الجمعة، 4 ديسمبر 2020

مشارق | (11)

 

(101)

تشبه الأسئلة (المتشائمة) الأسئلة (الحذرة) في وجه -أو أكثر- من الوجوه، فمن ثَمَّ تمكر بنا، وتعبث بمقدراتنا النفسية، بل والمادية أحيانا، وتوردنا موارد غير مستحبَّة ولا مَرْضِيّة..

إن بين النوعين من الأسئلة فرقَ ما بين الخير والشر. إن علينا -والحال هذه- أن ننتبه لما يُحْيي منها وما يُميت، وما يُشْعل فينا الجذوةَ وما يخمدها، وما يجنبنا الفتن وما يقربنا إليها..

نعوذ بالله من مكر الأسئلة!

 

(102)

نكبر، ونشيخ؛

ولكن الحياة -بحلوها، ومرها- تظل تقدح زناد الروح لتَبْعث ما بقي فيها من (آمال الطفولة) و(عزمات الشباب)؛ فنُبعث من جديد..

إننا لا نعيش حياة واحدة، ولكنها حيوات مختلفات، وفي كل حياة إقبال وإدبار، اخضرار واغبرار، جدب وإثمار..

ربي أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأكرمنا بحُسْن الخاتمة، يا الله!

 

(103)

حين نبتعد عمن نحب؛

فإن (الفراغ) الموجع فيما بعد،

يكشف بعض التفاصيل التي لم تكن ترى عن كثب..

في (البُعد) -على سوآته- جمال لا يستشعره المقتربون، وهنالك ينشط الخيال؛ فيملأ (الفراغ) بالجميل من الذكريات والحلو من الآمال..

 

(104)

يهيئ الله لنا من أولادنا فرصة النظر إلى تاريخ مضى من طفولتنا، لم تكن فيه وسائل التوثيق موجودة أصلا، فضلا عن أن تكون وافرة.

لعل أحد جوانب الحكمة في أن يتناسل الإنسان؛ هو أن يعاين، لحظة بلحظة، تاريخ طفولته.. تلك الطفولة التي لم تكشفها –إلى وقت قريب- وسائل التوثيق الموجودة حاليا. كل ما نراه من أخطاء أطفالنا في الكلام وعثرات ألسنتهم، وسلوكاتهم الخاطئة: المضحكة والمزعجة؛ هي صور من تاريخنا؛ فتأمل كيف كان صبر أمك عليك، وعمل أبيك في أن تعيش الحياة الناعمة؛ ثم كيف كبرت حتى استطعت قادرا على تمييز غث الأمور وسمينها..

 

(105)

في لحظة التكريم، اللحظة التي يُكافَأُ فيها الإنسانُ على جميل صنعه، اللحظة التي يُكافئ فيها الإنسانَ أحباؤه في احتفال مفاجئ تلقائي، اللحظة التي تُجَسِّد معنى الاعتراف بالجميل؛ في هذه اللحظة يكاد يُرْتَجُ على الإنسان فلا يعرف ما يقول وهو الفصيح المعرب، ويكاد يعمى من حيث أراد أن يكون بصره في هذه اللحظة بالذات حديدا، ويكاد يُصَمُّ فلا يسمع..

كأنما تأتي تلك اللحظة على حواسه كلها، فتختلط، وربما سمع من حيث أراد أن يبصر وتكلم من حيث أراد أن يسمع..

لحظات مؤثرة، وأكثر ما تؤثر في الأنقياء الأصفياء من الناس، الذين يفسحون لها المجال لتؤثر فيهم كما تشاء بسببٍ من طبيعتهم المسالمة. هنيئا لهم..

 

(106)

يقف القضاة على ثغر خطير من ثغور الوطن..

فإن هم أحسنوا السيرة والسريرة؛

فقد تستقيم بعملهم النُّظم الحاكمة في الدولة، وتترسخ بعلمهم أركان دولة القانون، وتصون أحكامهم الحاسمة أمن البلاد والعباد في جوانب شتى.

وإن هم أساءوا؛

فقد سعوا في الأرض ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل..

••

تحية لكل قاضٍ شريفٍ عادل!

 

(107)

تُعْجز الإنسان الفكرة أحيانا. تتأبى عليه. ترفض النزول من عليائها. تصرف وجهها عنه كأنما لم يكن يوما وعاء لأجمل وأعز وأنبل منها. يتوسل ويتسول، وكل ذلك لا يجدي نفعا معها..

يا مزاج الفكرة الصعب؛ متى تلين؟!

 

(108)

وجود نظام متين لصرف المال العام، يُؤَمِّنُ نفسه بنفسه: بأُطُرٍ واضحة، وإجراءات مُحكمة، ورقابة حرة؛ خير وأنجع (وأظنه: أحب إلى الله) من نظام ضعيف يتم التعويل فيه على (أمانة) الموظف وحده..

فإنه لا يُدرى: أيكون أمينا من يُنَصَّب لهذا الأمر، أم غير ذلك؛ كما لا يُدرى: أيظل الأمين على أمانته وهو يجد نفسه في بحر من المال غير مصون بنظام محكم، فإن ضعف النفس هو أول ما استقوت به الأيدي الممتدة إلى الأموال العامة، وقد صدق المثل الشعبي: "المال السايِب يعلم السرقة"!

 

(109)

تغيب بعض التفاصيل الحسنة، فتجدها الحواس الراضية في الظن الحسَن، وفي العذر الواجب، وفي المحبة الوافرة، وفي المصلحة المؤملة؛ وبهذا ترى العين وتسمع الأذن ويفقه القلب ما لم يكن له أثر ظاهر محسوس..

من هنا كان جواب بثينة - صاحبة جميل بن مَعْمَر -، على عبد الملك بن مروان، إذ قال لها: والله يا بثينة ما أرى فيك شيئاً مما كان يقول جميل؛ قالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إليَّ بعينين ليستا في رأسك!

والأمر بعكسه –تماما- لدى الحواس الساخطة، فهي تجد في عكس ما تقدم تفاصيلَ سيئة، وهي إذن كما قال الشاعر: فعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ - ولكن عين السخط تُبْدي المساويا!

 

(110)

سيجد الأحباب المتخاصمون

وسيلة للتراضي والائتلاف من جديد.

سيجدون ذلك حتما عما قريب،

فمن المغالطة في مفهوم المحبة ألا يكون هذا بعض مقتضاها، ومن العبث ألا يتخذ المحبون وسائل متجددة تحفظ ماء العلاقة في سخطها ورضاها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق