الأحد، 27 ديسمبر 2015

على أنقاض المطر .. !




فاجأني الفجر بروائح المطر في كل مكان..
غمرني فيض عجيب من الفرح، وكدت أَنِطُّ كما لو أنني طفل صغير فاجأه أبوه بلعبة جديدة..
كدت أشدو بأنشودة (المطر) التي كتبتها لك (وحدك) ذات مطر.. وكدت أنشئ لها لحنا جديدا يلبس فرحة لا تقاوم!
كدت أمسك هاتفي لأنشر تدوينة جديدة حالمة؛ أقول فيها الذي لم أقله من قبل..
كدت أدير الهاتف إلى وضع التصوير، كما أفعل بإزاء اللحظات التي لا تتكرر بسهولة..
كدت أُقَبِّلُ المسافة التي تحملني إلى المسجد في مثل هذا الجو المدهش العجيب..
،،
-    لكنني تذكرتك!
..
تذكرت فرحتَك الغامرة بالمطر ..
فرحتَك التي يكبِّلُها الآن مرضٌ عارض ..
..

فألجمتني الذكرى!

الأحد، 13 ديسمبر 2015

نوافذ قلبية

أَعْلَمُ أن رأيي في الشيء لا يعني مطلقَ الحقيقة فيه، لكن هل تعلم أنت أيضا أن رأيك فيه لا يعدو كونَه كذلك ؟!!
**

ما أسرعَ ما يفقدون المحبة والزلفى؛ أؤلئك الذين لم يبذلوا لها غير تطبيل فارغ، وذَمٍّ لمن خالف رأيَ من يتزلفون إليه، وتزكية ذواتهم عند ممدوحيهم!
**

ليس كل ما يُؤذَى به أذىً في نفسه – بالضرورة!.. وقد قال معاوية يوما: "إن لله جنوداً من العسل"!!
**

لا يشتري الناسُ من صاحب الجهدِ العظيم |تعبَه|.. إنهم يشترون |جمالَ| ما يصنع !!
**

(خمس دقائق) من المتــعة قــــد تولد من (خمســة أشهر) من تعب الصنـــاعة!
**

تخلِّيك عن (مندوبات) الشرع؛ لا يُحيلها -أبدا- إلى دائرة (المكروه)..
وعدم اقتناعك بها؛ لا يحيلها -قطعا- إلى (محرمات) على الناس!!
**

نَتُوهُ في أتون السجال بين (المظهر) و (الجوهر).. كم من مظهر قذر يحتوي على جوهر طاهر، وكم من جوهر طاهر، اشتمل عليه مظهر قذر!
**

الشعور بالإنجاز، وإن كان إنجازا يتيما وصغيرا ؛ قد يكون هو ما نحتاجه ليستيقظ العملاق الذي بداخلنا وينطلق!!
**

مهما اجتهد المقلدون.. مهما أوتوا من البـــــــــراعة؛ فإن صنعتهم لا تخلو من زيادة أو نقصان على الأصل المقلد!
**

(المقارنة ).. ضرورة لا ترف!.. نحتاجها لنرضى ونشكر بعد سخط وجحود، ولنتحرك وننفتح بعد سكــــــــون وجمود!
**

لا يُنَبِّئُك عن الدقة والانضباط مثلُ المقارنة بـ (الثــــــــــــــــــابت)؛ أما إذا سألتَ عن الفاعليّة؛ فذلك شأن آخر!..

السبت، 28 نوفمبر 2015

مذكرات امتنان لله (2)

آن لك أن تعذر الذين مررت عليهم يوما ما،
فَحَيَّيْتَهم ولكنهم لم يردُّوا عليك بأحسن منها، و لا حتى مثلها ..
كنت تشعر بالإهانة .. أليس كذلك؟!
وحين رجعت إلى البيت، قلت في نفسك: يا لوقاحة هذا.. ومن يحسب نفسه ذاك؟
هل تعلم أن ذلك الذي بدا لك وقحا، لأنه لم يرفع يده بالتحية؛ كان أعمى لا يرى!! ..
- أفأنت تلوم الأعمى على أنه لا يرى!!
وذاك الذي بدا لك متكبرا مغرورا، لأنه لم يلتفت إليك حين التفتوا كلهم؛ كان أصم أبكم!! ..
- أفتلوم الأصم على أنه لا يسمع، والأبكم على أنه لا ينبس ببنت شفة!!
آن لك أن تعتذر لهم جميعا، وأن تستغفر ربك قبل هذا، وأن تلتمس من الآن عذرا لكل من لا يحييك إذا حييته، و لا يرد عليك إذا كلمته، و لا يقوم من مجلسه إذا سمع الآخرون خطواتك فقاموا إليك ..
آن لك أن تشكر الله على نعمة السمع والبصر واللسان!

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

أقصى اليمين .. أقصى اليسار !!

عرفت معاوية الرواحي أيام كان طالبا في سنته الأولى أو الثانية في الجامعة. كان ضَاجّاً بالحيوية والحماسة. وقد لفت انتباهي أول مرة في صالة التلفاز التي كنا نتابع فيها ما تبثه قناة الجزيرة من أخبار الحشود الأمريكية التي تتقدم باتجاه العراق عام 2003م. كان صاحبنا يقوم من كرسيه، ويتقدم ليقف حائلا بيننا وبين شاشة التلفاز، فيخطب بكلام يشبه التحليل لما يحدث أو الانتقاد بلغة غير مهادنة .. لست أذكر تماما فحوى كلامه، ولكني أذكر أنني تعجبت من هذا الطالب الجديد على الجامعة، والجديد على هذا الجمهور؛ كيف يجرؤ على الوقوف خطيبا بينهم دون خوف و لا وجل !

كنت أرى في سلوكه هذا نوعا من الغرور أو التبجح، ونحوهما من الصفات؛ من ناحية .. ولكني –في الناحية الأخرى- كنت معجبا بجرأته وحركته بين زملائه ..
سنحت الفرصة بعد ذلك لنجلس معا؛ وأسمعني شيئا من خواطره الشعرية التي بدت لي حينها قريبة الشبه بشعر نزار قباني. أذكر أني حثثته على مزيد القراءة لتطوير موهبته .. ورُبَّ حاثٍّ على القراءة من هو أكثر قراءةً منه!!

في تلك السنة كنا مشغولين بالتحضير للمهرجان الإنشادي السادس، وكان معاوية فيما تلاها من أيام يشارك معنا في تعليق الإعلانات الجدارية.. كان يقول أحيانا وهو يضحك مشيرا إلي: "أقصى اليمين"، و"أقصى اليسار" مشيرا إلى نفسه!

لم ألتق بمعاوية بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، ثم رأيته في فعاليات مختلفة هنا وهناك، وكانت الظروف تسمح أحيانا بلقاءات سريعة.

لاحقا.. حين أصبح للعمانيين مجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ أصبحت أراه حاضرا بقوة في هذا المشهد، وكنت –كغيري- متابعا لما يكتب، بين إعجاب بمنشوراته، وتحفظ عليها، وعدم اتفاق معها جملة وتفصيلا!

معاوية صديق الجميع وعدوهم في آن واحد! ..
ما إن يفتعل عراكا مع فئة، حتى تراه قد أنشب أظفاره في مناوئيها، ثم إذا هو يتلطف بالكلام مع أعدائه الأُوَل.. والعكس صحيح.. وبهذا يمكن للجميع أن ينظروا إليه في إحدى صُوَرٍ ثلاث: الولد الشقي، أو الأخ المتمرد، أو الأب القاسي.. لكنهم –مهما كان من أمره مع الجميع- لا ينبغي لهم (وربما لايستطيعون) النظر إليه في صورة العدو؛ لأنه سرعان ما يدور دورته المعتادة، فيبعث على الأنس أكثر من الضيق، كأنه يحرك في الجميع أزرار الغضب والفرح على نحو يجعلهم يأنسون إلى صروف الأيام والليالي أكثر.. والأنس الذي أعنيه هنا هو الذي نعبر عنه في لهجتنا بـ (التهَجِّيلة).. ويبدو أنه كان منتبها لما يحدثه من أثر بين الناس حين جعل شعاره في الحياة يوما ما (الحياة هجلو)!..

وصف معاوية نفسه –غير مرة- بأنه (عماني جدا) ! .. ربما يكون قد ابتكر هذا التركيب الوصفي في لحظة عاقلة.. لحظة مترعة بالوطنية التي فاضت بها كثير من منشوراته .. وهذه الابتكارية في الوصف، ودهشة التلقي المترتبة عليها؛ قد تعطي لمحة مختصرة لمن شاء أن يتعرف على الرجل من لقطة واحدة!
*

أرجو لأخي العزيز معاوية السلامة والعافية، وأرجو من سلطات بلادي – جريا على النهج الإنساني الحكيم لسلطان البلاد المفدى حفظه الله، وتزامنا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد– التنسيق مع الجهات المسؤولة في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة؛ لإنهاء هذا الملف، لاعتبارات إنسانية واجتماعية وأخوية، والله المستعان ..

الاثنين، 2 نوفمبر 2015

انطباعات !

يحدث أحيانا أن تتولد لدينا انطباعات سلبية عالية، وربما تتطور إلى مشاعر غير ودودة تجاه أشخاص لم نعرفهم من قبل.. لم نلتقِ بهم في مكان، ولم نسمع لهم حديثا في وسيلة من الوسائل، ولم نقرأ لهم ولم نقرأ عنهم!!
هذه المشاعر والانطباعات تكونت بأثرٍ من أشخاص آخرين عرفوهم عن قرب بوسيلة ما، وخبروا أفعالهم وأقوالهم؛ بما قد يؤهلهم لإطلاق حُكْمٍ ما عليهم..

ثم تمر الأيام، فتتاحُ لنا –بشكل أو بآخر- فرصة التعرف عليهم أكثر.. بالاطلاع على نتاجاتهم وأخبارهم إذا كانوا من أهل الثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها، أو بلقاء مباشر في مكان عام أو خاص إذا كانوا من الأشخاص الذين يكثر أن نلقاهم في حياتنا اليومية؛ فتتغير نظرتنا إليهم بشكل كامل، وتتحول مشاعرنا تجاههم إلى النقيض تماما مما كانت عليه سابقا..

ندرك حينها أننا وقعنا في خطأ فادح، حين لم تكن انطباعاتنا تلك مبنية على أساسٍ قويم ولم يكن يحتويها منهج سديد.
كم ظلمنا (هذا) حين جعلناه أسفلَ سافلين، وكم كنا مفتونين بـ (ذاك) حين رفعناه إلى أعلى عليين!! كم حرمنا أنفسنا من فضل (هذا) حين جعلنا نتاجه الفكري ضلالا مبينا، وكم أوقعنا أنفسنا في ورطة حين جعلنا نتاج (ذاك) حكمةً بالغة!!

إن الحكم على الشيء فرعٌ من تصوره –كما يقول الأصوليون-، وإن التصور (هنا) يعني أخذ الصورة الأصلية الكاملة غير المجتزأة والمعدلة بأدوات الآخرين..
إن تجاربنا الشخصية، واطلاعاتنا الذاتية على كل شيء في المحيط من حولنا؛ يجب أن تكون المصدرَ الوحيد لانطباعاتنا العامة!

مذكرات امتنان لله (1)

عيناك اللتان تفتحهما في أي وقت شئت؛
تخيل أنهما كبطارية الهواتف الذكية، تنطفئ بعد بضع ساعات من شحنها، في توقيت لا تختاره أنت -غالبا-..
ولأنك لم تَحْتَطْ لذلك؛ فقد تنطفئ أثناء اتصال مهم، أو في الشارع حيث أنت بلا سيارة، أو في رحلة إلى مكان منقطع!! ..
تخيل ذلك، واشعر بالامتنان لربك الذي لم يجعل مدة إبصارك محدودة.. تخيل ذلك جيدا، واشعر بالامتنان لأن الله اختارك مبصرا، قادرا على فتح عينيك وإغلاقهما كما تشاء..
***
لو علم الإنسان ما يحتاج إليه من صبر وقوة على ما ينتظره في المستقبل لربما خــــــــارت قواه ولم يستطع صبرا!
***
وأنت تنقل بصرك بين قوافل السيارات في الشوارع يمينا وشمالا، تتلمس شبه فراغ فيه للعبور إلى الدوار، تذكر أن شارعك الخالي من نعم الله عليك!
***
في كل ليل.. ثمة قمرٌ معلَّق بين السماء والأرض..
ولكن أين عنه المضيئون؟!
***
سبحان من خلق المطر! ماء وليس كالماء، يختلط بالأرض فتصبح الأرض غير الأرض.. أيتها القلوب المطمئنة ارجعي.. مكانك هنا.. وهنا تحيين راضية مرضية!
***
عجبا لأمر الرزق. قد يكون المفتاح إليه كلام أو ابتسامة!
***
وإذا حالفك الموت، فقد فزت بالنوم العميق الذي لا يأبه بالمحيط، قام أو قعد.. هنا لا مكان لآلام الماضي، و لا ضجيج الحاضر، و لا قلق المستقبل!
***
حَرِّضْ روحك على أن تكون سعيدة دائما متفائلة بالخير. حَرِّضْ سعادتك الداخلية على أن تفيض كنهرٍ جارٍ تغتسل منه الأرواح المنهكة..
***
الحمد لله أن لم يكن الأكسجين وضوء الشمس سلعة تباع وتشترى!
***

الأحد، 20 سبتمبر 2015

دورة تدريبية !

لا شك أن دورات (تنمية الذات) مهمة، لأنها يمكن أن تسهم في إحداث أثر فعال في الشخصية الإنسانية، شأنها في ذلك شأن أي مؤثر معرفي، يُبَصِّرُنا بمواضع القصور والخلل في شخصيتنا، ويدفعنا تاليا إلى خطوات مهمة في درب التغيير. إن لها فضل المفتاح علينا حين نحتاج إلى دخول بيوتنا، ثم تتوافد وتتضافر عوامل أخرى تدعم استمرار السير في هذا الدرب.

من المهم جدا هنا أن نقول: إن المقصود بهذه الدورات، هي تلك التي يقدمها مدربون محترفون في تنمية الذات البشرية، لم يكتسبوا لقب التدريب من حضور دورات تدريبية هنا وهناك، وقراءة كتب يسيرة في هذا المجال، فحسب؛ وإنما أضافوا إلى هذا تجاربهم الذاتية في تغيير أنفسهم والنهوض بذواتهم، واختبروا –بشكل أو بآخر- واقعية قوانين وتجارب وأمثلة كثيرا ما تساق في مثل هذه الدورات، حتى تكون أدعى للتصديق، وأجدر بالتجريب.

لكن الملاحظ على كثير  من القائمين على مراكز ومؤسسات التنمية البشرية، أن الفرق بين (المحاضرة) و(الدورة التدريبية) ما زال غائما في أذهانهم. هذا إذا أَحْسَنَّا فيهم الظن، وإلا فما يقومون به من الإعلان بين الحين والآخر عن دورات تدريبية ذات عنوانات براقة إنما هو تسمية للأشياء بغير مسمياتها التي تستحقها، ووضع للشيء في غير موضعه.

طالعت مؤخرا ما سمي إعلانا عن دورة تدريبية لمستشار معروف في الطب النفسي، ثم توفرت لي فرصة الالتحاق بها، فكنت سعيدا، يحدوني الأمل أن أحظى بمادة تدريبية نوعية، والاستفادة من خبرة فذة لعلم معروف.

لكنني فوجئت بأن مستوى ما يقدم دون ما توقعت بكثير، فلا الدورة تدريب، ولا مقدمها مدرب. كل ما في الأمر أنها محاضرة تُعرض عناصرها من خلال شرائح رديئة التصميم تم إعدادها على برنامج (الباوربوينت). وقد كانت تبدو لي كأنها مجترة من كتاب علمي في موضوع الدورة، فقد صيغت بطريقة تدريسية لا تدريبية!

لا أشك أبدا في قيمة المادة العلمية التي قدمها المحاضر، ولا في قدرته كمستشار، فله من البرامج في القنوات الفضائية ما يستحق الثناء ويجدر بالمتابعة. لكني أشك في أنه يدرك جيدا الفرق بين (المحاضرة) و(الدورة التدريبية)، وأشك كثيرا في أنه يدرك الفرق بين كونه محاضرا أو مقدما لبرنامج تلفزيوني أو مدرسا في الجامعة، وبين كونه مدربا لمجموعة متباينة من الناس في العمر والثقافة؛ وإلا لما قَبِلَ أن توصف الفعالية التي يقدمها بأنها (دورة تدريبية).

وهنا، يمكن أن ألخص لكم مجموعة من الملاحظات، سجلها الكاتب محمد الدويش حول هذا الخلل في الدورات التدريبية التي تعنى بتنمية الذات، ونشرها في العدد (143) من مجلة المعرفة:
-عدم وعي كثير من القائمين عليها بفلسفة التدريب.
-غياب المنهجية في التصميم التدريبي.
-غياب العناية بالتخصصص.
- السطحية في كثير من المواد المقدمة، والافتقار إلى المستند العلمي.
- ضعف إعداد كثير من المدربين.
- تبسيط بعض الأمور المعقدة واختزالها في أفكار محدودة.

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

مذكرات العمرة 1436 هـ

(1)
في الحملات البرية تعب شديد، لا سيما إذا كان عدد المشتركين أقل من أن يحظى بحافلة كبيرة مريحة، وكان حظك أن تذهب في حافلة صغيرة أو متوسطة. هل ستحل شبكة القطارات المزمع تنفيذها بين دول الخليج هذه المشكلة؟ هل ستكون أكثر راحة للذين لا يقدرون على السفر جوا أو بسيارة خاصة؟


(2)
كنا نصلي الفجر جماعة في مسجد صغير في الرياض. حين كان إمامنا يقرأ السورة، في الركعة الأولى؛ دخل المسجد شخصان، يرتديان ملابس خليجية، ولست متأكدا من أنهما سعوديان رغم مظهرهما الدال على ذلك. تحدثا قليلا إلى شخص، كان يجلس قبالتنا بعد أن أنهى صلاته. تجاوزا صفنا، وأقاما الصلاة من جديد.


(3)
كان عدد المتسولين في سنوات سابقة أكثر. أكاد أقول بأنني لم ألحظ أحدا يتسول. ما الذي حدث لتلك المجموعات العجيبة من المتسولين. قالت زوجتي: أظن بأنهم أوجدوا لهم فرص عمل شريف، فقد رأينا في مصلى النساء في الميقات أفريقية تبيع في كشك صغير، وهي تبدو كبعض من كانوا يتسولون!


(4)
تبدو الكعبة صغيرة الآن قياسا بما شيد -على جانب من الحرم- من عمارات شاهقة ضمن مشروع (وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين). كانت الكعبة أكثر هيبة في السابق. يشتغل الطائفون أحيانا بالنظر إلى تفاصيل العمارات الشاهقة، فينسون ما هو خليق بالمكان من تفكر وعظات وعبر.. ولست أدري أين سيولون وجوههم بعد أن تحيط شواهق العمارات بالكعبة من كل حدب وصوب!


(5)
الأسعار في مكة مرتفعة نوعا ما، عن نظائرها في عمان. المشوار الذي تقطعه بسيارة الأجرة في عمان بـ 200 بيسة، تقطعه هناك بما يعادل أكثر من ريال عماني! وستزيد ضعفا أو قريبا منه في أسعار المواد الغذائية في البقالات.. سألت صاحب بقالة صغيرة: كم تدفع من إيجار لهذا المكان؟.. قال: سبعين ألف ريال سعودي في السنة، ولدي عمال، وفواتير الخدمات..


(6)
سرقة الأحذية، أو أخذها على سبيل الخطأ ما زال مستمرا، لكنه أقل نوعا ما عن مرات سابقة. لاحظت أن أكياسا لحفظ الأحذية هيئت على المداخل لمن شاء أن يحمل نعله معه إلى مكان قريب من جلوسه. فقدان الأحذية يكثر عند الأبواب، لا في الداخل. ثمة أشخاص أظن أنهم ليسوا من المصلين هم الذين يقومون بسرقة الأحذية.


(7)
موضة التصوير عموما، و(السيلفي) خصوصا انتشرت بشكل عجيب. يطوف بعضهم وكاميرا الهاتف المحمول موجهة إلى وجهه. يقف بعضهم أمام المقام معطلا حركة الناس من أجل صورة يلتقطها لنفسه، أو يلتقطها له غيره في هذا المكان المزدحم. بنات منقبات وغيرهن يمشين في المسعى كأنهن في سوق، يتبادلن الضحكات، ويلتقطن لأنفسهن صورا ومقاطع فيديو.


(8)
في المدينة المنورة استعنت بسيارتي أجرة بين السكن والحرم النبوي الشريف. كلا السائقين سعودي. سألت أحدهما -وكان شابا- إن كان متفرغا لهذا العمل، فأجاب بالنفي. قال: أعمل مدرسا في المدارس الابتدائية، وفي وقت الفراغ أعمل على سيارتي هذه.
تبدو سيارته متهالكة، أما الأول -الذي يبدو في أواخر الخمسينيات من عمره- فقد كانت سيارته أحسن حالا. وهذا الأخير ذكر لي في معرض الحديث بيننا أن له ابنا يعمل في أحد فنادق المدينة.


الأحد، 12 يوليو 2015

رسالة غضبى من الزهراء .. !

لأمر ما؛ تكرر الزهراء علي بين الفترة والأخرى هذه العبارة: (أود منك يا أبي أن تأخذني في جولة نكون فيها أنا وأنت فقط، دون المهند وأسامة!!)

- أسألها: "جولة".. في أين؟!

ترد علي، وكأن سؤالي كان في غير محله: جولة هكذا .. وتنصرف عن تفسير الجواب الغامض إلى تأكيد أنني وعدتها بذلك من قبل، ولكنني لم أَفِ بما وعدت، بل -فضلا عن ذلك- طفت بالمهند وأسامة على كعبة المتاجر، وسعيت بهما وحدهما بين صفا الحياة ومروتها مرات ومرات..

-  يا الله.. كم تتذكر هذه الصَّبِيَّة، و لا تنسى!

لطالما رددت الزهراء: متى تفي بوعدك لي، و لا يخيب ظني فيك؟!
فأضرب لها موعدا غير محدد بزمن كأن أقول لها: (حين تكون الأحوال مناسبة)، أو (قريبا بإذن الله)، وأنوي صادقا أن يكون ذلك قريبا في خلال يومين أو أسبوع كحد أقصى، ولكن الظروف لا تسمح إلا بأن أحمل أخويها كأن تكون قد شرعت هي في الصلاة مثلا، أو لسبب أو لآخر..!!

وهنا، تستقبلني برأسِ غضبانَ أَسِفٍ، تهزه يمنة ويسرة حسرةً على ما فرطت فيه، وتقول: ما عليك.. وربما لا تنبس ببنت شفة، ولكنها تمد لي يدها الصغيرة بمثل هذه الرسالة العاصفة..




*
"إنك يا أبي لا تريدني. تريد المهند وأسامة، وأنا الوحيدة (اللي) ما تريدها. وأنا (قايلتلك) توديني أنا بس و ما تودي حد غيري .. أنا ما (قايلتلك) حتى لو كنت أصلّي.. ما تذكر؟!.. هذا الكلام، ما تريدني.. ما تحبني.. وتكرهني؛ هذه حقيقتك بابا. تحب المهند وأسامة، و ما تحبني توديني رحلة واحدة.. وهم رحلتين! لا تكلمني (100) يوم.. (نْزين) بابا .."
*
توديني: توصلني
قايلتلك: قلت لك ..
ما قايلتلك: ألم أقل لك؟!


نزين: اتفقنا؟

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

نختلف ويبقى الود ..

على إثر حلقة (نختلف ويبقى الود) حول التعايش المذهبي في عمان، التي بُثَّت ضمن برنامج خواطر (11) الشهير الذي يقدمه الإعلامي السعودي المعروف أحمد الشقيري؛ تباينت ردود فعل العمانيين حول الحلقة ..

فبينما احتفى بها البعض احتفاء غير عادي؛ سارع البعض إلى إظهار بعض ما ينقض كلام المدح والثناء الذي سيق في الحلقة ..

وقد خطر ببالي – تفاعلا مع هذا الموضوع - أن أنشر التدوينة التالية في فيس بوك وتويتر:

التطرف في الاحتفاء بما يقال عن عمان وشعبها، مدحا وإطراءً في وسائل الإعلام الخارجية؛ يقابله تطرف آخر في نبش العيوب ومحاولة نقض ما قيل..
وكلا الأمرين شأن عجيب!

قد نتفهم مبالغة بعضنا في فرحتهم في هذا الشأن، لأن عمان كانت –إلى وقت قريب- كلمة نادرة جدا في وسائل الإعلام الخارجية..

وذلك بسبب أمور كثيرة، ليس أولها ما يشاع عن عزلة عمان، وليس آخرها أن حضور العمانيين في دوائر التأثير الإقليمية والدولية محدود جدا إن لم يكن معدوما بالمرة.
على أنني أتحفظ على كثير من (مظاهر) هذه الفرحة عند أبناء وطني، وإن كنت أشاركهم شعور الرضا والسعادة –بلا شك-!

لكن أن يقوم البعض بالنبش في العيوب جلدا للذات، أو نقضا لما قيل، أو محاولة لإحداث التوازن بتطرف آخر؛ فهذا أكثر عجبا وغرابة..


إن التوسط في كل شيء حسن، ولنتجافَ عن التطرف!.. جزى الله خيرا من ظن فينا وفي بلدنا الظن الجميل، ونسأل الله -دائما وأبدا- أن يعيننا على إصلاح عيوبنا المستورة، وأن يوفقنا لمعالجة مشكلاتنا بعقل رشيد وقول سديد..

الأربعاء، 27 مايو 2015

للعقلاء فقط!

بوعي أو بدونه؛ يتداول بعض الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للواعظ المعروف مسعود المقبالي، يتحدث فيه عن زعم بعض مخالفي الإباضية أن قلة عددهم في العالم دليل على ضعف محتوى مذهبهم ومجانبته للحق والصواب، ثم يسوق قصة تبين أن العبرة ليست بالكثرة أو القلة وإنما بالقيمة، كالفرق بين كومة كبيرة من سمك مجفف (القاشع) وقطعة ذهب صغيرة!

وللأسف الشديد؛ فإن بعض هؤلاء يعيد الكلام حوله، مرارا وتكررا، دون كلل و لا ملل، كأنما وقع على غنيمة.. يعيده بتحليلات وتفسيرات مبالغ فيها أحيانا، وتقع في المعنى العام الذي يُظن أن الرجل قد وقع فيه أحيانا أخرى.

لقد طالعت الفيديو المذكور، وطالعت بعض الكتابات حوله، وأود أن أعرض عليكم ما تكون لدي عن كل هذا من انطباعات وملاحظات:

·     حديث الرجل من بدايته إلى نهايته موجه إلى أبناء مذهبه، أن يكونوا مستمسكين به أكثر، وألا يلتفتوا إلى أقاويل من هنا وهناك تهز ثقتهم فيه. وهو خطاب شائع –كما يعلم الجميع- عند دعاة كثر من كل المذاهب الإسلامية والفكرية بلا استثناء، في عمان وخارجها، بل هو -في الحقيقة- خطاب شائع –بشكل أو بآخر- حتى على مستوى الأسرة بين الوالدين وأبنائهم. ولا منطقية ألبتة لأن يفهم بشكل متشنج من قبل الآخرين، فالتعريف بالذات لا يعني بالضرورة تعصبا لها، أو التطرف في التعامل مع الغير.

·     أظن أن العقلاء جميعا يتفقون على أن الفكرة لا يحكم بصحتها وخطئها قياسا بعدد من يتبناها أو يرفضها، وإنما بمعايير أخرى موضوعية، يعرفها المنصفون، ويجدها الباحثون في مظانها. وإذن؛ فالقصة التي ساقها الرجل منسجمة مع موضوع الحديث تماما، ولم يقحمها إقحاما، بحيث يسوغ تفسيرها على نحو متشدد كما فعل بعض من كتب حول هذا الموضوع.

·     لم يتحدث الرجل عن مذهب بعينه حين ذكر قصة (القاشع)، ولم ينبز بذلك الوصف أتباع مذهب محدد، وكان يمكن أن تكون القصة سائغة لو لم يختمها بقوله: (نحن الذهب.. نحن الذهب)، فهذه الخاتمة تعبير سيء -فيما أرى- عن مضمون حسن!.. سوء التعبير ناشئ من مفهوم المخالفة، حيث يكون غيرهم هو (القاشع)، وحسن المضمون ناشئ من كونه حثا مكثفا للاعتزاز بالهوية وهو شيء مشروع ومقبول.

·     من الناحية الموضوعية المحضة؛ لا علاقة بين قصة القاشع، وما جاء بعدها من الكلام حول المذاهب الإسلامية التي ظهرت في أرض الحرمين الشريفين. وإذا ساغ لبعض الناس أن يفهموا من هذا الكلام أنه موجه لمذهب بعينه، فذلك شأنهم، وهو شأن عجيب –على أية حال-!.. لقد كانت تلك نقطة أخرى، في سياق الموضوع الرئيس، وهي هشاشة الأقاويل التي يسوقها بعض المخالفين لمذهب ما أو المتحولين عنه إلى مذهب آخر، وهي أن العبرة قد تكون بالمكان الذي يكون فيه المذهب، كما قالوا من قبل إن العبرة قد تكون بعدد أتباعه.

·     تردد في بعض الكتابات مصطلح (التطرف الإباضي) أخذا من التفسيرات التي سيقت لكلام الواعظ المذكور؛ وهذا كلام في غير محله، وأمر يراد به أكثر من الرد على مسعود وغيره. فأصحاب هذا المصطلح (الجديد الطازج) لم يجرؤوا على إطلاق مصطلح (التطرف) على دعاة ومشائخ مشهورين حرموا الصلاة خلف مخالفيهم في أحيان، وأجازوا قتلهم في أحيان أخرى، ولم يترددوا -لحظة- في تشويه تاريخهم، ونبزهم بأسوأ الألقاب، ومنع كتبهم باعتبارها مصدر تضليل وإفساد. وما قاله مسعود في مقطع الفيديو المذكور –على فرض خطأ النقاط التي سقتها أعلاه- نقطة في بحر، وغير كافية –من الناحية الموضوعية المحضة- لإطلاق مصطلح التطرف المسعودي –إن صح التعبير- فضلا عن عنوان فضفاض كهذا: (التطرف الإباضي).

·     أحب لمسعود وغيره من الدعاة في وطننا العزيز-على اختلاف مذاهبهم-، أن ينتقوا ألفاظهم بعناية وأن يتخيروا من العناصر لموضوعاتهم ما يحبب الناس إلى بعضهم البعض، حتى وإن كان الموضوع دحضا لشبهات تَرِدُ على مذهبهم من هنا وهناك. لا بأس أن يعتز الواحد منا بما لديه؛ لكن على أن يكون هذا في إطار من الاحترام والتقدير الصادق لمعتقدات الآخرين، وعدم تسفيه آراء علمائهم أو تشويه صورة أعلامهم؛ لأن بعض الكلام قد يفسر على نحو خاطئ عند المحبين والكارهين على حد سواء، كما أن جمهور المحاضرة ليسوا -بالتأكيد- الحاضرين في المكان فقط، بل قد يكون جمهورها الأكبر هم الذين يطالعونها فيما بعد في وسائل الاتصال الحديثة.

·     في كل الأحوال؛ مسعود المقبالي أو غيره، بشر يخطئ ويصيب. وهو –بصراحة أكبر- يمثل نفسه فقط، ولا يعكس توجها عاما لدى العمانيين الإباضية ولا الدولة، و لا لدى المؤسسة الدينية و لا شريحة المتدينين الإباضية –إن صح هذا التفصيل-. إن أحسن فيجب له الإحسان، وإن أساء فيجب عليه الاعتذار. وإن استدعى بعض الناس مقاطع أخرى (غير المقطع المذكور) لتأكيد ما يذهبون إليه من طائفيته، فعليهم ألا يغضوا الطرف عن مقاطع أخرى كثيرة أيضا، تدل على تسامحه وانفتاحه على المذاهب الأخرى، وكان كلامه فيها منتهى الاحترام والتقدير لمخالفيه، وبيان ما يتفق فيه الإباضية معهم. " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

·     في النهاية، هذا خطاب للعقلاء (فقط) من بني الوطن، وليس معنيا بمن يحب الاصطياد في المياه العكرة، والسلام.