الأحد، 17 فبراير 2013

ارحموا عزيز قوم ذل !!


في يوم من الأيام جاء لبنانيون إلى بلد ما. عملوا على إنشاء مخبز أو مطعم، وقالوا للناس: إننا سنبيعكم خبزا فريدا من نوعه. هو خبز صنعته أمهاتنا، واحتفى به آباؤنا، وعرفناه مذ كنا صغارا.. إنه لذيذ وجميل، وسيعجبكم!.. ثم ما لبثت هذه الحادثة أن نشأت أمثالها وتفرقت أخبارها في أصقاع مختلفة من الأرض العربية وغيرها، فسمع الناس بشيء اسمه (الخبز اللبناني)، وكان حلا لمشكلات البعض الذين لم يكن لهم منتجٌ معين من الخبز ذي هوية متصلة ببلدانهم، كما طغى عند البعض الآخر على ما عندهم من خبز بلدي مرتبط ببلدانهم مُتصلٍ بهويتهم، وهو الأمر الذي حصل عندنا في عُمان!

لله درهم هؤلاء اللبنانيون!.. لقد أحسنوا إلينا.. لا شك في ذلك و لا مراء، ولكنهم أحسنوا إلى بلدهم وشعبهم وتراثهم وحضارتهم بأكثر مما فعلوا لنا، وكذلك صنع الهنود الذين جاءوا بخبز (البراتا)، والباكستانيون أصحاب خبز (التنور)، والأتراك الذين يختلفون في تسمية نوع من الخبز يشيع في مقاهيهم إلى لاحقتين، (العربي) و(التركي)!

ماذا فعلنا -نحن العمانيين- مع خبزنا الذي لا نكاد نراه في أسواقنا، و لا يستلذه بعض أولادنا وإخواننا في البيوت، وتستصعب بعض الزوجات – إن لم يكن كثير منهن، هذه الأيام- صُنْعَه في البيوت، لأنهن يجدن في شراء الأنواع الجاهزة الأخرى من الخبز الوافد حلا سهلا، فليس أسهل من الشراء.. و كم في (الفلوس) من حلول!! .. أقول: ماذا فعلنا للنهوض به، طعاما ذا كفاية في البيوت، وسلعةً محترمةً في الأسواق، ومنتجاً ذا دلالة على حراك حضاري معين؟!.. ماذا فعل القطاع الشعبي وماذا فعل القطاع الرسمي؟

لقد فعلت حسنا بعض مقاهي الشاي -التي انتشرت بشكل كبير مؤخرا- حين جعلت (الخبز العماني) بشكله وطعمه المعروف ضمن قائمة ما تقدمه من خدمات، إلى جانب أنواع الشاي المختلفة. ورغم أنها لا تسميه – إن لم تخني الذاكرة – (خبزا عمانيا) بل (خبز الرقاق) فيما أحسب، فإن لها فضلا –بشكل أو بآخر- في إعادة الاعتبار لهذا العنصر الجميل في المائدة العمانية، والذي أظن –والله أعلم- أنه سجل حضورا – يتفاوت مداه (بالطبع)- في كل بيت عماني، فهو إلى حد كبير شبيه بالحلوى التي أصبحت صفة (العمانية) أصيلة فيها، من حيث كونه منتجا (عمانيا) ينبغي المحافظة عليه.

أما قبل هذا، فلم يكن الخبز العماني متاحا للبيع إلا في المطاعم الشعبية العمانية -إلى حد ما-، وما انتشر مؤخرا من قيام بعض رَبَّات البيوت بتسويقه بشكل فردي على المحلات القريبة من بيوتهن في أكياس شبيهة بالتي يوضع فيها الخبز اللبناني ذو الحجم الكبير. لقد كان يُصنع في البيوت فقط، لذا فإن منظره في الدكاكين يجعل منه منتجا فريدا من نوعه!
وبالرغم من هذا، فإن حضوره ما زال دون المستوى المطلوب بكثير، فبينما يحتلُّ الخبز الوافد بجنسيته السلال والرفوف، ينزوي كيسٌ يتيم من (الخبز العماني) خجولا، وتكاد تقول لبائع الدكان: "ارحموا عزيز قومٍ ذلّ"!

إزاء هذا الوضع أطلقتُ منذ أيام مجموعة من التغريدات على (تويتر) ونشرتها في (فيس بوك) تحت وسم (الخبز_العماني) بُغية إثارة رأيٍ عام في هذا الجانب، وتحريك الشعور لدى أهل بلدنا بأن هذا الموضوع لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه (فعلُ أكلٍ) أو (صنعُ طعامٍ) فحسب، وما يتصل بهما من تفضيلٍ شخصي أو كونه شأنا خاصا في بيت من البيوت. عَلَّقَ بعض المتابعين على هذه التغريدة: "وأنت تتلذذ بأكل #الخبز_العماني، علم أولادك أن هذا من حب الوطن!" –ما معناه-: يا لهذا الرابط العجيب!.. وقالت زوجتي العزيزة -وهي بالمناسبة، ممن يحسنَّ صنع الخبز العماني-، حين قلت لها: إنني لن أكتفي بالتغريدات، بل سأكتب مقالا في هذا الموضوع.. قالت في استغراب: مقال عن الخبز!!!!..

أعترف أنني أحب (الخبز العماني) لأمرين: من جهة لذة الغذاء فيه، ومن جهة ارتباطه بالوطن، ودلالته على حضارة أسلافنا ونشاطهم في كل الميادين!.. والجهة الثانية هي التي تدعوني اليوم إلى تسجيل هذه الخواطر والانطباعات عن هذا الموضوع، مقترحا في سبيل ذلك على الجهات المسؤولة أن تشترط على صاحب أي مطعم أو مخبز أن يكون (الخبز العماني) عنصرا أصيلا في قائمة خدماته، أو أن يَعْمَدَ أصحاب المطاعم والمخابز إلى الاتفاق مع ربات بيوت لعمل كمية يومية من الخبز – في حال لم يتقن عمال هذه المحلات صنعه-، وبذلك تتوفر فرصة عمل طيبة لنساء قد تمنعهن ظروف أسرية أو منزلية من الخروج إلى العمل، فيما يعانين من قلة في الموارد، لا سيما المطلقات منهن والأرامل وغيرهن من ذوات الدخل المحدود.  

وكما أعلنت الحكومة عن اهتمامها بالحرف التقليدية، فأنشأت هيئة حكومية لرعاية هذا الجانب، وأعلن جلالة السلطان مؤخرا عن أوامره بإنشاء كلية الأجيال، فإننا نرجو أن نسمع بتوجيهات مماثلة بإنشاء مخابز حكومية أو مؤسسة تعنى بتدريب الشباب من الجنسين على حرفة في هذا الشأن، أو أن يضاف إلى تخصصات كلية الأجيال قسم للحرف الغذائية ذات علاقة بالحلوى والتمور والخبز وغيره، والله الموفق..

الاثنين، 11 فبراير 2013

صنع في سلطنة عمان.. !!



فاجأني الرجل، وربما فاجأ كثيرين غيري. لم أكن أتصور أن يكون بمثل تلك التلقائية. الصورةُ النمطيةُ في أذهانِنا عن كثير من المسؤولين ممن هم في منزلته أو أعلى منها، أنهم يأتون بالكلمة فيُخْفون عَشْراً وراءها، ويُجيبون كما لو أن الكلام معهم سلعةٌ لا تؤدى إلا بقدر الثمن المدفوع. وما تزال هذه الصورة النمطية -التي تشكلت في أذهاننا عبر السنين- تسيطر على أي تصور نضعه في خيالنا عمن نجهله من المسؤولين البارزين.

خطر ببالي بعد الجلسة الحوارية الجميلة ليلة أمس، أن هذا الرجل تنطبق عليه جملة (صُنع في سلطنة عمان) بامتياز. لقد شعرت منذ وصولي إلى القاعة أنه رجل منا، من أهل بيتنا. شرب من هذه الأرض التي نشأنا فيها، وعاش تحت سمائها. حتى أن بعض الحاضرين أشار إلى قريب من هذه الفكرة، حين قال عن الرجل في معرض ثنائه على الجهود الوطنية المخلصة للهيئة العامة لحماية المستهلك: "إنه ليس بغريب على د.سعيد الكعبي، وقد شرب من مياه (محضة)!!".. لماذا يراودنا أحيانا شعور صارم بأن بعض المسؤولين البارزين من طينة أخرى، بل ويتطرف لدينا هذا الشعور أحيانا فيُرينا المسؤولَ كائنا من عالم آخر!!

كانت الكراسي في مجلس الإثنين في النادي الثقافي ممتلئة عن آخرها، -ربما– على غير العادة. خطر ببالي أن في كلمة (المستهلك) عنصرا مهما من عناصر جذب الناس إلى هذا اللقاء. لأن المستهلك هو (أنا).. المواطن البسيط، وهذا الرجل رئيس الهيئة التي تحميني!.. دقق في كلمتي (أنا) و (تحميني)، تجد فيهما ما يؤسس لشعور عام بانتماء المواطنين كلهم إلى هذه المؤسسة، لا سيما بعد الفتوحات الأخيرة في كشف تلاعبات التجار الصغار والكبار في السوق، وبعد تصريحات رئيس الهيئة التي هزت الستار المضروب على التداخل الفج بين الوزارة والتجارة، وهو ما سيعزز على الأيام الشعورَ المذكور. بينما قد يغيب أحيانا شعور المواطن بالانتماء إزاء مؤسسات حكومية أخرى تقف على مجموعة واسعة ومهمة من الخدمات، ولكن تقصيرها –بقصد أو بجهل- فيما يناط بها من أدوار، يسهم في خلق فجوة عميقة بينها وبين المواطن، فتدور في بال المسكين الخواطر والمشاعر المذكورة أعلاه عن المسؤولين الذين يقودون زمامها.

كان الناس ينتظرون ما سيقوله الرجل بشغف، وكان ما قاله مطمئنا للجميع بأن الأمور تسير إلى تمام، وأن الهيئة تتطلع إلى دور أكبر في الأيام القادمة. لذا أرجو ألا تفاجئنا الأيام بغير ظننا الحسن في الرجل والهيئة فقد كان مما صرح به أنه سيستقيل إن ثبت أن أحدا ممن يعمل معه اشتريت ذمته وخان الأمانة، وأرجو ألا نسمع فجأة عن إقالة الرجل من منصبه أو إحالته إلى المستشارية خلال فترة وجيزة من مسؤوليته هذه بفعل تدخل التجار النافذين وأصحاب المصلحة، كما حصل -مرة- مع وزير سابق يظن فيه الإخلاص والأمانة؛ وجد نفسه في مواجهة مع بعضٍ ممن يجمعون بين السلطة والمال، فكان مصيره أن أزيح من وزارته.

**

الحمد لله أولا وأخيرا، والشكر لجلالة السلطان –حفظه الله- الذي وضع هذا الرجل في مكانه المناسب، والتحية الخالصة العطرة لسعادة الدكتور سعيد الكعبي رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك على جهوده الكريمة ومن معه من طاقم الهيئة، ثم تحية لكل مسؤول بارز يسعى مخلصا وأمينا لبناء هذا الوطن ورفعة شأنه، ويرى أنه ما جُعل في هذه المسؤولية إلا من باب التكليف لا التشريف.