الأحد، 6 يناير 2013

نحن نتصافح !!


عوَّدت نفسي بعد كل دخول إلى بيتنا، أن أصافح كل من فيه من أهلي، وأن أُقَبِّلَ يدَيْ والديَّ. نشأت هذه العادة عندي بعد أن وجهني أستاذي إلى أن أجعل لعلاقتي بأبي وأمي طابعا مميزا. كنت قد لاحظت قبل هذا، في المرات التي كنت أقضي فيها يوما كاملا عند جدي وجدتي؛ أن أخوالي وخالاتي يلقون عليهما في الصباح والمساء تحيةً ذاتَ طابع مميز. تتعالى أصواتهم، كل من مكانه، عند دخول الجدين أو مرورهما عليهم: "صْباح الخير أبوي.. صْباح الخير ماه"، وهكذا الشأن في المساء.. وكنت أسعد بأن أكون جزءا من هذا المشهد الجميل الذي لم أكن معتادا عليه مع أبي وأمي!

عندما طبقت الأمر في بيتنا، أردت أن أضيف إلى هذه التحية الجميلة، عنصرا آخر يجعل من التحية موقفا مميزا، ويصبغ علاقتي بوالدي بصبغة فارقة. قررت أن ألقي عليهما التحية ذاتها مقرونة بمصافحة يديهما وتقبيل ظاهرها. كان الأمر محرجا لي أول مرة، وكنت كأني مقبل على معركة فاصلة. تعجبت أمي وابتسمت، وقال أبي ساخرا: "عجيب.. ماذا يحدث اليوم؟!". لكنني واصلت الكفاح، وقلت في نفسي إنه لا مجال للتراجع بعد الآن!..

كنت أفعل هذا وحدي في البداية دون سائر إخوتي، وقالت لي أمي مرة عندما غبت عن البيت في دراسة صيفية لمدة شهرين: "لقد افتقدنا تحيتك في الصباح والمساء". لكن إخوتي تداركوا ما فاتهم بعد ذلك، فأضافوا إليها إضافة حسنة بأن جعلوها بعد كل صلاة، وصرنا نذهب لتحيتهما خمس مرات في اليوم والليلة، زرافات ووحدانا، وما زلنا كذلك، والحمد لله.

 أحاول أن يعتاد ولديَّ الصغيران على ذلك أيضا، فأتعمد أن أؤدي التحية المذكورة أحيانا عندما يكون أحدهما في حضني فيرى مني تجاه والديَّ ما أحب أن أرى منه هو مستقبلا تجاهي. والآن.. كلما دخلت إلى البيت، خَفَّتْ ابنتي لمصافحتي حين تسمع مني: "السلام عليكم"، ثم تُقَبِّلُ يدي، وأقول لها: "خْشوم" فتُدْني أنفها من أنفي، كما هي تحيتنا في القرية في المناسبات الرسمية وما يشبهها..

ولأن هذا السلوك أصبح شيئا عادياً جداً في حياتنا اليومية، فقد عجبتُ أشد العجب حين قال لي أحد الأصدقاء إنه لا يجرؤ على أن يحيي والده بأكثر من المصافحة، وقال آخر إن أياما تمر دون أن يفكر في أن تَلْمَسَ يدُه يدَ والدِه، وأخبرني ثالث إنه لا يتصور نفسه يقول لأبيه: "صباح الخير".. هنا تصير الحياة بين الأهل كالورقة اليابسة، سهلة الانكسار والتبعثر، خفيفة على الريح الخفيفة توجهها إلى مجاهل غير مأمونة؛ لذا حافظوا على المصافحة والتحية في البيوت..

يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا تَصَافَحَ الْمُسْلِمَانِ لَمْ تُفَرَّقْ أَكُفُّهُمَا, حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا".. أسأل الله أن يغفر لنا ولكم، ولوالديّ وأهل بيتي جميعا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق