الأربعاء، 5 يوليو 2017

خواطر حول حصار قطر 2017م

في النفوس أشياء كثيرة من #حصار_قطر، بصرف النظر عن المواقف السياسية لكل الأطراف في هذا الموضوع. عن نفوس المؤمنين الصادقين أتحدث، وعن نفوس الخيرين من البشر أيا كانت مذاهبهم وطرائقهم في الدين والحياة.

يؤلم المسلم أن ينطلق إعلان هذا الحصار الجائر من أرض تفتخر حكومتها–وحُقَّ لها- بقيامها على أرض الحرمين الشريفين التي جعلها الله مهدا لإصلاح البشرية، والتي انطلق منها نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام مُبَلِّغا رسالة ربه، يدعو إلى القيم الفاضلة العادلة. ويؤلمه أكثر أن يتم هذا في الشهر المعظم، شهر رمضان الكريم، الذي أراد له الله أن يكون شهر التراحم والقربات، ويريد له منطق العبادة الصالحة أن يكون أخلق بالألفة والمحبة بين بني الإسلام، شعوبا ودولا؛ حتى يكون أحد نوافذهم المشرعة على العوالم الأخرى لبيان حقيقة الإسلام.

كما يؤلم الإنسان السوي أن يقوم الأخ على أخيه، وأن يتنكر الجار لجاره، وأن تقع تداعيات الأزمات بين الحكومات على الشعوب. كم أسرة شتت الحصار شملها، وكم من إنسان قطع رزقه بغير سبب منه، وكم من متعلم انتزع من جامعته ولم يبق له إلا القليل ليكمل دراسته، وكم من حُرٍّ أصيل خُوِّن بجريمة التعاطف، وكم من ضعيف أجبر على قول ما لا يريد، وكم من صوت أراد أن يرتفع بالحق فأسكت!

لقد تم حصار قطر بإعلان سريع مفاجئ، كأنما تسحر المسؤولون عنه به، وكأنما أرادوا أن يجعلوه أولى طاعتهم في نهار اليوم التالي. أمر دبر بليل؛ ولليل حُطَّابٌ كثيرون، وما كل من أدلج في الليل بلغ المنزل!

أول الانطباعات التي تكونت لدي حين سمعت الخبر؛ هو التنكر للجميل. فقطر كانت قبل هذا الإعلان العجيب بدقائق معدودة حليفة وصديقة، وتدعم حربهم الشرعية –كما يزعمون- على الإرهاب الحوثي والتمدد الشيعي في المنطقة، وكان بعض أفراد القوات القطرية مرابطين على الحدود السعودية مع اليمن. ولكن (السياسة لا أخلاق لها) -كما يقال-، فلا شيء من هذه القيم يحكم –فيما يبدو- بعض ساسة المنطقة، والله المستعان!

أمر آخر خطر ببالي؛ وهو أن المذاهب (لعبة) في يد الساسة، فليسوا يثيرون أنصارها من حب للدين، وليسوا يُخمدون ثوراتهم من خوف عليه. لا يحرك الساسة مذهب في الدين، وإنما الذي يحركهم مذهب في السياسة. مغفل من يصدق أن الدول التي ترفع شعارات دينية براقة، في اسمها الرسمي أو في حواشي خطاباتها؛ تلتزم بحدود الشرع، وأنها تحركت هنا أو سكنت هناك، بأثر من الدين. أتكلم عن الواقع، لا عن النظرية ولا التاريخ؛ وفي الحروب المشتعلة الآن في محيطنا العربي والإسلامي عبرة وعظة لكل ذي عقل سليم. كمية القتل والتدمير الهائلة التي جرت خلال السنوات الماضية تنبئك أن الضمير المسلم السوي في كثير من القيادات السياسة معدوم، وأن المسألة لا تعدو كونها حربا سياسية بامتياز وذات أطماع مادية، لا علاقة للدين بها، لا من قريب ولا من بعيد.

أمر ثالث يمكن أن يلاحظه المتابع، وهو أن أياد خارجية تحرك هذا الموضوع، فلم تعلن الدول المحاصرة أسبابها إلا بعد أن طولبت بها، وكان ذلك بعد فترة طويلة نسبيا من إعلان الحصار، كما أن تلك الأسباب التي أعلنت لاحقا لم يكن (أغلبها أو كلها) جديدا، بل كانت مطروحة منذ زمن، فما الذي جَدَّ الآن؟ ومتى كان اختلاف الرأي والتوجهات السياسية بين دول الخليج (التي كانت مثالا رائعا للتعاون والتنسيق) مدعاة لإعلان الحرب على بعضها؟ متى مَسَّ الخليجيين الطمع في خيرات بعضهم ومكتسباتهم؟ ألم يكن في اللجان المشتركة وسيلة لتجسير الخلافات، وحل المشكلات، والتوفيق بين الآراء على نحو يحفظ سيادة كل دولة؟ .. كل هذه التساؤلات تدل على أن أياديَ عابثة هنا أو هناك حركت بعض مغموري السياسة في دول المنطقة. لا أحب العيش في إطار نظرية المؤامرة، ولكن التصريح بأن منظمة مثل #حماس إرهابية، فيه ما فيه الدلالة.

في البال أيضا؛ أن حصار #قطر أظهر الدولة التي يراد لها أن تضعف بمظهر القوة والشجاعة، والعكس صحيح؛ فبالقدر الذي ظهرت به القيادة القطرية متزنة متماسكة حيال الأزمة، على مستوى التحركات الدبلوماسية، وتصريحات المسؤولين، والخطاب الإعلامي، وغيرها؛ كانت دول الحصار مأزومة مرتبكة، أظهرها بمظهر ضعيف مخجل. خذ مثلا على ذلك: الارتباك في مسمى الحملة على #قطر، أهي مقاطعة أم حصار؟ وهل الحظر على الطائرات القطرية فقط أم كل طائرة تنوي دخول الأجواء القطرية؟ تأمل أيضا في ما تمخض عنه المؤتمر الصحفي أمس، الذي علق عليه بعض المغردين ببيت جرير الشهير (زعم الفرزدق أنْ سيقتل مربعا،، أبشر بطول سلامة يا مربعُ!).. وقس عليه ما لاحظه كثيرون –للأسف- من لجوء بعض المسؤولين السياسيين والإعلاميين والدينيين والثقافيين في بعض هذه الدول إلى كلام غير لائق أو غير مقنع أو غير ذي صلة يستقوون به أمام شعوبهم، من نحو قولهم: إنهم على استعداد لتقديم إغاثة للشعب القطري، أو إن الحصار لمصلحة القطريين، أو إن المعدة القطرية لن تتحمل الألبان التركية وستضطر لاستجداء الألبان #السعودية، أو وجوب مقاطعة المثقفين القطريين، أو التهجم بكلام سوقي على أمير #دولة_قطر في الصفحات الرسمية لقنوات حكومية في بعض دول الحصار، وغيرها من العراك العجيب الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي سبا وشتما بأقذع ما يُتفوه به. كان هذا كله يحدث في رمضان، دون مراعاة لحرمة الشهر، ولا لحُرَمٍ غيرها، والله المستعان!

خطر ببالي أيضا؛ أن في الأزمة شيئا من لعنة الحرب على #اليمن. كل من شارك في هذه الحرب الهوجاء، سيدفع ضريبتها عاجلا أم آجلا. كلٌّ بقدره. وتلك –لعمر العدل- ضريبة واجبة؛ فهذه الحرب الظالمة التي نشأت بزعم دحر قوى الشر، ما كانت -منذ بدأت- إلا شرا على اليمن حضارة وشعبا ودولة!.. أما الحوثيون وأنصار المخلوع؛ فقد صاروا -بعد حين من الحرب- جزءا من المشهد السياسي الذي يتعين محاورته –كما جاء في تصريحات مسؤولين في بعض هذه الدول-، ليتساءل مغردون ساخرون: فعلام كانت الحرب إذن؟!!

أمر أخير؛ وهو أن هذه الأزمات تكشف السياسة الحكيمة للسلطنة في النأي بنفسها عن بؤر النزاع والتدخل في شؤون الآخرين، ومد جسور المحبة والسلام إلى كل شعوب العالم ودوله. (السلام) خيار استراتيجي، يتفوق بكثير على خيارات استراتيجية أخرى. تنطع الكثيرون في الداخل والخارج، غير راضين عن رفض #عُمان الوحدة الخليجية، وعدم انضمامها إلى ما يسمى (#عاصفة_الحزم)، واستقلال رأيها في تحديد (العدو) و(الصديق)؛ ولكن الأيام أثبتت رُشد نهجها، ففي الأزمة الحالية دلالة على عدم وجود أسس حقيقية تؤهل للوحدة الخليجية، وفي مأساة شعب اليمن أبلغ دليل على أن الحرب لم تكن خيارا حكيما، وفي كثير من الملفات حفظت السلطنة مكانتها العالمية كوسيط نزيه بعيد عن الأطماع. فلله الحمد أولا وأخير، ولجلالة السلطان المعظم الشكر الجزيل، ولكل مسؤولي السياسة الخارجية العمانية التحية والإجلال.

آخر هذه الخواطر؛ الدعاء لله أن يحفظ بلدنا عمان آمنة مطمئنة عزيزة قوية، وأن يجمع شمل الأشقاء على أساس من الاحترام والمودة، وأن يعود الخليجيون إلى كنف مجلس التعاون عودة الكيِّس الفطن، وأن يتفهم الجميع أن لكل دولة وشعب الحق في تقرير ما يريده، وأن الأخوة والصداقة بين الدول والشعوب لا تقتضي –بأي حال من الأحوال- ألا يكون خلافٌ في الرأي والتوجهات إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وأن يؤمن الجميع بأن المصلحة العليا والقوة الحقيقة إنما هي في الاصطفاف معا ضد التهديدات الخارجية وتقوية أدوار مجلس التعاون والجامعة العربية بما يجعل المؤسستين فاعلتين إيجابا لخدمة الشعوب الخليجية والأمة العربية، وأن يبعث في الأمتين العربية والإسلامية ولاة صلاح ورشد يحسنون السعي وراء كل خير ويتقنون النفرة من كل شر، والله الموفق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق