الاثنين، 13 يوليو 2020

يوميات عابرة | 41 - 50


(41)
من كلامنا في اللهجة، في وصف الشخص الذي يتصرف بغباء ورعونة؛ أن يقال عنه: (ناقصاتنه قرون: لا تنقصه إلا القرون)، والمعنى أنه يشبه في حاله (الثور) أو (الماعز)، فليس ينقصه ليشبهها تماما إلا القرنان النابتان في رؤوس هذه البهائم!

ومن طريف ما سمعته في إحدى الجلسات أن رجلا كان مهووسا بالشكاية بالناس، فكان يصبح أكثر أيامه في المحكمة، لم يدع مجالا للشكوى إلا افتعله، وربما لو لم يجد من يشكو منه لاستخصم (الذباب) إلى القاضي!

وقد أراد قاضي المحكمة، الذي بلغ به الضجر منه مبلغا كبيرا، أن ينبهه ويؤدبه جراء ما وصل إليه؛ فأرسل إليه ذات يوم ظرفا، فيه قرنان لتيس أو ثور. وقد فهم هذا الرجل المعنى، فما أصبح عليه الصباح حتى خف إلى المحكمة ليشكو، ولكن بالقاضي هذه المرة!!

(42)
في النقل إلى اللغة العربية؛ ثمة فرق بين الترجمة والتعريب. فالترجمة -كما يقول المختصون- هي الإتيان بلفظ عربي مقابلا للفظ الأعجمي، مثل: (سيارة = car). أما التعريب فهو على أنواع ثلاثة: (تقريب اللفظ الأعجمي إلى لفظ عربي موافق له في الحروف والمعنى: Radio= الرَّادُّ)، وهذا أعلى مراتب التعريب؛ أو (جعل اللفظ الأعجمي على بناء عربي ولو لم يوافق لفظا عربيا: Television= تلفاز)، أو (إبقاء اللفظ الأعجمي على لفظه، أو أن يغير تغييرا لا يجعله على بناء عربي: Oxygen= أكسجين)، وهذا أدنى مراتب التعريب.

ومن طريف ما اطلعت عليه للمفتي اللغوي السعودي أ.د سليمان العيوني، ما ساقه مثالا على النوع الأول من التعريب، حيث اقترح تعريب كلمة (الإنترنت) إلى (النَّت) بفتح النون وهي كلمة عربية بمعنى الانتفاخ أو الامتلاء، و(الإيميل) إلى (الأَمِيل) بالفتح، وهو في اللغة الحبل من الرمل، ومناسبته هنا أن البريد يربط بين المتراسلين كما تربط الحبال بين طرفين. لقد أعجبني تعريب (الإنترنت) لأن بدائلَ مثل (الشبكة) أو (شبكة المعلومات العالمية) إما أن تكون مربكة أو طويلة؛ أما تعريب (الإيميل) فأظن أن في ترجمته بـ (البريد الإلكتروني) الشائعة والسهلة والواضحة، غناء وكفاية.

ومن التعريبات والترجمات التي شاع بعضها ولم يزل بعضها مغمورا؛ (الراديو) إلى (المذياع)، و(التلفزيون) إلى (الرائي أو المرناة)، و(التكنولوجيا) إلى (التِّقَانة).

ومن ذلك أيضا، ما نشره الأستاذ فيصل المنصور في صفحته على تويتر، نقلا عن الأمير مصطفى الشهابي؛ حيث ذكر أن يعقوب صروف وضع ألفاظًا علمية كثيرة في مقالاته كـ(الغوّاصة) و(الدبّابة) و(الرشاشة) و(النواة) و(الكهرب)، وأن الشيخ إبراهيم اليازجي هو الذي وضع ألفاظ (الدرّاجة) و(المجلّة) و(الحساء) و(المقصف) و(اللولب) و(الحوذي) و(المأساة) وغيرها أمام ما يقابلها من الألفاظ الفرنسية.

(43)
مما سمعته من حديث أحد الأصدقاء، وهو يتحدث عن مواقف شهدها وسمع عنها في بريطانيا، وكان قد قصدها لإكمال دراساته العليا؛ أن رب الأسرة التي سكن معها -لأجل اكتساب اللغة- توفي بعد مرض عارض. يقول: إنه لم يشعر بأن شيئا ما تغير، فلا المرأة العجوز اعتراها الحزن، ولا يبدو أن الأسرة -المكونة من الأم، وابن وابنة بالغين- أحست كثيرا بالفقد، ولا أحس هو بأن شيئا ما اختلف في المنزل من سيرة أهله اليومية؛ كأنما الفقيد شيء من كماليات المنزل، لما انتهت صلاحيته لم تعد الحاجة قائمة إليه، وأصبح وجوده وعدمه سواء!

وذكر أيضا أن بنتا صغيرة -في أسرة أخرى يسكن معها أحد زملائهم- كسرت كوبا، فأظهرت من الخوف والهلع من عقاب أمها ما شجع هذا الزميل لأن يقترح عليها أن تجيب على أمها إن سألتها عن الأمر بأن الطالب الضيف هو من فعل ذلك، وأنه سيدفع ما يتعين عليه من تعويض، كما هو الاتفاق مع الأسرة منذ البداية: (أن يغرم كل ما يتلفه). امتثلت البنت لمقترحه، وأبلغت أمها بذلك حين سألتها، ولكنها في الليل شعرت بتأنيب الضمير، فانسلت من فراشها، تبلغ أمها بحقيقة ما كان..
في صباح اليوم التالي، وبعد أن تناول الطالب فطوره ومضى إلى مدرسته؛ فوجئ إداريو البعثة بأغراض الطالب تحملها ربة البيت إليهم، وتبلغهم بأن الطالب لم يعد مُرَحَّباً به للسكن في الأسرة، وأنها لا تسمح بعودته إلى بيتها، وبررت موقفها هذا بأنه بفعلته هذه يشجع ابنتهم على اعتياد الكذب!
وكأن لسان حالها يقول: إن من يكذب مرة فسيكذب مرات، ومن يستمرئ الكذب اليوم لإخفاء شيء حقير فقد يكذب غدا لإخفاء أشياء أعظم، وإنه ليهدم بيته ويجني على نفسه ووطنه وأمته..

والقصة الأخيرة نفسها سمعتها من قبل عن طالب سوداني مع اختلاف في التفاصيل، ولكن المؤدى واحد!

(44)
في حديثه عن اختلاف دلالة الكلمة بين الجماعات اللغوية المختلفة؛ ذكر لنا أحد أساتذتنا أنه سمع صفتين للدجاج في كل من ماليزيا وتونس، لم يكن قد سمع بهما من قبل!
ففي الأولى سمع من يقول (دجاجة مسلمة)، ويعني أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية. وفي الثانية سمع من يقول (دجاجة محمولة)، ويعني أنها سفرية، تؤكل خارج المطعم!

(45)
في بودكاست الجزيرة (لحظة): (إيران من الملكية إلى الثورة)؛ ورد أن مصطلح (هجرة العقول) ظهر لأول مرة في توصيف الحال الذي آلت إليه إيران في السنوات الأخيرة من حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وذلك أن كثيرًا من الكفاءات الإيرانية غادرت البلاد بسببٍ من التضييق والتغريب الذي مارسه الشاه على شعبه، وكان ذلك -فيما تلا- سببا في ثورة الخميني وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد نحو 2500 سنة من الملكية فيها.

(46)
ثمة أسماء بلدان في عمان ذات أصل أعجمي. من ذلك مثلا: (الرُّسْتاق)، وهي اسم فارسي معرب، ويعني المنطقة القوية المحصنة أو السواد أو القرى أو المقاطعة. وفي تسميتها لغات، فيقال: الرزداق، والرسداق، والرزتاق. وتجمع الكلمة على: رساتيق ورستاقات.

ومما سمعته في هذا الجانب أيضاً؛ أن (كلبوه) أصلها (جلبوت) فارسية، وتعني: وادي الزهور، و(دغمر) في قريات أصلها (داغ مر)؛ و(داغ) اسم قائد برتغالي. وقد سمعت أيضا أن (روي) كذلك، وربما يتأكد هذا بما ورد في الوثائق البرتغالية المحفوظة لدى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، من أسماء قادة برتغاليين كانوا في عمان، مثل: (روي كوريا دي لاكاردا)، و(روي بوتو دي فاسكونيكولاس).

وفي الطريق إلى ولاية (دماء والطائين)؛ شاهدت من أسماء البلدان (هند روت)، وهي قرية تتبع إداريا لولاية بدبد، ولكنني لم أدرِ بعد أصل التسمية، ولعلها تكون -كما قال بعض من ذكرها لي أول مرة- (طريق الهنود)، والله أعلم.


(47)
ربما يأتي المجنون بكلام يكون له من الوقع في النفس ما لا يكون لكلام العقلاء. ومن ذلك مثلا؛ ما سمعته من شيخنا الشيخ حمودالصوافي قبل حوالي 15 سنة؛ من أن مجنونا في (سناو)، كان يخرج على الناس في بعض الأسواق أو الطرقات، فيتحاشاه الناس، وكان يردد -كلما رأى ذلك منهم- هذا البيت:
لقد آسيتَ فاستوحشتَ مني، ولو أحسنت آنسك الجميلُ!
هكذا كنت أحفظ مقولة الشيخ، ولست متأكدا إن كان قد غاب عني بعض تفاصيلها، فقد أبلغني أحد إخوتي أنه وجد البيت من جوجلته على النَّت بهذه الصيغة:
أسأتَ إليّ فاستوحشت مني.. إلخ البيت!

(48)
كنت أحسب أن العرب ممن هم أبناء البلاد غير العربية، إنما يوجدون في إيران وتركيا، وبعض النواحي التي انتشر فيها العمانيون من شرق أفريقيا، ولكن العلامة السوداني الدكتور/ عبدالله الطيب، في محاضرته حول محنة المثقفين العرب، التي ألقاها في نادي الجسرة بقطر أواخر القرن الماضي؛ يذكر أنه سافر إلى بعض مناطق وسط آسيا فرأى عربا بين خِيوى وبخارى في اوزبكستان يتحدثون بالعربية التي ورثوها من آبائهم وأمهاتهم المتكلمين بالعربية، وأرجع أصولهم إلى ما قيل من أنهم جاءوا من الشام في عهد تيمور لنك، أو قبل ذلك، أو مع قتيبة بن مسلم.
وذكر أيضا أن في نيجيريا حوالي مليون عربي، وأن في بعض البلاد الأفريقية غيرهم آخرين.. 


(49)
ومن طريف ما ذكره أيضا في محاضرته هذه، في بيان بعض الأخطاء اللغوية المعاصرة، أن الذى يجمع كلمة (مدير) على (مدراء) لا يجرؤ على أن يجمع كلمة (مان) على (مانز) لأنه يحترم قواعد اللغة الإنجليزية، ولكنه لا يحترم قواعد اللغة العربية.
وأرجع سبب بعض هذه الأخطاء التي لم تكن موجودة من قبل إلى أن الذين ترجموا الإنجيل فى أواخر القرن التاسع عشر قيل لهم: "تنكبوا أسلوب القرآن"، فمن ثَمَّ اتبعوا أساليب لا تأخذ من العربية بسبب!

(50)
وفي المحاضرة نفسها ذكر أيضا أن الحداثة مبنية على نظرية فيها كثير من الباطل، مع أن منطلقها يبدو صوابا، فهي تقول إن اللغة العربية كسائر اللغات: لغة حية، ينبغى أن تتطور وتساير العصر، وهذه قضية مقبولة فى ظاهرها مسموعة فى باطنها..
لكن أول شيء ينبغي أن يسأل عنه من ينادي بالحداثة في استخدام اللغة، هو: عن أي اللغتين العربيتين يتحدث؟ عن العامية أم عن الفصيحة؟!
يقول د.الطيب: العربية الفصيحة ليست لغة شعب من شعوب العرب اليوم فى حديثهم اليومي، بل هي لغة حضارة العرب وثقافتهم وعلومهم، وهي لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وهى لغة الإسلام؛ فمن أجل ذلك تجب المحافظة عليها لأنها محافظة على الأصل والتراث.
وأضاف أن العربي اليوم قد يجد صعوبة في فهم كلام أخيه العربي، فلعل الحفاظ على الفصيح -إضافة لما ذكر سلفا من فوائد- يفيد العرب من أقصى بلاد العربية غربا إلى اقصاها شرقا في التفاهم والتعامل بسهولة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق