الاثنين، 7 مارس 2011

مفردات ساخرة في ثقافة المظهر ..


إنها الكُرة مرة أخرى ! .. تناور بخبث و مكر . تتقدم ، و تلبس لكل مكان لبوسه . في نقطة الوسط هي رأس الحكمة التي يجتمع حولها الناس ، و عند المتقدمين هي سلاح الهجوم ، و عند المتأخرين هي سلاح الدفاع ، تقيم الناس و لا تقعدهم حتى تصل هي إلى ما تريد .. هذا الكائن الصغير الذي يحيا بالنفخ وليس في جوفه إلا الهواء يعز بعض القوم ويذل البعض الآخر .. وهو في نهاية الأمر جبان أمام إبرة صغيرة تقف بثبات !! .. يا للسخرية ! .. إن للزمان بيننا يا أصدقائي كُرةً ساخرة هذه بعض حكاياتها !

// أرقام الهوامير //
منذ أيام اشترى فلان سيارة . لقد كانت فرحة كبيرة له ولأسرته . من ذا الذي يرزق سيارة جميلة نظيفة لونها رصاصي في هذا الزمان الصعب ؟!! .. لا ، والأكثر من هذا أن لها رقما ثلاثيا ! .. هل تعرف ماذا يعني أن يكون لسيارتك رقم ثلاثي ؟ .. يعني أنك إنسان مهم ، ومقامك عال ، ولك صولة وجولة ، وربما عدك الناس من الهوامير؟ .. ( الهوامير جمع مفرده هامور ، و هو وإن كان يشير ــ فيما يشير إليه ــ إلى الضخامة و القوة فلا علاقة له بسيارة الهامر الأمريكية ، بل علاقته المباشرة بسمكة تسمى الهامور ، لست أدري إن كان صحيحا أنها تغدو قوية و غنية أكثر كلما افترست سمكة صغيرة فقيرة لا حول لها و لا قوة !! ) .
إن هذه المعادلة ( قلة عدد الأرقام يساوي القوة و الأهمية ) تزداد لمعانا و بريقا إن كان الرقم ثنائيا أو أحاديا ؛ فحينها أنت في نظر الناس من حولك شخص أنزل من السماء ، تسكن في أحسن الأماكن في العاصمة ، و ليست لديك سيارة واحدة فقط ، بل هو أسطول كامل ، وليس يرضيك إذا دخلت أحد مراكز التسوق الكبيرة إلا أن تشتري بالمئات في كل مرة أسبوعية !
دعك من هذا كله .. هناك سوق رائجة الآن للأرقام يا صديقي ، فهناك من يشتري رقم لوحة سيارته بالألف و الألفين وصولا إلى مئات الآلاف من الريالات !! .. و هكذا تستطيع أن تكون ذا شخصية مرموقة بسرعة إن أسعفك الحظ برقم ثلاثي أو أقل ..
إذن .. الرقم أولا ، ثم أنت المهم ، والهامور ، و رجل المهمات المستحيلة ، و البقية تأتي !

// هواتف الجدات //
أخيرا اشترى فلان لجدته هاتفا نقالا !! .. و لم لا ؟ جميع الناس يمتلكون هواتف نقالة هذه الأيام ، أفيقضي على مستقبل جدته في السلك الاجتماعي وهي ما تزال حية ترزق ؟!!
المدهش في الأمر أن جدته اشترطت أن يكون الهاتف من نوع ( نوكيا N75 ) فقد سمعت أن له آلتي تصوير أمامية و خلفية . الأمامية للتصوير الذاتي حيث يمكنها أن ترسل صورتها للصديقات والأولاد و الأحفاد ، و الخلفية لتصوير المناظر الخلابة التي ستراها من وراء نظارتها الطبية الكبيرة ..
قيل لفلان : ألم تجد غير الهاتف النقال لتشتريه لجدتك الطيبة ؟ .. فقال فلان : لم أجد هدية أجمل و أفضل و أكمل من هذا الهاتف ! ثم إن كل أبنائها و بناتها وأحفادها لديهم هواتف نقالة ، فلماذا لا يكون لديها هي الأخرى هاتف نقال ؟!! ..
الجدير بالذكر ، أن الجدة الطيبة لا تعرف القراءة و الكتابة ، و حسبها إن تجاوزت لهجة الحوار اليومي أن تقيم كلمات الصلاة ! .. وقال شاهد عيان : إنه رآها تمسك بالهاتف بيديها الاثنتين و تنادي بصوت أنهكه الزمن أحد أحفادها ليقرأ لها رسالة وصلتها من جدة طيبة مثلها . . .


// سوبر كلام //
بعد طول معاناة مع الشوارع و نظرات الناس وسائقي سيارات الأجرة ، ابتسم الحظ لفلان ليعمل في إحدى شركات القطاع الخاص في العاصمة ! ..
أنهى فلان هذا دراسته الثانوية بنسبة بسيطة ؛ فلم يجد في انتظاره إلا البيت الذي خرج منه للامتحان كل صباح محمرّ العينين بعد سهرة طيبة مع مجموعة أليفة من شباب القرية !
في عمله الجديد قرر فلان أن يمكث شهرين متواصلين في العاصمة لا يأتي خلالهما إلى القرية ، وذلك من أجل أن يكتشف العالم الجديد الذي أسعده القدر بالعيش فيه .. وبعد أن تم له ما أراد عاد إلى قريته ، وقال كل من رآه : لقد تغير فلان حقا .. لقد تطور فلان ! ..
الآن يقول إذا تحدث عن الإجازة الأسبوعية : ( أجمل ما في الويك إند (Weak End)  أنك ترتاح من العمل ) و إذا سأل أحدا عن طفله الصغير : ( كيف حال البيبي (Baby) الصغير ؟ ) ، و إذا طلب أحد منه شيئا فوق طاقته صاح بصوت ذي شجنٍ آسر: ( آي كانت ! ( I can't ) أنا مشغول ) ..
مما يجدر ذكره أن لهجته القروية تتغير أحيانا لتصير جملةٌ مثل ( كيف حالك ؟ ) إلى : ( إش لونك ؟ ) و ( اتصل بي ) إلى ( اتصل فيني ) ، و ( ما كذاك ) إلى ( مو كذيه ) .. و كلمة مثل ( أبغاه ) القريبة من فصيح اللغة ( أبغيه ) بمعنى الإرادة ، صارت الآن : ( أبيه ) ،  و ( إيش ) القريبة من فصيح اللغة ( أيُّ شيء؟ ) للاستفهام صارت : ( شو ) ، وهكذا ..
ويروى أن أحدهم سأل هذا الفلان عن سر هذا التحول فأجاب بأنها الوسيلة المثلى لجذب الأنظار ولفت الانتباه ! ..

// بث مباشر وأخير//

أعزائي المتابعين : إن الاهتمام بالمظهر وتضخيمه لن يسمن و لن يغني من جوع المضمون . ثمة أشياء كثيرة تصرخ بعالي الصوت لكي نهتم بها لأن فيها سر القوة والتقدم الحقيقيين ..
الاهتمام بالمظهر يا أصدقائي فردية موغلة في الأنانية ، يصفها مؤلف كتاب (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد ) بأنها هوس مرضي يمارسه الفرد تجاه تفاصيل تتعلق بمظهره و كل ما يتعلق بشخصه وحياته الخاصة .. ويقول إنها حب مبالغ فيه يوجه الشخص إلى ذاته ، و أن هذه الفردية و طقوسها تتحول مع الوقت ومع الاهتمام الزائد بتنميتها إلى عبادة يوجهها المرء نحو ذاته (عبادة الذات )..
أيها السادة : نستطيع أن نكون كبارا نملأ الأعين ، يُنظر إلينا نظرة الاحترام والتقدير  بالالتفات أكثر إلى المضمون بما يعنيه من قيم أصيلة ومبادئ نبيلة و أخلاق حميدة وثقافة وطيدة ..
وحينها يا أصدقائي ، بل حينها فقط ، لن تمتصنا الأعين الزرقاء ، و لن يضحك علينا الفم المحلوق من جوانبه ، و لن نكون أقزاما أمام البنطلون و الكارفتة !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق