الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

أقصى اليمين .. أقصى اليسار !!

عرفت معاوية الرواحي أيام كان طالبا في سنته الأولى أو الثانية في الجامعة. كان ضَاجّاً بالحيوية والحماسة. وقد لفت انتباهي أول مرة في صالة التلفاز التي كنا نتابع فيها ما تبثه قناة الجزيرة من أخبار الحشود الأمريكية التي تتقدم باتجاه العراق عام 2003م. كان صاحبنا يقوم من كرسيه، ويتقدم ليقف حائلا بيننا وبين شاشة التلفاز، فيخطب بكلام يشبه التحليل لما يحدث أو الانتقاد بلغة غير مهادنة .. لست أذكر تماما فحوى كلامه، ولكني أذكر أنني تعجبت من هذا الطالب الجديد على الجامعة، والجديد على هذا الجمهور؛ كيف يجرؤ على الوقوف خطيبا بينهم دون خوف و لا وجل !

كنت أرى في سلوكه هذا نوعا من الغرور أو التبجح، ونحوهما من الصفات؛ من ناحية .. ولكني –في الناحية الأخرى- كنت معجبا بجرأته وحركته بين زملائه ..
سنحت الفرصة بعد ذلك لنجلس معا؛ وأسمعني شيئا من خواطره الشعرية التي بدت لي حينها قريبة الشبه بشعر نزار قباني. أذكر أني حثثته على مزيد القراءة لتطوير موهبته .. ورُبَّ حاثٍّ على القراءة من هو أكثر قراءةً منه!!

في تلك السنة كنا مشغولين بالتحضير للمهرجان الإنشادي السادس، وكان معاوية فيما تلاها من أيام يشارك معنا في تعليق الإعلانات الجدارية.. كان يقول أحيانا وهو يضحك مشيرا إلي: "أقصى اليمين"، و"أقصى اليسار" مشيرا إلى نفسه!

لم ألتق بمعاوية بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، ثم رأيته في فعاليات مختلفة هنا وهناك، وكانت الظروف تسمح أحيانا بلقاءات سريعة.

لاحقا.. حين أصبح للعمانيين مجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ أصبحت أراه حاضرا بقوة في هذا المشهد، وكنت –كغيري- متابعا لما يكتب، بين إعجاب بمنشوراته، وتحفظ عليها، وعدم اتفاق معها جملة وتفصيلا!

معاوية صديق الجميع وعدوهم في آن واحد! ..
ما إن يفتعل عراكا مع فئة، حتى تراه قد أنشب أظفاره في مناوئيها، ثم إذا هو يتلطف بالكلام مع أعدائه الأُوَل.. والعكس صحيح.. وبهذا يمكن للجميع أن ينظروا إليه في إحدى صُوَرٍ ثلاث: الولد الشقي، أو الأخ المتمرد، أو الأب القاسي.. لكنهم –مهما كان من أمره مع الجميع- لا ينبغي لهم (وربما لايستطيعون) النظر إليه في صورة العدو؛ لأنه سرعان ما يدور دورته المعتادة، فيبعث على الأنس أكثر من الضيق، كأنه يحرك في الجميع أزرار الغضب والفرح على نحو يجعلهم يأنسون إلى صروف الأيام والليالي أكثر.. والأنس الذي أعنيه هنا هو الذي نعبر عنه في لهجتنا بـ (التهَجِّيلة).. ويبدو أنه كان منتبها لما يحدثه من أثر بين الناس حين جعل شعاره في الحياة يوما ما (الحياة هجلو)!..

وصف معاوية نفسه –غير مرة- بأنه (عماني جدا) ! .. ربما يكون قد ابتكر هذا التركيب الوصفي في لحظة عاقلة.. لحظة مترعة بالوطنية التي فاضت بها كثير من منشوراته .. وهذه الابتكارية في الوصف، ودهشة التلقي المترتبة عليها؛ قد تعطي لمحة مختصرة لمن شاء أن يتعرف على الرجل من لقطة واحدة!
*

أرجو لأخي العزيز معاوية السلامة والعافية، وأرجو من سلطات بلادي – جريا على النهج الإنساني الحكيم لسلطان البلاد المفدى حفظه الله، وتزامنا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد– التنسيق مع الجهات المسؤولة في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة؛ لإنهاء هذا الملف، لاعتبارات إنسانية واجتماعية وأخوية، والله المستعان ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق