الأربعاء، 3 فبراير 2016

الشوكة والشياكة ..


في زمان بعيد، حين كنت فتى يافعا؛ وصف أحد الجيران قريبا لي بقوله: "فلان دائما (متشيّك)". كانت تلك هي المرةَ الأولى التي أسمع فيها هذه الكلمة، ومن الطبيعي أنني كنت أجهل معناها، لاسيما إذا كانت غريبة في السياق. كان الحديث عن الرجل القريب، فوصفه الجار –فجأة- بهذا الوصف. ولأن الجاهل عدو ما يجهل؛ فقد حسبت أن في الكلمة هجوما على قريبي المذكور، فأعلنت أنا الآخر هجوما على قريبٍ له مساوٍ لقريبي في العمر، وقلت له -بلهجة العارف تماما بمعنى الكلمة-: "ليس هو فحسب؛ فحتى فلان (قريبه) يتشيك دائما"!!


كانت تلك أول معرفتي بالكلمة، ثم أخذت أسمعها ممن يكبروننا سِنّا، وعرفت معناها من السياقات المستخدمة، حتى أصبحَتْ كغيرها من الكلمات المستعملة في لهجتنا اليومية.


لم يخطر ببالي أن أبحث عن أصلها، ولم يلفت نظري شيء ما يدفعني في هذا الاتجاه. وكان غاية ما أعرفه عنها –حتى أيام قلائل- أنها مستعملة في غير لهجة من اللهجات العربية، وأنها -ربما تكون- من ضمن ما ورد إلى لهجتنا من ألفاظ لم تكن مستخدمة في الدارجة القديمة. فكلمة (الشياكة) مسموعة أو معروفة –على الأقل- عند أهل الخليج، ومصر، والشام، وربما في اللهجات المغربية وغيرها أيضا.
  

أقول، كان ذلك حتى أيام قلائل؛ حين طالعت كتاب السيرة الذاتية للفريق أول سعيد بن راشد الكلباني –المفتش العام السابق للشرطة والجمارك-، الصادر عن دار الغشام للترجمة والنشر بمسقط، تحت عنوان (جندي من مسكن: شهد الذاكرة). فقد ذكر في سياق حديثه عن أحوال القرية، وزينة الرجال في الأعياد والمناسبات، ما جاء به تحت هذا العنوان: (الرجل المتشوك). وشرح لاحقا بأن كلمة (متشوك) تعني (المتهندم)، مُقَرِّباً إياها إلى كلمتنا التي نتحدث عنها (متشيك).



يقول: "الرجل المتشوك هو الذي يرتدي ملابس كاملة من دشداشة ومصر ويحمل بندقية ومحزم وسكين ومنقاش/ ملقاط ومكحلة، فيكون بهي الطلعة مهيب المنظر، وعادة يتشوك الرجل (وكأنها تأتي بمعنى محلي آخر هو "يتشيك" أو يتهندم) عندما يكون عريسا أو ذاهبا في زيارة إلى منطقة أخرى أو في الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى...".



وإذن، فللكلمة قرابة بهذه اللفظة المستخدمة من قديم في بعض لهجات عمان، والتي قد تكون خاصة بأهل بلدة (مسكن) من أعمال ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والمناطق القريبة منها. وإذن فهي -كما يبدو جليا- مأخوذة من (الشوكة)، التي تعني (شدة البأس والحدّ في السلاح). فكأن المعنى أن الرجل (يتشوك) في الأفراح والمناسبات الاجتماعية لِيُهابَ ويُحتفلَ بحضوره، كما هو الشأن مع ذي (الشوكة) حين القتال.



ثم شاعت (يتشيّك) أكثر من (يتشوّك)، بسبب التفاعل بين اللهجات العربية. هذا، وقد أثبت معجم اللغة العربية المعاصر كلمة (شياكة) بهذا المعنى: ظُرفٌ وحُسْن تصرُّف، واختيار ملابسَ لائقة تعجب الناظرين، وأناقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق