الثلاثاء، 1 يناير 2019

مشارق | 4


(31)
ليس كل ما يُؤذَى به أذىً في نفسه – بالضرورة - ! ..
وقد قال معاوية يوما: "إن لله جنوداً من العسل" !!


(32)
حين يشتد ظلام (الأزمة) بإنسان ما؛
يستوقد المخلصون نارا ليضيئوا ما حوله.
وحين تتلظى شمس (المحنة) فوق رأسه؛
يركض إليه المخلصون بمغتسلٍ بارد وشراب!..
ثمة أرواح عظيمة من حولنا، لا تَشِفُّ عن معادنها الأصيلة، ولا تعلن عن جوهرها الكريم إلا في مثل هذه الأحوال..
••
تلك عَظَمة، وأيُّ عَظَمة!


(33)
ما يبدو لك مملا الآن وغير ضروري؛
قد يبدو لك حاجة ملحة في وقت آخر..
تَمَلُّ الآن (مثلا) من مشاوير كثيرة يشركك فيها إخوتك أو أصدقاؤك..
ولكنك لو تأملت حال إنسان لا يجد ما يشترك فيه مع إخوته سوى الاسم فقط، أو إنسان لم يجد بعد فيمن حوله الصديق الذي يأنس إليه؛ لو أنك تأملت قليلا، فربما وجدت أنك بهذا ثقيل الموازين وأنك في عيشة راضية، وأنك لو خسرت هذا كله (لا قدَّر الله)؛ فقد خَفَّتْ موازينك وصرت إلى هاوية!


(34)
لا تملأ عينك بمن لم تمتلئ بك عينه.
علام تقيم الدنيا لمن يراك صغيرا، وعلام تحتشد كلك لمن يراك قليلا، وعلام تشغل نفسك بمن يراك فارغا؟..
حري بك أن تعيد ترتيب موازين الناس من جديد، وأن تقيم لهم الحدود التي ينبغي لهم الوقوف عندها، وأن تعاملهم بما هم أهل له..
وفي كلام قائل الشعراء حكمة ليس تخفى، فعليك بها:
إنْ خِلٌّ مَلَّ منا، خَلِّنا بالله منه
هو لا يسألُ عنا، ما لَنا نسألُ عنه!


(35)
يبعثُ مكانٌ ما على السعادة؛
حين يجد الإنسان فيه نفسه، حين يجد فيه سعادته، حين تمتلئ به فراغاته النفسية المُعَذَّبة، حين تلتئم الشقوق في بنيان روحه بما هو كائن في بنيان المكان..
وهنالك يتسع المكان بقدر إمكانياته في بعث السرور في قلب صاحبه. ولذا قالت ماري كوندو وهي تشرح الفلسفة العميقة وراء ترتيب المكان المحبوب: "صحيح أن المساحة التي أعيش فيها ليست كبيرة، لكنها مليئة فقط بتلك الأشياء العزيزة على قلبي"..


(36)
تكلم؛
فما يدريك ما تفعل كلماتك،
في قليل أو كثير، وفي بعيد أو قريب،
وما قد تُغَيِّرُ من شأنك أنت وشأن من حولك!
تبدأ العلاقات الوازنة -أحيانا- بالسماع، وقد قال قائل الشعراء: (والأذن تعشق قبل العين أحيانا)!


(37)
سمعت مرةً أحدَ طلابِ كلية الحقوق، يقول مفتخراً بها: إنها (كليةُ العظماء)!..
وقد جَرَتْ بهذا –لاحقا- ألسنةُ كثيرٍ من الطلاب أمامي، بل؛ وسمعتُه من بعض أساتذةِ الكلية.. فمن أين اكتسبت (كليةُ الحقوق) وصفَ (كلية العظماء).. بم عَظُمَ المنتسبون إليها؟!!
- (الأمانة) و(العدل)!
القيمتان اللتان ينبغي لطالبِ القانون، والعاملِ عليه؛ أن يَحْمِلَ نفسَه وغيرَه –في آنٍ واحد- على أدائهما.. لقد وصفَ الله جَلَّ شأنُه أمرَه بهما بقوله: "إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ"، وإن من تمثَّل وَعْظَ الله هذا وأمرَه (قولا، وفعلا) خليقٌ بالعَظَمَةِ؛ لا شك!
قال (هوراس)، وهو شاعر روماني قديم: "إذا كنت تَنْشُد العَظَمَة، فانْشد الحقَّ، تَظْفَرْ بالاثنين معاً"..
-(الأمانة) و(العدل) إذن قيمتان فاعلتان في صَوْنِ (الحق).. و(الحقُّ) رعيَّةُ كل إنسان: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..
وإذن فرعاية كل منا للحق المتعيِّن عليه في حياته وعمله يَنْسِبُه للعَظَمة الخيِّرة، وينسِبه بشكل أو بآخر للمعنى الكامن في كلية الحقوق..
إن الإنسان يصبح عظيماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان؛ كما قال (غاندي)..


(38)
ابتسم
لأن الابتسامة دواء لك ولغيرك،
لأنها حياة لك ولهم..
وأَبْقِ شعلة الأمل موقدة
ما دمتَ على قيد الحياة،
فالجميل من
الأحداث، والأخبار، والأرواح
تحيط بك من كل جانب كما يحيط البحر بالسمكة!
ثمة مفاجآت جميلة،
تسأل كل يوم عن الوجوه الناضرة؛
فلا تُعَطِّلْها بوجه عليه غبرة، ترهقه قترة!


(39)
كما قد يؤلمك بعض ما تتذكره، فإنه قد يوقظك من سبات عميق. الذاكرة سلاح ذو حدين: لك، أو عليك. ترتفع في اللحظات التي لا تعنيها، ولكنها ستنزل -حتما- في اللحظة ذات النسب بها، بسرعة، ودون سابق إنذار (كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ). وهكذا رأى غسان كنفاني مَرَّةً حالة أحدنا: "سقطت عليه الذاكرة كما لو أنه ضُرِب بحجر"!


(40)
(الواجب)
الذي نسيه الإنسان أو تناساه،
أو غفل عنه –في موقف ما- أو تجاهله؛
فإن بعضه أو كله لا ينفك مواظبا على الحضور في حياة صاحبه، كأنما ليذكره بأن عليه دينا مستحقا، لا يلغى بالتقادم!
ستنبئه رسل الأيام بموعده الذي لن يُخْلِفَه بعد، وسيؤديه مختارا أو مرغما.
الواجبات جزء أصيل من حياتنا، ولا تنتهي إلا بنهايتها،
فما أدّاه الإنسان بإحسان؛
فإنه مجزيٌّ عنه بالحسنى، وسيُقال له من أمره يسرا..
وما ظَلَمَ منه شيئا؛
فإنه مردود –من جرائه- إلى إعسار، في قليل أو كثير من شؤونه!