الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

خواطر ثقافية | (5)

(13)
ثمة فرق بين (احترام قناعة ما) لدى شخص معين، و(الحكم بعدم وجاهة الأدلة) التي أسست عليها تلك القناعة. ثمة فرق كبير يتفهمه العارفون المخلصون، وبه يؤسسون احترام الخلافات بينهم. أما الجهلة -وإن بدا لك، لبعض الوقت، أنهم على قدر رفيع من الذوق والمعرفة- فإنهم ينظرون إلى تخطئة ما استندوا عليه من أدلة على أنه هضم لحقهم في التعبير، أو قيد لحريتهم في الاختيار.


(14)
ربما يسوغ وصف بعض المنشورات التي يتفضل بها –بين حين وآخر- بعض المثقفين، في معارض الكتاب وغيرها من المحافل الثقافية؛ بأنها استعراضية فقط، أو مجرد منافسة في لعبة كبيرة، أو شيء يشبه المعارك بينهم وبين غيرهم، أو شيء من أشباه هذا في كثير أو قليل. أما أن تكون في سياق (نشر الوعي)؛ فلا.. وهي في أغلب أحوالها إن لم تكن كلها تكشف عن عيوب وتشوهات في البنية الثقافية أو شيء من العقد النفسية والاجتماعية التي لم يتغلب عليها الوعي الثقافي المفترض.


(15)
وراء كل (مثقف حقيقي) عقل واع منفتح على الجميع قبل أن تكون الكتب وحدها وفعاليات الثقافة، ووراء كل (متدين حقيقي) قلب طهور مترع بالمحبة قبل أن تكون النصوص وحدها والفعاليات الدينية. المقابلة بين (المثقف) و (المتدين) هنا لا تعني أن الدين والثقافة على طرفي نقيض، ولا تعني من -باب أولى- أن الإنسان لا يمكنه الجمع بين الصفتين في الوقت ذاته؛ ولكن (ادعاء الثقافة) و(الجهل بالدين) قد يجعل هذين العنصرين الجميلين في الحياة أبعد ما يكونان عن بعضهما.


(16)
يُحسن أكثر إلى الفكرة الطاهرة النبيلة من يؤمن بها إيمانا عاقلا متزنا، فيما يسيئ إليها ويُبغّضها إلى الآخرين من يتعصب لها بجنون!


(17)
تسجن الإنسانَ الفكرة، تقيده، تعذبه كما لا يفعل السجن والسجان. بعض الأفكار مجرمة، وبعضها جرائم!


(18)
ليس للحقيقة وجه واحد. إن لها وجهين أو ثلاثة، وربما أكثر أو أقل. يبقى أن لكلٍّ حقيقته التي يتعيَّن ألا يُنظر إليها على أنها محض أوهام. الحقيقة تقوم على تفاصيل تختلف بين طرف وآخر، وأحيانا تتغير لدى الطرف نفسه؛ وهذا الاختلاف في التفاصيل هو الذي يجعل الشيء مختلفا في كل مرة ينظر إليها.


(19)
يتزلف بعضهم إلى ما يسمونه الانفتاح على الآخر، أو الإنسانية، أو الموضوعية العلمية، أو العدالة والإنصاف؛ يتزلفون إلى كل هذه المسميات الفاضلة بدعاوى باطلة، ملخصها جلد الذات وهي أخلق بالتقدير، والتضحية بالأقربين وهم أولى بالمعروف، والتنكر للأمة والوطن وهما أولى بخفض الجناح ورَدِّ الجميل!


(20)
تزعجني فكرتك.. تقلقني.. تؤلمني. أكره بعض ما تقول، وأتقبل بعضه على مضض؛ لكني –في المجمل- سعيدٌ بك لأنك تفكر، ولأنك -في تفكيرك هذا- تصدر عن عقل حر يتقبل كل عقل حر مثله!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق