الاثنين، 30 مارس 2015

دعوها .. فإنها منتنة!

في مراحل الدراسة الابتدائية علمونا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"، وقالوا لنا إن الحديث مقصود به النهي عن إثارة النعرات القبلية لأنها دعوى جاهلية. لكن هذا الحديث المذكور يستخدمه بعض الناس في التحذير من النعرات المذهبية أو الحزبية، وكنت – إلى وقت قريب – أجد أنه استخدام في الموضع الخطأ.

أما الآن، فأجد أنني كنت مخطئا وأن استخدامه كان صحيحا. لقد اتخذت القبيلة والقبلية أسماء مختلفة، اعتقد الناس أنهم يفرون بها من الجاهلية، فظهرت أسماء من مثل المذهب والنادي والجمعية والحزب والدولة، وغيرها.

ومن يتأمل في كثير من الحوارات والمناقشات التي تدور في أرجاء الفضاء الإلكتروني أو في الواقع الطبيعي، لا سيما تلك التي تجري بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة؛ يلمس حتما –في الغالبية العظمى منها، وليس كلها- أن كل طرف متمسك بما هو مقتنع به، وأن الهدف لم يكن -من الأساس- إلا الانتصار للذات المذهبية وما يتصل بها من قناعات وأفكار، ولم يكن أبدا البحث عن الحقيقة، ومعرفة ما لدى الآخر من حجج وبراهين سوَّغت له الإيمان بما صح عنده!

أحد شواهد الانتصار للذات المذهبية التي تُلحظ بجلاء؛ تكون حين يدافع هؤلاء المذهبيون عن كل من ينتسب إلى مذهبهم، حتى لو كان ذلك المنتسب لا يتمثَّل الكثرة الكاثرة من تعاليم الدين الحنيف المتفق عليها بين المذاهب الإسلامية المعروفة، وإنما لأنه يتبنى رأي المذهب في الأمور التي اختلف فيها مُنَظِّروه مع منَظِّري المذاهب الأخرى، أو لأنه يُنسب بحكم التربية والنشأة إلى هذا المذهب؛ فصار بذلك كأنه فرد في قبيلة، وصار لزاما على القبيلة ألا تتخلى عنه!!

والأمر يقال مثله في تجمعات صغيرة وكبيرة تضم أصحاب الهواية أو المهنة أو السياسة، الأمر الذي يطرح سؤالا مهما، وهو: هل ظهرت المذاهب (مثلا) لتكون حلا لمشكلة قبائل صغيرة شعر أفرادها –في فترة ما- بأنهم قليلون في مواجهة قبائل أكبر، فصاروا إلى فكرة (الحزب) أو (الحلف)، حتى يسوغ أن ينتمي إليهم حتى من لا يرتبط معهم بالنسب؟.. والجواب بالطبع (لا) لأن المذاهب ليست إلا مناهج فكرية لمصلحين أوائل ظهروا في فترة من الفترات، فساروا في الدين على حسب أفهامهم لتعاليمه، يقصدون من ذلك الخير والإصلاح، ولم يكن في وارد تفكيرهم التفريق بين أبناء الأمة، بل نحسبهم –والله حسيبهم- أنهم كانوا مشغولين بأن تجتمع الأمة على كلمة سواء، وأن تسير على صراط مستقيم..

لكن الأجيال المتعاقبة من أتباع أتباعهم فهمت –بقصد أو بجهل-أن منهج المصلح ليس إلا حزبا، وأن الانتماء إليه ليس بالضرورة أن يكون بـ (التزام الفكرة) التي نهض من أجلها المؤسس الأول بل يمكن أن يكون بـ (التزام الحضرة) – إن صح التعبير -.. والمقصود بـ (الحضرة) هنا؛ الشعور بالحزبية والانتماء لكل من ينادي باسم الحزب.

إن هذا من البلاء الفكري الذي يتعين على المصلحين من أعلام المذاهب الإسلامية، وغيرها من مذاهب السياسة والفكر؛ إصلاحه، وتوجيه المنتمين إليهم بأن الجامع بينهم هو الانتصار للفكرة النبيلة والالتزام بها فحسب، وتعزيز القيم التي تؤلف بينهم وبين كل من يختلف عنهم، في إطار من التسامح والإنصاف.

الاثنين، 2 مارس 2015

الإفتاء.. حسب الطلب!

ينتقد بعض الناس فتاوى العلماء المخلصين ..
ينتقدونها لأنها لم توافق هواهم،
كأن على المفتي أن يقوم
-بشكل دوري-
بتحديث معلوماته حول هوى الناس
مقدما لهم التسهيلات والتنزيلات والعروض
كما هو شأن الشركات التجارية
لا أن يفتي
بما علمه الله وفتح عليه من العلم الشرعي
وبما أنعم عليه من التقوى وحسن العبادة..
ينتقدونه
إذا أفتى بحرمة المشهور حرمته،
و ينتقدونه
إذا وسع على الناس بعض ما ضاق في رأي علماء آخرين! ..
فهو في الحالين عندهم مهضوم الحق، مهيض الجناح..
ليس لأنهم لا يحبونه لشخصه –مع أن هذا وارد أحيانا-
ولكن لأنهم لا يحبون المعرفة الحقيقية بالدين
يحبون أن يمشي الدين على هواهم
فيروجون أن الدين لم يأت إلا بالحلال،
ويقولون في سبيل ذلك كلاما سخيفا عن هؤلاء العلماء:
(إنهم لو استطاعوا لحرموا الحياة) !
حتى يجمعوا إليهم كل الكائنات الحية !!!
**
يقول أجدادنا الحكماء:
(الذي يدق الباب.. يأتيه الجواب)
إذا ما كان على الجاهل أن يسأل ..
فمن البديهي أنه ما على المفتي إلا أن يجيب..
شاء من شاء و أبى من أبى ..
وبين السائل و المجيب أناس لا يقعون إلا على الماء العكر ..
فتدبروا ،،
" إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب"