الثلاثاء، 23 يونيو 2020

مشارق | (7)


(61)
لا يكفي أن تسبق الناس بالنوايا؛ فالغلبة لمن أتبع النية بالفعل.
إن النية التي لا تتقدم باتجاه العمل هي الـ(حبر على ورق) كما يقول العامة، و(قرارات حبيسة الأدراج) كما يقول المهتمون بالشأن العام، و(الرجل المريض) كما يُكَنِّي كُتَّاب السياسة أحيانا عن الحاكم العجوز الذي لم يبق منه إلا المظهر، أو الدولة الكبرى تتداعى عليها الأمم من كل حدب وصوب!

(62)
#السعادة؛
بضاعة ثمينة يُبذل فيها الغالي والنفيس، وكعبةٌ يُحَجُّ إليها من كل فج عميق، وعلم يطلب ويُزاحَم أهله بالركب، وفن يحشر الناس إليه أيام زينتهم وسِواها..
فمن باب أولى ألا يُفَوِّت العاقل على نفسه اللحظة السعيدة الطاهرة، ولا يستبدل الذي أدنى بها؛ فلعله يعجل بذلك إلى ربه ليرضى..

(63)
وأنت تبحث عن شيء ما، تفاوض في أمر مهم، تسعى لتحقيق هدف عظيم؛ كن كالطفل الذي يبدو متأكدا أن حاجته مقضية، أو كن كالسمكة تبحث عن الماء في المحيط، كما يقول د.صلاح الراشد في بعض برامجه!

فكما يوفر عليك (الشعور بالوفرة) كثيرا من المعاناة؛ فإن (الشعور بالندرة) يضاعفها، ويسجنك في خيارات محدودة بائسة، ويجعلك في المجمل في وضع نفسي ومادي ضعيف!

(64)
طُبع بعض الناس، أو تطبَّعوا، على ألا يلتزموا بما هو واجب مفترض عليهم، وعلى ألا يسيروا فيما هو مندوب مستحب منهم؛ فيُصِمّون أسماعهم حين يجب الإنصات، ويُكِبُّون على وجوههم فيَضِلُّون سواء السبيل، ويتغافلون فيعمهون في سكرتهم..

زُيِّن لهم سوء عملهم، فحسبوا أنهم يُحسنون صنعا، حتى إذا فَجَأَتْهم نتائج ما قدموا؛ لم يكن أسمع وأبصر وأنبه وأطوع منهم!

ما ضرَّهم لو أنهم كانوا كذلك من قبل، ولكنها النفس الأمارة بالسوء، توسوس لصاحبها أنه يطير في سماء الحرية بما يصنع، فيما هو يتخبط عبداً لهواه المريض!

(65)
الأفكار ليست حمولة معنوية فحسب، إنها مادية أيضا، تَخِفُّ وتَثْقُل باعتبارات عدة، من الزمان والمكان وأحوال النفس، وغيرها. أرأيت كيف أن الأفكار السعيدة تكاد تطير بصاحبها بجناحين، فيما تهوي ريح الأفكار السيئة بصاحبها في مكان سحيق..
ثمة متسع (دائما) لفكرة سعيدة حتى في أشد ما يخاصم الإنسان السوي. ثمة خيرية إنسانية (وربما تكون عبادة) في كل فكرة سعيدة تنشرها في نفسك وفي الناس من حولك. الإيجابية، ليست ترفا، إنها -على الأرجح- مسؤولية يتعين أداؤها بإتقان!

(66)
قديما قالوا: (ومن الحب ما قتل)، والمعنى أن الحب قد يقتل صاحبه. ولكن العبارة حمَّالة أوجه، فهي تحتمل -إلى جانب معناها الشائع المذكور- معنى آخر، وهو أن الحب المتمكن في قلب الحبيب قد يدفعه إلى قتل حبيبه، بدافع الرغبة في البقاء إلى جانبه، أو صرفه عن الخروج عما ألفه منه، أو غيرها من الأحوال التي يخشى فيها الحبيب تغير حبيبه عليه!

فمن ثم؛ فليتأمل الإنسان في ضر يصاب به من حبيب قريب، وليتفكر، فربما كان ذاك شيئا من تعبيره الأهوج عن صادق المحبة وعنفوانها.. وعلى أية حال؛ فإن لكل محب في التعبير عن محبته مذاهب وشؤون، وربما كانت -في تطرفها- أشبه شيء بالجنون!

(67)
الكتاب صديقنا الوفي الذي لا تتغيَّر مودته ولا تنقلب محبته؛ نهجره طويلا فإذا أقبلنا عليه وجدناه أقرب لنا وألزم، ونقطع عليه حديثه النفيس فإذا رجعنا إليه وجدناه أحفى بنا وأكرم.. حديثه لا يمل، وفكرته ذات جناح، وإلهاماته غير مسبوقة، وعجائبه لا تنتهي..

قال الجاحظ: "ولا أعلم جاراً أبرَّ، ولا خليطاً أنصف، ولا رفيقاً أطوع، ولا معلماً أخضع، ولا صاحباً أظهر كفاية ولا عناية، ولا أقل إملالاً وإبراماً، ولا أبعد عن مراء، ولا أترك لشغب، ولا أزهد فـي جدال، ولا أكف عن قتال من كتاب"..

(68)
كل أمر يسعك (السكوت) فيه، فاعلم أنك تورد نفسك موارد الضيق، وربما التهلكة؛ إن تكلمت فيه.
تجاهل ما استطعت من لغو الناس، وجنب نفسك القيود التي قد يورثك إياها خَوْضُك فيما لا ناقة لك فيه ولا جمل، وفيما تعلم أن كلامك فيه لا يسمن ولا يغني من جوع..
وكلما عرفت أن للقوم في كل مرة حديثا تافها يشغلون به الشارع عن مهم الأمور، فأْتِ أنت بالحديث الطيب العالي الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض.
بين عينيك أشياء كثيرة لتفعلها، والوقت أقصر مما تظن!


 (69)
إن من صفاتنا الطيبة والسيئة، صديقا لنا وعدوا، على حد سواء . تعرف ذلك في كثير من المواقف، فقد تنجي الإنسان صفة سيئة فيه، وقد تخونه صفة حسنة.  وفي هذا يقول أحمد فال ولد الدين: 
"وكثيرا ما يصبح سلاح المرء سلاحا بيد عدوه، وكثيرا ما يضحى الجمال نقمة على حامله"، وقبله قال الجاحظ: "وربما شاب الرجل بعض الفطنة ببعض التغافل، ليكون أتمَّ لكرمه، فإن الفطنة إذا تمت منعت من أمور كثيرة"، وقال المتنبي (ويصدق وعدها، والصدق شر إذا ألقاك في الكُرب العظامِ)!

(70)
الشدائد التي شكرها الشاعر حين قال:
جزى الله الشدائد كل خير/ عرفت بها عدوي من صديقي
ليست محاسنها في أنها تعرفنا العدو والصديق فحسب؛ بل إنها تكشف لنا عما في أنفسنا من عيوب ونقائص، وتحكي لنا قصة الصفات التي وجدت طريقها -خلسة أو على مرأى ومسمع منا- إلى بنيان النفس..
هذه الشدائد توقد لنا شمعة في ظلام الجهل بأنفسنا، وتهدينا الصراط المستقيم لتدارك ما قد فات والانتباه لما هو آت..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق