الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

يوميات عابرة (1-10)

(1)

حضرت ذات مرة اجتماعا يرأسه مسؤول كبير في وحدة حكومية. كان المسؤول مهتما بإيجاد آلية واضحة وسريعة لعلاج وضع قديم مترهل. بعد أن اتفق المجتمعون على آلية واضحة؛ سأله أحدُ الحاضرين: متى يبدأ التنفيذ؟
أجاب المسؤول: منذ أمس!
اختار أن يقول كذلك، ليبين أن التنفيذ يجب أن يكون عاجلا كأن القرار كان منذ أمس، وليس وليد هذه اللحظة..


(2)
قال: ما يثار في وسائل التواصل الاجتماعي عن أزمة (العاطلين) أو (الباحثين عن عمل)؛ مجرد (كلامْ فاضي) لا قيمة له!
وأضاف: ما كان البحث عن عمل ليكون مشكلة؛ لو أن هؤلاء يمتلكون قدرات ومهارات حقيقية!.. الحقيقة المرة هي أنهم لم يُمَكَّنوا –لا في البيت، ولا في المدرسة والجامعة- من بناء قدراتهم بطريقة صحيحة؛ وإلا لاخترعوا لأنفسهم أعمالا يتكسَّبون منها.
كان يقول هذا، وهو يتحدث عن علاقته بأطفاله، وكيف أنه يركز في علاقته بهم على أن يبني لديهم القدرات اللازمة في التعامل مع مواقف مختلفة، ومهارات حل المشكلات باتخاذ بدائل متنوعة.


(3)
قال لي: لديَّ هوايةٌ غريبة!..
أحب مشاهدة الفيديوهات التي تخص الحلاقة وصناعة الخبز!
-    الحلاقة؟!.. هل أنت متأكد مما تقول؟
-    نعم، تعال أريك.
وشَدَّني إليه يُريني مقطع فيديو لحلاق، يعرض مهاراته في حلاقة أحد زبائنه، بحيث جعله مختلفا تماما عن هيئته التي قَدِم بها إليه.
قال لي: (الحلاق) و(الخبَّاز) يقومان بعمل عظيم مُلْهم. إنهما يعمدان إلى مبعثرٍ فيرتبانه، وقبيحٍ فيُجَمِّلانِه، وشيءٍ تتجاوزه الأعين فيجعلانه مَحَطَّ الأنظار.. أليس هذا عملا رائعا!


(4)
أضحكني، أضحك الله سِنَّه!
قال: جميع الناس يقولون: (الحاجة أُمُّ الاختراع)، إلا العمانيين، فإنهم يقولون: (الحاجة سويدة وجه)!!.. يشير إلى المثل الدراج عندنا عن (الحاجة)، وكونها تُذِلُّ صاحبَها، لاسيما إذا أفضت به إلى اللئام.
كان الرجل يتحدث عن التحديات المادية التي تواجه الشباب في بلدنا اليوم، وكان يعني أن هذا الوضع المتأزم ينبغي أن يكون فرصة لابتكار خيارات أخرى!
وقد ذكرني هذا بما دوَّنتُه منذ سنوات: "ليست الحاجة -دائما- (سويدة وجه) كما كان يقول شيابنا الحكماء؛ بل قد تكون -بيَّض الله وجهها- سببا في اجتماع الشمل بين الأحباب والأصحاب!".


(5)
-    من خلق الله؟
مما أعجبني، في (يوتيوب) هذا اليوم؛ جواب الداعية المعروف د.ذاكر نايك، لرجل سأله هذا السؤال، بقوله: لو سألتك إن وَلَدَ صديقك (جون) طفلا؛ فهل يمكنك أن تخمن: أذكرٌ هو أم أنثى؟..

كان الداعية الهندي الحكيم يريد توجيه السائل إلى أن سؤاله هذا لا يصح منطقيا، كما لا يصح أن يلد الرجل. وأضاف: إنني أختلف مع منطق كثير من الدعاة حين يقولون، في معرض إثبات خالقية الله: (لكل شيء خالق)، لأن هذه الجملة ستفضي بالمشككين والملاحدة إلى السؤال عمن خلق الله، كما يسأل هذا الرجل!..

أما أنا فأقول:(لكل مخلوق خالق)، وإذن فمن غير المنطقي أن يُسأل أصلا عمن خلق الخالق!


(6)
من طرائف ما سمعته من أحد الأصدقاء، وهو يتحدث عن ذكريات طفولته؛ أنه تعهد ذات مرة لأخ أصغر منه ببضعة أعوام، وهما يلعبان كرة القدم، أن يهزمه بـ (٢٠) هدفا مقابل صفر.
ومضى الكبير منهما يحرز الهدف تلو الآخر في مرمى الصغير، حتى إذا بلغت النتيجة (١٩) هدفا؛ استطاع الأخ الأصغر أن يحرز هدفا، فكان هذا حائلا دون تحقيق الأكبر ما تعهَّد به.
وعوض أن يرضخ الكبير للأمر الواقع؛ أرغم أخاه على إعادة اللعبة من جديد، أملا في أن يتمكن من الوفاء بتَعَهُّده، وهو ما كان!
ورغم ما في الحادثة من مكر وعناد طفوليين، تعرَّضْنا له كلُّنا إنتاجا واستهلاكا؛ فإن فيها عِبَراً عدة لا تخفى لمن شاء أن يتفكر. وبحسبي منها أنني لازمت هذا الصديق فترة من الزمن فوجدت فيه مثالا فذا للقائد الذي يُحسن إدارة ما يوكل إليه، متزنا بين ما ينبغي من مغامرة وما ينبغي من حذر، حكيما فيما يتعين من موافقة أو اختلاف، جامعا بين روح الدعابة والعقل الحازم..


(7)
قلت له: بم تفضل أن أناديك؛ أبو فلانة (بنته الكبرى وأكبر أولاده) أم أبو فلان (ابنه الأكبر). فأجاب مبتسما: كثير من الأصدقاء ينادونني (أبا فلان)، ففهمت أنه يحب أن أناديه هكذا..
لم يشأ أن يقولها صراحة، حتى لا يسيئ لمقام ابنته في نفسه!


(8)
حكى لي بعض ملازمي الشيخ حمود الصوافي -حفظه الله- أن شابا أقبل على الشيخ ليمكث عنده فترة من الزمن. وقد مرت الأيام، والشاب يرافق الشيخ في كثير من شؤونه، ويحظى بعلم وأدب يتلقاه من الشيخ في تعامله مع الناس وقضاء حوائجهم.

ثم إنه لما أحس أنه استوفى ما أراد من البقاء إلى جانب الشيخ؛ استأذن للمغادرة. وكان من عادة الشيخ أن يستبقي من يحبهم؛ رعايةً وتعليماً وتأديباً لهم، فمن ثَمَّ لا يأذن لهم مباشرة.
وهكذا كان مع هذا الشاب؛ فكلما جاء مستئذنا لم يأذن له، حتى مضت عليه أشهرٌ خمسةٌ كاملة، أو نحوها.

فلما كانت إحدى حلقات التلاوة بعد صلاة الفجر، وكان الدور على هذا الشاب، وكان يتلو فيما يتلوه قول الله تعالى من سورة المؤمنون: "ربنا غلبت علينا شقوتنا"؛ إذا بكلمة (شِقْوَتُنا) تصبح على لسانه (شَوْقَتُنا)!

(ربنا غلبت علينا شَوْقَتُنا)..
هكذا قرأها؛ فما كان من الشيخ الحكيم إلا أن ابتسم، وقال له ضاحكا قولة الأب الرحيم: (مرخوص.. مرخوص.. مرخوص)!.. أي وجبت لك الرخصة في الذهاب.

لقد أنقذه خطأُه، وهكذا قد يُرْزق الإنسان من حيث لا يحتسب، وقد يشفع له في مطالبه ما كان خليقا أن يجعله في ورطة!


(9)
زرت ذات مرة أحد أهلنا من كبار السن. كان يتحدث عن بعض ما مر به من أحوال صعبة، وقد ذكر أنه كلما حزبه أمر، توجه إلى الله بكُلِّيَّتِه، فدعاه بإخلاص، وناجاه بيقين. وقد أعجبني تعبيره في وصف حاله في الدعاء، حيث قال: "كني أهارجْ حَدْ جالس سْياري"!
والمقصود (كأني أكلم أحدا يجلس بجانبي)!
لقد أعجبتني بساطة التشبيه وأدهشني عمق المعنى.. كم واحدا منا يستحضر وهو يدعو أنه يتحدث إلى خير مستمع، وخير مبصر، وخير مقتدر؟!!


(10)
من جميل ما سمعته في تأويل الألف التي تسبق اسم (محمد) لدى بعض من يتسمى من المغاربة بـ (إِمْحَمَّدْ)؛ أنه للتفريق بين الاسمين، من باب التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والتأكيد على أن التسمي باسمه الشريف لا يعني مضاهاة قدره، بل الرغبة في استنزال بركة الاسم والمسمى. وقريب من هذا ما نجده عند كثير من مسلمي بنغلاديش –إن لم يكن كلهم- من أن اسم (محمد) يسبق اسم كل واحد منهم؛ فكل (حنيف) منهم هو (محمد حنيف)، وكل (عبدالقيوم) هو (محمد عبدالقيوم)، وهكذا..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق