الاثنين، 2 أبريل 2018

فلسفة الصغار


في مرحلة ما من عمره؛ عرف (أسامة) أن الله قادر على كل شيء، بما يعني أن كل الأماني والأحلام يمكن أن تتحقق من خلاله. وفي يوم ما استحضر هذا المعنى، وكان –فيما يبدو- يود استرضاء أمه بعد أن غضبت عليه أو على أحد من إخوته؛ فقال لها، وهو يحيط وجهها بيديه الصغيرتين، ويَعِدُها بهديةٍ فخمة: ماماه.. لما أكون (الله) سأشتري لك سيارة كبيرة، أو كما قال –عفا الله عنه-!

كان وقع الجملة مضحكا في تلك اللحظة، وكنت وأمه بين إعجاب –نُسِرُّه- بهذا الربط، واستغفار –نجهر به-  حتى يعلم أن هذا التركيب غير صحيح..
وكان وقع هذه الجملة –فيما بعد- مدعاةً للتأمل في كلام الصغار؛ كيف يمارسون طرفا من الفلسفة أو الربط العجيب بين المقدمات والنتائج!

هذه الأسئلة والأجوبة التي يفاجئ بها الصغير والديه، بحيث يبدو أكبر من عمره وأعمق تفكيرا مما هو متصور حول مستوى تفكيره؛ تجعل الواحد منا يحار أحيانا إن كان هذا الجواب علامةً على النبوغ المبكر أم علامة على جهله هو بما يملك الصغار من إمكانات تخفيها عنه اشتغالات اليوم وأحوال النفس هنا وهناك!

ما تزال ترن في أذني تعبيرات نطق بها أولادي في مراحل مختلفة من حياتهم. حدث هذا أمامي مرات، كما يحدث أمام كل أبوين مرات كثيرة، في مراحل مختلفة من أعمار أولادهم.

ومن ذلك؛ أن (الزهراء) كانت تقول للشيء يستعصي عليها جذبه: (تعال) كأنه يسمع ويعقل. يبدو التركيب مضحكا، لكن التأمل العميق يحيل (مثلا) إلى أن هذا هو جوهر (قانون الجذب) الذي يتحدث عنه المهتمون بتنمية الذات.

أما (المهند) فقد كان في يوم ما غاضبا مني؛ لأنني لم أشترِ له هدية أرادها وأصر عليها، فقال لي: أنت لا تحبني.. ومن الآن سيكون اسمي هو: المهند بن (خفي) بن علي.. لا مكان لك.. أنا وجدي فقط! .. هل كان الصغير يعبر من حيث لا يشعر –أو (ربما) يشعر- عن أن المحبة تثبتها أو تنفيها الأفعال فحسب، أم أنه كان يرمي إلى أن حضور اسم أبيه في اسمه دلالة على محبة أبيه له، وحيث إنها اختفت في هذا الموقف فليس من المبرر وجوده!!.. الله أعلم.

وزرنا أحد أعمامي يوما، فانطلق (المهند) مباشرة هو وبعض إخوته وأبناء عمه يلعبون في ساحة المنزل بألعاب هناك، أما نحن فكنا في المجلس نتناول القهوة، ثم لم تمض إلا دقائق معدودات حتى انفصل عن أترابه وجاء للجلوس معنا، فقال له العم: ما بالك تركتهم، ألا تحب اللعب؟ فأجاب –كما ينطق الحكماء-: بلى، ولكنها الحياة.. مَرَّةً لَعِب، ومرةً راحة!

ومثل هذا كثير عند كل الصغار عموما، ولكن عدم الانتباه إليه في حينه يحيله إلى زاوية مهملة في الذاكرة. إن تدوينه وحفظه، وتذكيرهم به فيما يأتي من الزمان، في لحظة مناسبة؛ له وقع لا ينسى. ربما تلهم الإنسانَ الكبير في مرحلة من مراحل حياته كلمةٌ أو جملة قالها وهو صغير، ولئن كان في صغره لا يفقه مراميها البعيدة فضلا عن معانيها القريبة؛ فإنه سيقف منها –وهو كبير- على معاني جليلة تبعثه خلقا آخر أفضل مما هو عليه، ولذلك قال الحكماء: "رب كلمة أيقظت همة فأحيت أمة" أو كما قالوا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق