقل التأثير لاحقا إلى المركبات.

- ما الذي يحدث عندنا بالضبط؟

إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه؛ من ارتفاع تكاليف الوقود، ورداءته التي تترتب عليها تكاليف مالية أخرى؛ فستتضاعف –قطعا- تكاليف المعيشة عندنا أضعافا مضاعفة، بسب دخول الوقود في أغلب تفاصيلها، إن لم يكن كلها!!

أيها المسؤولون: الطبقة المتوسطة تتآكل رويدا رويدا، ولهذا الأمر تداعيات سلبية ومرعبة في أكثر من جانب، وعلى أكثر مستوى؛ وما لم ينتبه الرشيد منكم لهذا، ويقرن الانتباه بتحرك فاعل؛ فإن أخشى ما نخشاه أن تنفلت الأمور في المستقبل القريب إلى ما لا تحمد عقباه، ونرجع إلى مربعٍ –طالما حمدنا الله- على الخروج منه، لا سيما وأن المنطقة –في هذه الآونة- تتحرك على صفيح ساخن.

لقد صبر المواطنون على كثير من الإجراءات، وشكروا جهود الحكومة في كثير من الملفات، وقد كانوا على المستوى المؤمل والمطلوب منهم فترة الأزمة كلها.. أمَا وقد (خرجنا من عنق الزجاجة) –كما صرح بذلك مسؤول كبير قبل أشهر خلت في إحدى الإذاعات المحلية-؛ فقد آن للحكومة أن تعيد النظر فيما كان من إجراءات؛ فضلا عن ألا يتبرع مسؤولوها (الشيمة!) بمقترحات جديدة تثقل كاهل المواطن، وترهق جيبه الذي تتناوله الثقوب من كل جوانبه.

هل نحتاج إلى أن نُذَكِّر صناع القرار الاقتصادي والاجتماعي (والسياسي والأمني أيضا) عندنا إلى أن عددا كبيرا من مخرجات الجامعات ما زالوا يبحثون عن عمل، وأن ترقيات آبائهم وإخوانهم في الحكومة متوقفة –بما يعني مزيدا من الضغط المالي على قطاع (لا بأس به) من الأسر العمانية-، وأن تعزيز ثقة المواطن بالحكومة مطلب مهم على الدوام؟!

وهل نحتاج إلى أن نجترَّ –بكثير من الأسف!- مقولة أحد كبار المسؤولين -في بداية الأزمة- بأن (الإجراءات التي سوف تتخذ لن تمس معيشة المواطن)!.. ومقولة مسؤول آخر –في وسط الأزمة- من أن (الزيادة في سعر الوقود ما هي إلا سعر (شاورما) واحدة في 2016م)؛ فأما الإجراءات فقد مَسَّتْنا في الصميم حين مسّت وقود السيارات، وأما الزيادة فقد تجاوزت (سعر الشاوارما) إلى أن تكون سعر (صحن مندي) في 2018م -كما كتب أحد المدونين-، وربما تكون عشاءً دسما كامل الأركان لأسرة بأكملها في الأيام المقبلة؟!


- على سبيل المثال –لا الحصر-: لدي سيارة؛ كنت أملؤها بالوقود الممتاز بحوالي (11) ريالا، والآن أملؤها بحوالي (20) ريالا بالوقود العادي!


هل نحتاج إلى أن نسوق بعض ما يقوله علماء الاجتماع، في مثل هذه الأحوال؟..
أنقل هنا مقولتين لعالم الاجتماع العراقي د.علي الوردي:

- "تحاول الحكومات الحديثة أن تكثر بين رعاياها نسبة المرفهين، الذين يقفون وسطا بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. والأمة الراقية يقاس رقيها اليوم بنسبة ما فيها من هؤلاء المرفهين المتوسطين".

- "مررت في صيف 1950 بالاسكندرية، ميناء #مصر العظيمة، فوجدت فيها من التفاوت الطبقي ما بعث في نفسي التقزز الشديد. فهناك على ساحل البحر وجدت الغنى المفرط صارخا يثير الشهوات ويحفز على الكفر. وعلى بعد خطوات من ذلك، في ما يسمونه بالحي البلدي، وجدت الفقر في أبشع صوره. عند ذلك أدركت أن انفجار القنبلة في مصر آت لا ريب فيه"!

- فماذا تنتظر حكومتنا الرشيدة الموقرة لتتحرك؟

إن نجحت سياسة (رد الفعل) في احتواء الأزمات ضمن ظروف زمانية ومكانية معينة؛ فإنها قد لا تأتي بالنتيجة نفسها دائما. أفكار الناس تغيرت، وقد تغير جيل اليوم؛ فبعد أن كان شباب الأمس (وهذا على سبيل الدعابة والموافقة اللفظية) يتمتعون بطعم الليمون –كما كان يقول إعلان قديم لمشروب ماونتن ديو- فإن لشباب اليوم مفاهيم جديدة في المتعة وقيم المواطنة؛ ينشئها التواصل المفتوح مع مجتمعات أخرى، و(ربما) بأكثر مما تفعل المناهج الدراسية والخبرات المجتمعية.. مفاهيم متحركة متغيرة، الله أعلم بطبيعتها النظرية وحركتها على الأرض ومآلاتها في الواقع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق