الجمعة، 4 ديسمبر 2020

مشارق | (12)

 

(111)

الصورة المجتزأة عن الذات

صورةٌ تعمي الإنسان وتُصِمُّه،

وهي خليقةٌ بأن تهوي به في ظلمات بعضها فوق بعض.

قد تُعْجِب الإنسان نفسه، وقد يَمْقُتها؛ مادّاً عينيه إلى صفة واحدة فيها تسبح في بحر من الصفات الأخرى التي تخالفها في قليل أو كثير.

وكلما كَبُرت تلك الصفة في عينيه؛ عَمِي -بقدر ذلك- عما وراءها من حَسَنٍ أو قبيح، وكان أدنى إلى ظُلْم نفسه وغيره.

إن هذا لون من ألوان التطرف، والعياذ بالله!

 

(112)

اللحظات السعيدة الطاهرة تَجُبُّ ما قبلها من لحظات تعيسة كافرة، وخليقٌ بها -ما وُجد الوعي والحكمة والموعظة الحسنة- أن تؤَمِّنَ في المستقبل لحظاتٍ أكثر سعادة.. لحظاتٍ جديرةً بأن تعاش أكثر من مرة!

 

(113)

ما تحسبه واضحا، سهلا، لا لبس فيه، ولا غبار عليه؛ لا يبدو كذلك -دائما- لغيرك!

لستَ ذكيا، وليسوا أغبياء..

يرتبط فهمنا لما نرسله من إشارات وما نستقبله، بعدد من المفاتيح الدالة، ربما لا توجد أو لا تصطف في ذهن إنسان ما، كما هي شأنها (تماما) في ذهن إنسان آخر..

لكل كائن من المعاني القارَّة في نفسك حياة عجيبة: من أين جاء، وكيف استقام، وإلامَ انتهى؟..

حياة ترتبط بحياتك أنت.

بمعارفك، وخبراتك، ومهاراتك؛

فعلام تفترض أن حياة هذا الكائن في نفوس الآخرين كما هي لديك؟

 

(114)

حين جعل بعض الحكماء (الكلام) من فضة في مقارنته بـ( الصمت) الذي وجدوه كالذهب؛ فإنهم كانوا يقصدون -على الأرجح- الكلام الذي يجنح إلى أن يكون لغوا باطلا، أو الكلام المكرور دونما داعٍ، أو الذي يبدو مسوقا بنوايا السوء، أو آتيا في غير سياقه، أو غيرها من أنواع الكلام التي لا تُقَدِّم الإنسان في موقف الكلام على نحو حَسَنٍ ولا فاعل..

أقول هذا؛

لأنني استمعت في يوم ما إلى متكلم،

كان لسان حالي بعد حديثه: ليته لم يسكت!

 

(115)

‏يظن الجهال بالعلماء الظنون.

يظنونهم حمقى حين يعالجون البسيط من الأسئلة والموضوعات، ومجانين حين تشغلهم مسائل العلم على نحو أشبه بالوساوس والهذيان.

سيظل الجُهَّال يدورون في فلك الظن القبيح، فيما يدور العلماء في فلك من الإنسانية الخيِّرة الحسنة العالية، وشتان شتان ما بين الدورانين!

 

(116)

قد يكلف المرءَ ضِعْفَ التكاليف المفترضة، في بعض ما يأتيه ويذره؛ أن يتأخر فيما حقُّه التبكير، وألا يأخذ بالحيطة والحذر فيما كان شأنه المخاطرة، وأن يتكاسل ويتراخى فيما يتطلَّب الحزم والعزم، وألا يُرتِّب الأولويِّات التي يتعيَّن أن يسير عليها..

 

(117)

في الدروب الطويــــلة،

في العقبـــــات الكأداء،

في المنعطفات الحادة،

في المســــالك الوعرة؛

يمكنك أن تمضي وأنت في حالة واسعة من الرضا، حتى لكأن من يراك يحسب أنك ترى -من حيث لا يرون- نهاية سعيدة لكل ما أنت فيه!!

لا يوجد ارتباط ضروري لازم بين المصاعب من حولك والحالة النفسية التي يتعين أن تكون عليها. تفسيرك للأحداث؛ يطلقك في أفق أخضر، كما قد يقيدك في القيد الثقيل..

يَقْصُر الدرب بالأمل، تَسْهُل العقبات باكتشاف ما حولها، كن ليِّنا في المنعطف، كن ناعم القوة في الدرب الوعر..

كل شيء إلى منتهى، والعاقبة للخيِّرين!

 

(118)

إن يوما تفتتحه بالجماعة في صلاة الفجر، وبالخلوة في أوراد الذكر، وبالسكينة في تلاوة الكتاب العزيز، وبالمطر الذي قام أدنى من ثلثي الليل في صلاة كونية طاهرة فغسَّل المكان وطيَّبه؛ إن هذا اليوم الذي تقوم فيه هذه التفاصيل يوم استثنائي لا يتكرر كثيرا.. وربما يكون يوما له ما بعده..

فافتح نوافذ روحك وأبوابها، وأيقظ أحلامك وأسبابها؛ ذلك يوم خليق بأن تنفتح معه أبواب خيِّرة كثيرة!

 

(119)

حَرِّضْ روحك على أن تكون سعيدة دائما متفائلة بالخير. حَرِّضْ سعادتك الداخلية على أن تفيض كنهرٍ جارٍ تغتسل منه الأرواح المنهكة..

 

(120)

بشكل أو بآخر؛ تسير (الموضة) على وفق ما قاله شيابنا العمانيون القدماء (ما يعجبه العجب ولا الصيام في رجب)، أو مقولة العرب الحكماء (خالف تعرف)!!

فكلما جنحت الحياة إلى الرقة جنحت هي إلى الغلظة، وكلما اتجهت الحياة إلى الاحتفاء بالكمال كانت هي أدنى إلى النقص، وكلما حافظت الحياة على ما هي خليقة به من تَمَثُّل الصحة والعافية هوت هي بأصحابها إلى تمثل العلل والعاهات!

••

الموضة جنون؛

أعوذ بالله من جنونها!

 

هناك تعليق واحد: