الاثنين، 28 يناير 2013

من لم يكن معنا ، فهو ضدنا.. !!


لا يمكن اختصار الإصلاح في شكل أو طريق واحد. تختلف أفهام المصلحين ورؤاهم بتغير الزمان والمكان والمجتمعات التي ينتمون إليها، ولكل مقام مقال - كما يقولون-. والمصلحون العظماء النافذون هم الذين ينفتحون على خيارات واسعة وبدائل كثيرة، إن زكّاها فريقٌ أو خَفِيَ على فريقٍ وجاهتُها، فهذا لا يعني (موضوعيا) أنها الأبلغُ أَثَراً أو – في المقابل - ليست بذاتِ قيمة. العبرةُ بالنوايا الطيبةِ التي تسوقُها، ثم بآثارِها التي يلحظها المراقبُ المنصفُ أو المحايدُ.

هذا كلامٌ عام، والكلام الخاص أن بعض الناس في بلدنا؛ مسوقون بكلامِ سيئِ الذكر (بوش) حين تكلم في أثناء الترويج لمشروعه -الذي يسميه كذبا أو غباءً- (مكافحة الإرهاب): "من لم يكن معنا فهو ضدنا" !!.. أقول: إن بعض الناس، بحُسن نيةٍ أو بغيرها، وحتى إن لم يَتَبَنَّوْا ذلك بلسانهم، فإنهم بإصرارهم على أن يكون للإصلاحِ طريقةٌ واحدة، تجري بوسائلهم هم التي يرتضونها، إنما هم داخلون فيما تؤديه هذه الجملةُ من معان.

طريقة أصحابنا هؤلاء في الإصلاح –وهذا ، بالمناسبة ، حق مشروع لهم– كتاباتٌ جادة في المنتديات ولافتات محترمة في الشوارع وتجمعات خطابية في الميادين، وقد آتت بحمد الله أُكُلَها، واستبشر الناس بها خيرا. دَعْكَ من المخربين والمحرضين والسوقة، فليس أؤلئك من نعنيهم بهذا الكلام، فلا حق و لا شرعية فيما قاموا به. لكن الشيء غير المشروع عند من نعنيهم من المصلحين – أيا كانوا - أن يُلْزِموا الناس بطريقتهم المثلى – كما يرونها- ، و من لم يكن معهم في هذا السبيل فهو إما (جبانٌ رعديد) أو (صغيرٌ جاهل) أو (مُطَبِّلٌ متزلّف) ، وفي أحسن الأحوال (ضعيفٌ مُقَصِّر).. !!

ولأن هؤلاء شغوفون بالظاهر العاجل كما هي طبيعة الشباب المدفوع بالحماسة والعاطفة أكثر من الحكمة والتعقل، فإن (بعضهم) – للأسف الشديد- لا يُحْسِنُ الظنَّ في غيره ممن يرى غير رأيه، فيتطاولون على رموزٍ لهم في إصلاح المجتمع وتوجيه الناس والإرشاد إلى الخير قدمٌ راسخة، قضوا شطرا كبيرا من أعمارهم في هذا السبيل لا يبتغون من مخلوقٍ جزاءً و لا شكورا..

وإذا قيل لهذا (البعض) إن هؤلاء أصلحوا وما زالوا يصلحون، وقد أثمر حراكُهم -الذي كانت له وسائلُه الخاصة، التي ارتضوها عن قناعة واستشارة واستخارة- خيرا عظيما ننعم جميعا بظلاله وآثاره، وفي شهادات المنصفين والمحايدين من الداخل والخارج دلالة لمن كان له سَمْعٌ وبصر وفؤاد عاقل؛ قال لك بما يُشبه جواب الأحمق -الذي يُسْأَلُ عن الوقت فيجيب: كيف صُنِعَتْ الساعة؟!- : هل لهؤلاء رؤية وهدف وخطة عمل؟!!

لا يا إخوتنا الكرام.. كما أنه لا  سبيل إلى إنكار أن حراككم السلمي المشروع، والمطالب العادلة التي رفعتها الميادين؛ عادت بخير على الجميع، وأنه من حقكم على الدولة والشعب أن يُساق لكم الشكر العظيم، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.. فإنه – في الوقت ذاته - لا سبيل إلى نكران جهود فريق آخر كان يعمل في صمت، حركه إلى ذلك ظُلْمٌ يقع على المبدأ حين يحرك فريقا منكم الظلم الواقع على الأشخاص، وساقه إلى جهدٍ كريمٍ غيرةٌ على الدين والمجتمع والحرمات حين ساق غيره إلى جهده الكريم (أيضا) غيرةٌ على الحقوق والوطن والحريات.. ألم يحسنوا بعد هذا كله، ألم يقدموا للوطن والمواطن – وأنتم بعض من هذا – ما يرفع الشأن، ويحقق التطلعات الطاهرة، فلماذا الشكر لكم أنتم، ولهؤلاء الجحود والنكران.. "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ" ؟..

ليس السكوتُ علامةً على الرضا دائما، كم من عاصفةٍ كانت مسبوقة بهدوﺀ. وليس كل ضجيجٍ علامةً على السعي الجاد، فكم من جعجعةٍ لا طِحْنَ من ورائها.. حسبُ كلِّ فريقٍ ما فعل، ولكل فريق أن يتخذ ما يشاء من الوسائل المشروعة دون إكراه من أحد. والأجر – أولا وأخيراً - على الله الذي لا تضيع عنده الودائع الطيبة و لا الأعمال الصالحة، والبركة - دائما - في الجهود المخلصة التي لا تسعى من وراء جهدها الوطني المخلص إلى الشهرة والبطولة والألقاب الفارغة.

وهمسة أخيرة، لكل عاقل أريب.. فإن من يضع نفسه في موقف المسؤولية الوطنية ينبغي له أن يتحلى بشيء من الإنصاف ليكون عدلا حين الفوز، والشجاعة حين تقسيم الغنائم ليعترف بجميل من سبقوه وآزروه، فيقول لهم: شكرا لأننا بنينا على جهودكم أولا ثم حققنا الفوز بمعيتكم.
إنه لولا فضل الله تعالى – أولا وأخيراً - ، ثم حكمة جلالة السلطان وجهود المؤسسة الدينية في عمان وعلى رأسها سماحة الشيخ المفتي وجهود القيادات المخلصة والحكيمة في مؤسسات المجتمع المدني عموما، لربما طالت ببعض الناس الوقفة وأعيتهم كتابة اللافتات وسالت الدماء غزيرة لا تُغْسَلُ بالماء.. فهي إذن جهودٌ مهمة أضافت إلى الحراك السلمي المشروع في الميادين وغيرها، بما أنتج هذا التغيير الذي ينبغي أن يقابل بشكر كل من أسهم فيه، فتلك سمةُ الذين لا يسعون في الأرض فسادا.. والله المستعان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق