الثلاثاء، 12 نوفمبر 2019

يوميات عابرة | (11-20)

(11)
في مجلس (أسمار وأفكار) على (يوتيوب)؛ ختم الأستاذ محمد المختار الخليل -مدير تحرير (الجزيرة نت)- محاضرته عن المتنبي، بما ابتدأ به؛ حيث يرى أن أحد أسباب تألق شعر المتنبي حتى اليوم هو حضوره في الحياة العربية المعاصرة.

وقد ذكر في تأكيد هذه الفكرة طرفا من حوار طريف جرى بين شاعر موريتاني -وصفه بأنه شاعر كبير ذو رأي ودعابة، واسمه محمد الحافظ ولد أحمدو- وآخر كويتي لم يذكر اسمه، التقيا في أحد المطارات، فتذاكرا الشعر وأهله، حتى امتد الحديث بينهما إلى المتنبي.

وكان الموريتاني منهما مغرما أشد الغرام بشعر المتنبي؛ فسأله الكويتي عن سبب ذلك، فأجاب أن المتنبي يجيبه عن كل أسئلته المعاصرة. ويبدو أن الكويتي أخذته روح الدعابة، فأراد أن يمضي مع نظيره في هذه الفكرة إلى مدى ظريف ممتع، فسأله، وكانت الفترة التي التقيا فيها أواخر سبيعينيات القرن المنصرم، بُعَيْد (اتفاقية كامب ديفيد) الشهيرة، التي وقعها الرئيس المصري (السادات) مع إسرائيل، والتي قوطعت بلاده على إثرها من قبل غالبية الدول العربية؛ سأله إن كان المتنبي قد قال في السادات شيئا، فأجاب: نعم، وأنشده قول المتنبي:
لا يدرك المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعَّالُ

ثم سأله عما رأي المتنبي في ما انتقده فيه د.طه حسين، الأديب والناقد المصري الأعمى؛ فأنشده من شعر شاعره:
وإذا خَفِيتُ على الغبي فعاذرٌ ألا تراني مقلةٌ عمياء!
وقد عقَّب المحاضر على هذا بقوله:
هذا هو المتنبي الحاضر في حياتنا حضورا حيا!


(12)
العمانيون –لاسيما أهل الداخل منهم- أهل نخيل؛ فمن ثم يعيب بعض الآباء على أولادهم جهلهم بأنواعها. ولقد استحييت مراتٍ كثيرة وأنا أُسأل عن بعض أنواع التمر أو الرطب، فلا أنسبها إلى أصلها الصحيح.
وربما هذا الذي دعا طالبا نبيها من طلبة الشيخ حمود الصوافي أن يأتي بجواب مبتكر، وقد سأله الشيخ عن رُطَبٍ قُرِّبَ إليه؛ من أي نوع هو؟.. كان الشيخ –فيما يبدو- يختبر معرفته، وكان الطالب يجهل نوعه، ولكنه لم يشأ أن يُحرج نفسه بأن يقف موقف من لا يعرف ما ينبغي أن يعرف، فقال متخلصا: لديَّ قاعدة يا شيخ في أنواع الرطب، وهي أن كل أصفر (خلاص) وكل أحمر (خنيزي)، وبينهما أمور مشتبهات!
ويبدو أن الشيخ قد أعجبه جواب تلميذه، فكان يُحَدِّثُ به بعض من لقيهم مازحا، ويقول: إن لدى هذا التلميذ قاعدةً فقهية في الرُّطَب!!

(13)
"راتب (المعلم) في ألمانيا يتساوى مع راتب الطبيب والأستاذ الجامعي"..
ذكر لنا ذلك أحد أساتذتنا، وقد أنفق زهاء عقدين من عمره في ألمانيا، وكان يدلل على ما يحظى به المعلم من احترام وتقدير على المستويين الرسمي والاجتماعي هناك.

كان الحديث عن مكانة (المعلم) في العالم العربي، وكيف أنها تدهورت، بسببٍ من التغيرات الاجتماعية التي طرأت على الأجيال ونظم الإدارة التربوية من جهة، وبسببٍ من (المعلم) نفسه من جهة أخرى.

وقد ذكر متعجبا مما آل إليه الأمر؛ أنه بينما كانت لمعلمي أيامهم هيبة بالغة ومنزلة مُعظَّمة في نفوسهم، بحيث إن (المعلم) لو سلك طريقا لالتمسوا غيره أو لجمدوا كالتماثيل حتى يمر؛ فإن بعض معلمي هذه الأيام لا يجدون غضاضة في أن يتشاركوا التدخين مع بعض طلابهم خارج المدرسة!


(14)
لأهل عمان المعاصرين، من أهل الشمال، في التعبير عن معنى كلمة (كثير) أكثر من كلمة؛ فمن ذلك كلمة (واجد) التي تنطق بتعطيش الجيم لدى البعض، وعلى نحو الجيم المصرية لدى آخرين، وبإبدال الياء منها عند البدو وغيرهم، وربما تكون هذه أشهر من غيرها.
ومن ذلك أيضا؛ كلمة (هَسْت) التي ربما تكون مأخوذة عن الفارسية، وقد كنت أسمعها كثيرا في القرية في زمان مضى، وربما لم تبق إلا عند كبار السن. تشير بعض القواميس إلى أن معناها بالفارسية (موجود)، فكأن أصل المأخذ إذن هو (التوفر).
ومن الكلمات أيضا؛ كلمة (عُوم) بتفخيم العين المضمومة، وقد سمعتها لدى بعض أهل الظاهرة وجبال الحجر.
وإلى هذا كله؛ فإن كلمة (كثير) الفصيحة مسموعة أيضا، لا سيما في كلام المتعلمين.
**
سألت أبي إن كانت كلمة (عوم) مستعملة في لهجة شيابنا، فأجاب بأن الكلمة مستعملة بمعنى آخر، هو التراب المتراكم في ساقية الفلج يحد من انسيابه وتدفقه.

(15)
مما اطلعت عليه، في إحدى الصحف، أن مجموعة (لاند مارك) التي تتبع لها علامات سنتربوينت، وسبلاش، ولايف ستايل، ومحل الأطفال، وماكس، وهوم سنتر وغيرها؛ أسسها رجل هندي يدعى (ميكي جاكتياني).
كان ذلك في البحرين عام 1973م، وقد ابتدأ الرجل وعمره (21) عاما بمحل الأطفال، برأس مال يعادل حوالي 2300 ريال عماني. ثم توسعت أعماله، وقرر نقل مقرها الرئيس إلى دبي مطلع تسعينيات القرن المنصرم؛ فأصبحت (امبراطورية) -بحسب وصف الصحيفة- تحقق  عوائد بمليارات الدولارات.

(16)
يقول المصريون، وربما غيرهم من العرب، في التعبير عن الجماعة من الناس (بني آدمين)، وفي التعبير عن الفرد الواحد (البني آدم). وقد كان هذا يمر على مسمعي بدون انتباه، حتى سمعت أحد أصدقائي يقول في معرض حديثه عن جماعة من النساء (بني آدمات)!
كان التعبير مفاجئا لأذني، رغم أنه في خطئه يتشابه مع ما تنطق به اللهجات العربية السالفة الذكر.


(17)
يقول شيابنا في الدلالة على غزارة المطر: (يطرح المرزاب)! بمعنى أن الماء من كثرته يجري في السطح حتى تطرحه المرازيب. وقد وجدت من من أهل جبال الحجر من يقول (المزراب).
كنت أحسب أن الكلمتين تصحيف لكلمة (الميزاب)، ولكنني وجدت أنهما -إضافة إلى (مئزاب)- لغتان فيها، وإن أنكرهما بعض أهل اللغة.


(18)
كلما ذهبت إلى (سيتي سنتر مسقط) مررت على مطعم اسمه (بول)، بثلاث نقاط تحت الباء. يبدو مطعما راقيا، ولم أمر عليه قط وهو خِلْوٌ من الزبائن، بل ربما مررت عليه بعض أحيان فرأيت زبائنه يفيضون عن مقاعده.

قلت لأحد رفقائي مرة: ماذا لو سئل أحد هؤلاء الزبائن من العرب: أين تناولت إفطارك هذا اليوم؟ ألا يَسْتَحْيي أن يجيب!..

يبدو الاسم مقززا لمكانٍ خليقٍ بأن تبدأ نظافته من اسمه. سيقول البعض إن الاسم منقول عن لغة أخرى، وهو يعني غير ما يعني في العربية، ولكن هذا لا ينفي أن للكلمة في العربية معنى غير لائق بمطعم.


(19)
من جميل ما حفظته لنا لهجتنا الدارجة في عمان، بل ربما أكثر اللهجات العربية المعاصرة، من فصيح اللغة؛ مسمى (البيت)، فقد ذكر العلامة محمود محمد شاكر في كتابه (أباطيل وأسمار) أن ما يسمى اليوم -في بعض الكتابات المعاصرة- (المَنْزِل)؛ إنما هو (البيت) و(الدار) في فصيح الكلام.
وسبب ذلك أن أصل النزول في لغة العرب إنما هو الهبوط والانحدار من مكان عالٍ إلى مكانٍ أسفل منه، فمنه قيل لراكب الدابة إذا أراد أن يريحها (نزل بالمكان)، ومنه سُمِّي الضيف الذي لا تطول إقامته (النزيل). وأما كلمة (النُّزل) فقد ذكر فيها وجهين بضم الزاي وسكونها، وأفاد بأن معناها –إلى جانب ما نعهد من تسمية الفنادق وأشباهها بها- هو ما يُهَيَّأُ للضيف من ضيافة.


(20)
حدثني أحد إخوتي، فقال: ذهبت يوما إلى صناعية الوادي الكبير في مسقط، وفي الورشة التي اخترتها لإصلاح السيارة؛ فاجأني العامل الآسيوي الذي أوكلت إليه مهمة الإصلاح بوجهه البارد الذي يوشك أن يتجهم.. وجه لا يبدو أن الابتسامة عرفت طريقها إليه، منذ وقت قريب على الأقل..

سألته، وقد شرع في إصلاح عطل السيارة، إن كان يعرف مقهى قريبا يقدم شاي كرك جيدا؛ فأشار إلى جهة قريبة. وحين عدت بالشاي؛ سألني ببرود: مضبوط؟! قلت له: لا.. فأجاب بعربيته المكسرة مستنكرا، وفي لهجته مزيج من سخرية  ونقمة ورغبة في التشفي: وين كله دنيا انته حصل ميه ميه شاي مضبوط؟
ويعني: في أي مكان يمكنك أن تحصل على شاي مضبوط بنسبة 100%؟
فأجبته: أحصل عليه في البيت.. إنه شاي أمي..

ولم أكد أنهي كلمتي الأخيرة؛ حتى استحال هذا العامل خلقا آخر من اللطف والرقة..
لقد انكسر جليد وجهه، وجرى نهر فمه؛ فإذا وجهه يبش من عبوس، وإذا حديثه يرق ويتدفق من خشونة واقتضاب..

كان المفتاح كلمة (أمي).. كان فيها السحر كله!  وقال -فيما معناه- وهو يُقبل عليَّ بوجهه كله، كأنما هي لحظة اللقاء الأولى بيننا، ويكاد يبكي: صدقت..  كل ما تصنعه الأم فهو زَيْنٌ كله!


اللغة العربية مغلوبة في بلادها

قال لي ولدي ذو السنوات التسع: نحن في (فنجا) ولسنا في مدينة أمريكية!
قالها، وقد أخبرته أن محلا جديدا كبيرا سيفتح قريبا منا. وأكثر الظن أنه قالها وقد سمع استيائي من تسمية المحل (إكسبرس لاين هايبر ماركت)، واستيائي غير مرة من تفضيل التسميات الأجنبية للمحلات، مع أن في العربية بمستوييها (الفصيح والدارج) سَعَةً لتسميات جاذبة غير مستهلكة..

يا للأسف!
تبدو الألفاظ الأجنبية مغرية لكثير من أصحاب الأعمال. قبل أيام كنت في (صحم) فرأيت مقهى أو مطعما يسمي نفسه (فايف منت برجر). وفي (عِزّ- منح) يجري التحضير لمقهى لا أذكر تسميته، ولكنها تبدو فرنسية أو إيطالية. وفي الخوض؛ دخلت مرة مطعم (فوديس) فقلت لمن كان معي: لقد أعجبتني خدمة هذا المطعم، ولكن أشعر بالضيق من مسماه الأعجمي. وفي (فنجا) أمر، بشكل شبه يومي، على طريق، تغزو اللغة الإنجليزية عددا لا بأس به من لافتات المحلات فيه، وثمة أرى من التسميات (جست فريش)، و(فيش باسكت)، و(بلاك ستريت)، وغيرها من الكلمات التي استبدلها أصحاب المحلات بالكلمات العربية التي كانت الجهات الحكومية المسؤولة في بلادنا تصر عليها..

ولا تسل عن كلمتي (ماركت) و(مول) و(كافيه) التي أصبحت لها عربية الأمر الواقع، فمن ينكرهما اليوم فكأنه قد أنكر معلوما من العربية بالضرورة..

كنا نفتخر بأن الجهات ذات العلاقة في بلادنا تتصرف بمسؤولية عالية تجاه هويتنا وثقافتنا، يوم أن دفعت باتجاه تسمية المحلات التجارية بالمفردات العربية، أما اليوم فثمة واقع مؤسف..
أصبحت اللافتات أعجمية بكاملها، ولم تستخدم العربية فيها إلا وسيطا لقراءة هذه المفردات.. لا، بل لقد أصبحت بعض لافتات المحلات بدون كلمة عربية في المسمى!!

انتبه د.مصطفى محمود في بعض ما كتبه إلى أن هذا نوع من الاستعمار اللغوي والغزو الثقافي الذي يراد منه (بالتراكم) إبعاد المجتمعات العربية الإسلامية عن هويتها وتاريخها وتراثها.

وإذا كان من وراء هذا عمالة وافدة أجنبية؛ فإن ما أشار إليه د.مصطفى محمود سيكون بلا شك أحد الأسباب التي قد تخطر على البال مباشرة، لكن العجيب فيما لو كان أصحاب هذه المحلات عمانيين (أبناء البلد) يتهافتون على هذه التسميات الأعجمية كما تتهافت الأكلة على قصعتها، "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".

إن على التاجر مسؤولية ثقافية أيضا. ليس التاجر الأمين هو الذين يعامل الناس بالصدق في تجارته فحسب، ولكنه الأمين أيضا على ثقافتهم (هذا على افتراض أن التاجر يعي مدلولات هذه التسميات، وقيمة التسميات التي تنتمي للمجتمع)..

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل البعض منا في عربيتهم وهويتهم.. اللهم توشك أن تكون #اللغة_العربية_مغلوبة_في_بلادها.. اللهم فانتصر!








مارسيات 2019م

٢٩ مارس
شُهِرَت نونية أبي مسلم بين العمانيين، (عامة قرائهم وخاصتهم)؛ باعتبارها قصيدة استنهاضية، فمن ثَمَّ كان الذين ترنموا بها من المنشدين (الحارثي، والصوطي، والمقبالي)، فيما سمعتُه لهم، يستحضرون هذا المظهر العام من أول القصيدة حتى آخرها، وربما كان ذلك بأثرٍ من عوامل فاعلة في الزمان والمكان والثقافة العامة..

لكن الناظر في مفاصل القصيدة يرى فيها وجوها شتى من أغراض الشعر، كالحنين والعتاب والحكمة وغيرها..

وحين كنت أترنم بالأبيات الأولى منها في بعض الخلوات؛ كانت تتجلى لي روح أبي مسلم، الإنسان المغترب عن وطنه، المثقل بحنين جارف إليه..
روح يتناولها حزن من نوع ما، هو ما حاولت -بحسب ما تأتى لي- التعبير عنه، ولذا فإن الذين تعودوا على سماع النونية استنهاضيةً حماسية لن يجدوا بغيتهم في هذا الجهد المتواضع الذي أعرضه عليكم هنا!      


٢٦ مارس
وجود نظام متين لصرف المال العام،
يُؤَمِّنُ نفسه بنفسه:
بأُطُرٍ واضحة، وإجراءات مُحكمة، ورقابة حرة؛
خير وأنجع من نظام ضعيف يتم التعويل فيه على (أمانة) الموظف وحده.
- وإذا لم يكن أمينا!
انظر ما يفعل الفسدة الآن..
بل؛ ماذا فعلوا من قبل، وماذا سوف يفعلون؟!!

#اختلاسات_وزارة_التربية


٢٤ مارس
إلى خريجة عزيزة..




١٥ مارس
    ‏اللهم رحمتَك بالشهداء والجرحى،
    ونقمتَك على كل من أظهر لهم الأذى والعدوان، وعلى من أضمره.
    - ليس العدو واحدا، ولكنهم كثيرون، قاتلهم الله..
    "ولو كان رمحا واحدا لاتَّقَيْتُه، ولكنه رمحٌ وثانٍ وثالثُ"..
    - إنا عيالك ربَّنا، فانصرْ، ولا تخذل عيالك!

    #حادث_نيوزيلندا_الإرهابي


١١ مارس
    العُمْرُ
    أقصر من أن تحمل الألما !
   


١١ مارس
    سيجد الأحباب المتخاصمون
    وسيلة للتراضي والائتلاف من جديد.
    سيجدون ذلك حتما عما قريب،
    فمن المغالطة في مفهوم المحبة ألا يكون هذا بعض مقتضاها، ومن العبث ألا يتخذ المحبون وسائل متجددة تحفظ ماء العلاقة في سخطها ورضاها.


٨ مارس
    أشهد ألا إله إلا الله..

٢ مارس
    الصورة المجتزأة عن الذات
    صورةٌ تعمي الإنسان وتُصِمُّه،
    وهي خليقةٌ بأن تهوي به في ظلمات بعضها فوق بعض.
    قد تُعْجِب الإنسان نفسه، وقد يَمْقُتها؛ مادّاً عينيه إلى صفة واحدة فيها تسبح في بحر من الصفات الأخرى التي تخالفها في قليل أو كثير.
    وكلما كَبُرت تلك الصفة في عينيه؛ عَمِي -بقدر ذلك- عما وراءها من حَسَنٍ أو قبيح، وكان أدنى إلى ظُلْم نفسه وغيره.
    إن هذا لون من ألوان التطرف، والعياذ بالله!