الأحد، 26 أكتوبر 2014

البناء بالاختلاف !

يحدث أحيانا أن يجهر شخص ما برأيه في موقف ما، قد يكون مخالفا للسائد، أو فيه ما يشبه المواجهة مع رأي الشريحة الأكبر، أو فيه انقلاب على المتوقع منه. ويحدث أحيانا أن يتسابق الناس أفواجاً إلى الإدلاء بدلوهم فيما أعلنه المذكور من رأي. يُقبل بعض هؤلاء برسائل هجومية فيها من الغث أكثر مما فيها من السمين، ويتصدى لهم طرف آخر مدافعا بلغة فيها من العواطف أكثر مما فيها من المنطق، وبين هؤلاء وهؤلاء يقف فريق وسط؛ يسوق لطيف العبارات، ويحاول التوفيق بين الخصمين بالتي هي أحسن، وينطلق في عرض وجهة نظره من ظنٍ حسنٍ بجميع الأطراف، ويعرض ما لديه من حجج وبراهين، فيدع المجال للمتابع المحايد ليتبنى ما شاء من وجهات النظر.

مهما يكن من أمر؛ فإن لكلٍ من هؤلاء جميعا مبرراته التي تدعوه إلى عرض وجهة نظره بالطريقة التي تلائمه، وإن كان ذلك لا يعبر –بالضرورة- عن منطقية هذه المبررات أو وجاهتها، وإنما عن شخصيته وثقافته وأفقه الفكري. في كل الأحول لا بد من استحضار أننا نحتاج –حتى في أشد اختلافاتنا، مع القريب أو البعيد- إلى بث رسائل محبة واحترام فيما بيننا، حتى يكون هذا الخلاف عامل بناء لا هدم، وعنصر قوة لا عنصر ضعف وخيبة.

ولأن استحضار هذه الحاجة أصبح ضعيفا –إن لم يكن غائبا تماما– في معظم نقاشاتنا في الدين والسياسة والحياة الاجتماعية وغيرها من الشؤون؛ فإن المحصلة كلام سوقي بذيئ، وتهم باطلة لا أساس لها من الصحة، وقناعات راسخة تبنى على أوهام. يزداد الطين بلة والأمر سوءا –بالطبع- إذا لم تقتصر هذه على أن تكون محصلة لنقاشات الأفراد هنا وهناك فحسب، بل تتجاوز هذا المحيط لتدار عليها سياسات دول بأكملها، وتعجن على هدىً منها عجائن السياسة والاقتصاد، وغيرها من شؤون العلاقات بين الدول. وهنا قد تتحول هذه الخلافات إلى مبرر للتدخلات والصراعات، فتأتي على الأخضر واليابس، وتهز بنيان الثقة بين الشعوب المختلفة، التي جعل الله عز وجل اختلافها مدعاة للتعارف والائتلاف!

وفي محيطنا الإقليمي الذي يشهد من الثورات والانقلاب عليها، وفتح المجال للتدخلات الدولية من هنا وهناك في اتجاهات الشارع، ما يشهد على النموذج السيئ للتعامل مع الاختلافات في الرأي من قبل صناع القرار وقادة الرأي في دول تتشوف شعوبها إلى استقرار حقيقي، وتحويل الاختلافات في اتجاهات قادتها إلى مادة بناء، ومصدر قوة وثراء.


ما أجمل إذا كانت قناعة طرفي كل خلاف هي: أن نكون معا؛ لا يعني أننا لا نختلف. وأن نختلف؛ لا يعني أن لا نكون معا !! .. فبالاختلاف تكون مساحة البناء واسعة، وفيها من الجاهزية للاحتمالات والفاعلية حين الأزمات؛ الشيء الكثير!