الاثنين، 3 فبراير 2014

.. فإذا تكلم ؛ سقط من عيني !

تسهم وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة – على علاّتها – في ترسيخ ثقافة الشفافية والتعبير الحر عن الرأي؛ حول قضايا وشؤون كثيرة، كانت إلى فترة قريبة مقصورةً على خاصة الخاصة -وهي شأن عام-، ومغيبةً عن تعدد الرأي والقول فيها -وهي من الأهمية والعمق بمكان-؛ بحيث تحتاج إلى الرأي والرأي والآخر لإنضاجها وتمكين القائمين عليها من جعلها في موضعٍ وسطٍ تلتقي فيه مختلف الآراء ومفترق التوجهات.

وعندنا في عمان، كما في سائر الدول؛ قضايا عديدة، لم يكن مجال القول فيها متاحا، أو – على الأقل- لم يكن الصوتُ فيها مسموعا؛ إلا لفئات محدودة من الناس أوصلتهم ظروفٌ معينة مختلفة إلى مناصبَ رفيعة في مؤسسات حكومية عامة؛ فأصبحت لهم الكلمة الفصل في كل ما يتصل بهذه المؤسسات، وأصبح على المستفيدين من خدماتهم الرضا والتسليم بواقع الحال؛ إذ ليست القنوات مشرعة في كل وقت لتبادل تغذيات راجعة بين الطرفين -من جهة-، وليس كل صوت مسموعا حتى وإن كان وجيها -من جهة أخرى-، وليس من شاهدٍ عدلٍ أو حكمٍ منصفٍ يقيس موضوعية الملاحظات ومعالجاتها -من جهة ثالثة-.

أسوق هذه المقدمة، وأنا أتابع ما كتبه الناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي الشهيرة من تدوينات وما تبادلوه من رسائل، بشأن مقطع مرئي يكشف جانبا مما حدث قبل أسبوع تقريبا خلال عرض راقص لإحدى الفرق الفنية المشاركة في مهرجان مسقط السنوي؛ لا يتناسب مع ثقافة المجتمع العماني، الذي اتفقت كلمة العمانيين وغيرهم على أنه مجتمع القيم والأخلاق!

لقد أثار المقطع الذي تم تداوله على نطاق –لست أدري مداه- حفيظة قطاع واسع من العمانيين الحاضرين في الفضاء الإلكتروني، فأنشأوا من الوسوم ما دفع نشاطها إلى لفت انتباه المتابعين داخل عمان وخارجها، حتى أن أحد المغردين على (تويتر) من خارج عمان كتب ساخراً -ما معناه- إن العمانيين شعب هادئ لا يسمع له صخب ولا ضجة، وحين تكلموا كان هذا صوتهم!!

فهل هذا هو الصوت الذي نسعد –كعمانيين- أن يكون علامة ودليلا على عمان وأهلها؟! وهل يعي القائمون على المهرجان المذكور أن القيمة المضافة التي يمكن أن يضيفها مهرجان مسقط في جوانب عدة؛ لا تكون على حساب الحميد من العادات والتقاليد ولا تتقاطع مع الإرث القيمي والأخلاقي الذي يتناقله العمانيون جيلا بعد جيل؟
إن مهرجانا بحجم مهرجان مسقط ينبغي أن يكون دليلا على حضارة (عمان) ومفتاحا إلى تاريخها وفنونها الأصيلة، لأن (مسقط) تمثل كل العمانيين، ومنها ينطلق الآخرون في التعرف على (عمان) قاطبة. وهنا أقترح أن تشارك في عضوية اللجنة الرئيسية المنظمة للمهرجان جهاتٌ حكومية وأهلية ذات علاقة بالشؤون الدينية والثقافية والتاريخية والفنية والاجتماعية وغيرها مما يمكن أن يسهم في تصميم مهرجان تكون فوائده وعوائده في أكثر من جانب؛ أما أن يقتصر الأمر على جهة واحدة، فإني أخشى أن تتوالى الاعتذارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وكأن (النتائج) لم تكن –يوما- بناتِ (المقدمات)!!

يقول أكاديمي وناشط خليجي، زار السلطنة مؤخرا: "عُمان بحاجة لرؤية وجهود اقتصادية وإعلامية كبيرة، وحينها ستكون وجهةً عالمية بامتياز. فهي كنزٌ لا يفنى، وفيها كل ما يبحث عنه بنو البشر"، وأقول: إن مهرجان مسقط يمكن أن يكون أحد الأدوات التي توجه في هذا السبيل، حتى يصدق فينا ظن كل من أحسن فينا الظن، فلا نكون كحال الرجل الذي قيل عنه: "أرى الرجل فيعجبني؛ فإذا تكلم سقط من عيني"!!