الأحد، 8 أبريل 2012

.. إعلانات خطيرة .. !!


قرأت مؤخرا عن رجل قرر أن يعرض بعض أجزاء من وجهه للإيجار لأي شركة ترغب في ذلك لأغراض دعائية عن طريق الوشم عليه بالمنتج الذي تود الشركة التسويق له، وقد حدد لكل مكان من وجهه سعرا كما هو شأن الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى التي يتحدد سعر الإعلان فيها بحسب المكان أو الزمان أو الحجم أو غيره من العناصر التي يعرفها المشتغلون بالتسويق والدعاية..
ساق الموقع الإلكتروني هذا الخبر على أنه خبر عجيب، وهو فعلا كذلك!.. ليس لأنه أتى بشيءٍ غيرِ مُتَخَيّل، بل لأنه انتقل إلى مستوى المباشرة في الطرح، وإلا فإن كل شخص منا هو -في الحقيقة- مؤسسة للدعاية المتحركة –إن صح التعبير-، تُسَوِّقُ للمختزن من ثقافة وقيم وأخلاق.

من هنا كان تأكيدُ الملهمين في تاريخ الإنسانية على أهمية عقد الشراكات الناجحة في مشروعات الحياة السياسية أو الاجتماعية أو العلمية أو الاقتصادية وغيرها، إنما هو من باب اختيار الآلة أو الواجهة الإعلانية المناسبة لكي تعلن لنا أو عنا بصدق دون تزييف، ونطمئن إلى أن ما تقوم به من تسويق في الاتجاهين هو ما نرجوه لأنفسنا من خير. وعلى هذا فهي أهمية عظمى، انتبه لها الحكيم الذي خَلَّد لنا حكمته العظيمة (قل لي من تصاحب؟ أقل لك من أنت)، وعرفها الذين يقولون فيما يشبه المثل (الضيف بقدر المضيّف)، وأدركها الذي قال يوما: (لكل ساقطة لاقطة).. لذا ينبغي أن يحسب لها القَيِّمون على المجتمعات والفاعلون فيها حسابا كبيرا.

لكن الذي يؤسف له، أن ثمة أشخاصاً في بلادنا لا يقيمون وزنا لهذا كله، بل يجنحون إلى وسائل إعلامية رديئة لتنشط في مجتمعنا الذي طالما شُهِرَ أفراده بين الناس بالخلق الفاضل الجميل؛ فتعلن فيه عن كل ما يفسد عليه هذا البناء القيمي، وتعلن -في المقابل- عن أفراده أو بعضهم أنهم أناس متخلفون في غاية السذاجة، ونحن في الحالين في خسارة مؤكدة!!

وهؤلاء الأشخاص هم المسؤول الذي يفتح باب السياحة على مصراعيه دون قانون يراعي أعراف المجتمع وتقاليده، والمسؤول الذي يُرْخي العِنان للشركات العالمية أو غيرها لتضع في إعلاناتها التجارية ما تشاء مما يناسب ثقافة المجتمعات التي نشأت فيها ضاربة عرض الحائط بقيم وأخلاق مجتمعنا المحافظ، والمسؤول الذي يفتح أبواب المؤسسة التربوية لتكون محلا لأنشطة وفعاليات تتعارض مع فلسفة البناء التربوي وعناصر نسيجه، والمسؤول الذي يعيد تعريف مفردات من مثل (التنمية) و(التنوير) و(الانفتاح على الآخر) و(الديمقراطية) و(تعادل القوى) بما يجعل من الفعاليات الثقافية والفنية والترفيهية منفذا لدخول المنسوبين إلى الفن زورا، والمحمولين على أكتاف الثقافة بهتانا، والمترفين في الملاهي ترفا ساقطا لا يعود على المجتمع منه إلا ظلمات بعضها فوق بعض!

هؤلاء الأشخاص مع بالغ الاحترام لأشخاصهم، ومع التأكيد على الحرية المطلقة لكل منهم في اختيار قناعاته الشخصية، فإنهم يسهمون بسلوكهم هذا في نسف مقدرات هذا البلد من عادات طيبة وأعراف حميدة وتقاليد خيرة.. وهنا ينبغي أن يقف لهم أبناء الوطن المخلصين، ليقولوا لهم: (كفى)!.. حرياتكم الشخصية أيها المسؤولوون تنتهي عندما تبدأ حرية المجتمع الذي توافق على قيمه وأخلاقه، وصلاحياتكم تتوقف عندما لا تعود مشاريعكم بالصلاح على هذا الوطن!


هناك تعليق واحد: