الاثنين، 30 سبتمبر 2019

خواطر السفر



(1)
في كل مرة أذهب فيها للإمارات، ألاحظ في أكثر من مكان أذهب إليه؛ وجود عدد كبير من العمانيين. أشاهدهم في أكثر من مكان، في الشوارع والأسواق والحدائق وأماكن التسلية، وفي الشوارع التي تأخذ عددا كبيرا منا إلى الإمارات من مختلف ولايات السلطنة.

يخبرني موظفا الاستقبال في فندقين نزلتهما -في الشارقة، خلال هذه الإجازة- بأن غالبية مرتاديهما من العمانيين.
ما يزال السؤال القديم جديدا، لم يجد إجابة له بعد لدى المسؤولين وصناع القرار: ماذا ينقص السلطنة لكي تمتلك ما يمتلكه جيراننا الأعزاء من مرافق السياحة؟ ما العمل الجبار الذي ينبغي أن تضطلع به القطاعات الحكومية والخاصة فيما يمكن أن يسمى (صناعة العطلات)، حتى تستفيد البلاد مما ينفقه أبناؤها خارجها؟

لاحظت أنني وأسرتي الصغيرة كررنا الزيارة للأماكن نفسها تقريبا، وقد تساءلت لاحقا ما الذي يدفعنا، وكثير من أبناء بلادنا بالطبع؛ لاحتمال هذه المسافة والزحمة وارتفاع أسعار الفنادق والأسواق وحضور الرأسمالية الطاغي في صغير الأشياء وكبيرها؟!..

أتطلع إلى إجازة أستطيع أن أقضيها في ولايات خارج محيط مسقط، فأجد في وجهتي ما يجعل الإجازة تجربة جديرة بأن تتكرر، لي ولأسرتي.. وجهة يمكن لأي واحد منا أن يقضي فيها أسبوعا كاملا منوع التفاصيل، متعدد الأماكن.

كم سيوفر كل منا من مبالغ؟
كم سيستفيد مواطنونا مما ننفقه؟
كم ستستفيد بلادنا؟
كم، وكم، وكم.. ؟!!


(2)
حجزت الفندق الذي نزلت فيه في الشارقة عن طريق موقع (بوكينج). طلبت غرفتين متصلتين. حين وصلنا؛ فوجئنا بأن الغرفتين منفصلتان، ولكنهما لحسن الحظ قريبتان من بعضهما جدا.

كان من العسير في تلك اللحظة تغيير الحجز إلى مكان آخر، لأسباب كثيرة، من بينها أنني فوجئت بأن حجزي ملغي!

قال لي موظف الاستقبال: إن هذا الحجز تم إلغاؤه من قبل (بوكينج). ثم أضاف وهو يهز رأسه، غير ملتفت لاستغرابي مما يقول: ولكن لا بأس، سنتمه هنا.
شكرته، وهو يقوم بإجراءات الحجز، ثم سلمني الأوراق التي يتعين علي توقيعها.

سألته: أيهما أقل سعرا؛ أن أحجز عند وصولي هنا، أم من (بوكينج)؟ أجاب: بأن (بوكينج) يقدم الأسعار الأقل. ولكنني لاحظت أن السعر الذي أعطاني إياه أقل من سعر (بوكينج) بحوالي 6 ريالات.

لاحقا، وجدت رسالة من موقع الحجز تفيد بأن سبب إلغاء الحجز، هو أن بطاقة بنك نزوى التي أدرجتها لم تستجب لطلب سحب المبلغ، رغم أنني حصلت على رسالة تأكيد من الموقع بأن الدفع سيكون في مكان الإقامة نفسه.

وقد خمنت بأن سبب الإلغاء إذن أنني تأخرت على موعد الوصول المتوقع حوالي 3 ساعات، ولأن الموعد المجاني لإلغاء الحجز قد فات، فقد كان لا بد أن يقوم الموقع بسحب المبلغ من البطاقة التي تم بها تأكيد الحجز.

هذه التجربة هي الثانية لي، التي أجد فيها أن الحجز المباشر أرخص نوعا ما عن الحجز الإلكتروني، ولكن تبقى ميزة الحجز المسبق أضمن لتوفر المكان قبل الوصول.


(3)
في الشارقة..
حين تلحظ حضور العمالة العربية الكثيف في المطاعم (مثلا) وتجد من الخيارات الكثير في هذا الجانب،
تقول: يا ليت لنا مثل ما أوتوا!
عوض الانتشار الكبير عندنا لمطاعم هندية لا تفي بأبسط اشتراطات الصحة والنظافة العامة..


(4)
تعودت منذ فترة غير قصيرة، في (المشاوير) الطويلة والمهمة، التي لا تستغرق أكثر من يوم؛ ألا ألبس (الدشداشة) التي أريد الوصول بها إلى وجهتي، إلا قريبا من المكان؛ حَذَراً مما قد يعتري الثوب أثناء ركوب السيارة من أوساخ محتملة في المقاعد، أو أيدي الأولاد الملطخة ببقايا ما أكلوا أو شربوا، أو تضاريسَ عجيبة تصيب الثوب المكوي أثناء الجلوس في مقعد السيارة، أو مشروبات ومأكولات قد ينال الثوب شيء منها (والسيارة مطعمُ كثيرٍ من المسافرين، كما هو معلوم)..

وإذن؛ فقد تقرر لديَّ -منذ ذلك الحين- أن أخرج -في كل مرة- من البيت بثوبين: ثوب مستخدم ألبسه، وثوب نظيف مكوي: معلقا بمشجب أو مصففا في كيس. وقد نفعني هذا كثيرا -بحمد الله- في مواقف عديدة، ومنها موقف حدث لي صباح أحد الأيام..

كنت في طريق الداخلية، وقد قطعت ثلث المسافة تقريبا، ولم أزل أرتشف الشاي الذي تناولته من البيت ببطء، متلذذا بطعمه وما بقي فيه من سخونة، متنعما برؤية الناس وهم يسيرون في كل اتجاه.. وإذا بكوب الشاي يتغير اتجاهه -فجأة- عن فمي، فيندلق ما فيه على صدر (الدشداشة) كله، ويتسرب إلى القميص والإزار..

ارتجَّت السيارة فجأة، ودون سابق إنذار، كأنما تعثرت بحفرة أو حجر على الطريق، أو عبرت جسد قط مسكين.. ولست أدري -إلى اللحظة- السبب في ذلك؛ أهو ميكانيكي من داخلها، أم شيء أتى عليها من الخارج..

وحين أفقتُ من الصدمة؛ تبيَّن لي منظري العجيب، الذي لا أحسد عليه.. كان مثيرا للضحك أو مثيرا للشفقة. بلِيَّتان لا يرجوهما عاقل لنفسه!!

أما الدشداشة؛ فالبديل لها موجود، وأما الملابس الداخلية فلم أدخر بديلا لها في السيارة -للأسف، رغم ما وَقَرَ في نفسي منذ فترة أنني أحتاج إليه-..

وقد تخيَّلتُ وأنا أواصل طريقي -بعد أن أوقفت السيارة، ودُرْتُ حولها فلم أجد شيئا ملحوظا-؛ تخيَّلتُ الآثارَ التي ستطبعُها بقع الشاي في القميص والإزار على الدشداشة النظيفة، فهي لم تزل رطبة ولا أظن أن ما بقي من مسافة يكفي لتجف، بسبب الطقس البارد. وحتى إن جَفَّتْ، فسأذهب للوضوء -حتما- وستأتي بعض قطرات الماء عليها، وحينها سيظهر أثر منها على الدشداشة البيضاء..
- يا إلهي، أي ورطة هذه؟!

أخيرا؛ قررت أن أنعطف إلى مسجد في الطريق. كان المكان خاليا، إلا من عُمَّال لإحدى الشركات، تظاهرت بأني لم أرهم، ودخلت المسجد شامخ الهامة بثوبي الملطخ بالشاي، وأنا أسأل الله الستر والعافية..

من حُسْن حظي أن لم يكن الوقتُ وقتَ صلاة، وإلا فسأقع في حرج كبير.. حين تأكدت أن لا أحد في المكان؛ خلعت الثوب، وقمت بِدَعْكِ القميص والإزار بالماء..

وعلى مدى أكثر من ستين كيلو مترا بعد هذا المسجد الحبيب، وفي هذا الطريق الذي سلكته مرارا وتكرارا كامل الهيئة؛ وجدتُني أقود سيارتي، لأول مرة، بـ (فانيلة، ووزار)!!

نعم؛ كان لا بد من أن أتخلص من الدشداشة المتسخة، ولم يكن في الإمكان لبس الدشداشة النظيفة قبل جفاف الإزار والقميص الرطبين، وكان عليَّ أن أُعَرِّضَهما للشمس الخجولة وأن أنفضهما بين الحين والآخر ..

كنت هكذا طوال الطريق، أنفض تارة، وأرفع الثوبين للشمس تارة أخرى، وأنصرف بوجهي عمن يمكن أن يتعرف عليَّ من سائقي السيارات التي أمر جوارها تارة ثالثة، وأرقب المسافة المتبقية تارة رابعة؛ حتى وصلت قريبا من الوجهة التي أقصدها..

- أبو (وزار) و(فانيلة)!
ربما قال أحدهم هكذا، وهو يشاهد، هذا الرجل الذي يبدو سَوِيّاً عاقلا، في مظهر كهذا، في شارع كهذا، في وقت كهذا..
- ههههه!
لكن دعكم منه، واتخذوا احتياطا لكل ملابسكم، يرحمني ويرحمكم الله!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق