الثلاثاء، 24 يناير 2017

أبناؤنا جواهر ..

ذكر الحصري القيرواني صاحب كتاب زهر الآداب أن أعرابيا قال لأبيه: "يا أبتِ.. إن كبير حقك عليّ لا يُبطل صغيرَ حقي عليك، والذي تَمُتُّ به إليَّ أمتُّ بمثله إليك. ولست أزعم أنا سواء، ولكن لا يحق لك الاعتداء".
ذكرتني هذه المقولة بكتاب حمله إليَّ (الواتساب) قبل أسابيع، وقد شدني إليه عنوانه الطريف. لم أسمع بمؤلفه من قبل، ولا أذكر أنه مر عليّ في شيء مما قرأت. وبجوجلته (من البحث في جوجل) وجدت أنه طبيب واستشاري ومدرب في مجال التنمية البشرية. الكتاب للدكتور مسلم تسابحجي، وحين طالعت عنوانه: (أبناؤنا جواهر ولكننا حدادون) شعرت بتعاطف عجيب مع أولادي، كما يتعاطف الجواهري مع جوهرة وقعت بين يدي حداد –لم يعمل في حياته إلا في الحديد وأشباهه- ليصونها. والتعاطف هنا، وإن كان في أصله مدفوعا بعاطفة الأبوة؛ فإن له أبعادا فنية وثقافية وصحية واجتماعية، وقل ما شئت مما يخطر على بالك من أبعاد؛ فإن التربية شأن عظيم جدا لأنها تتعلق ببناء الإنسان.



يقع الكتاب في (132) صفحة، وتستطيع أن تقرأه في ظرف ساعتين تقريبا إن كنت متفرغا لذلك. وأكثر ما سيساعدك على إنهائه بسرعة؛ سلاسة أسلوبه، وسهولة عباراته، ووضوح أفكاره وارتباطها ببعضها، من جانب؛ ومن جانب آخر بُعْده عن الأسلوب العلمي الجامد، والنظريات التربوية وتفاصيلها التي قد تكون عاملا غير مشجع لدى البعض على القراءة في كتب التربية. يُشعرك الأسلوب –في لحظة القراءة على الأقل- أنك المعني وحدك من بين كل الآباء بمثل هذا الكلام، ليس لأن ما يقوله قد ينطبق عليك فحسب؛ بل لأنه يعتمد –إلى حد كبير- مستوى مسموعا في التعبير (في مقابل المستوى المقروء المعتاد في الكتابة). ثمة حوارات وأسئلة طويلة وقصيرة وقصص صغيرة تشركك بقوة في المشاهد والمعاني التي يتناولها الكاتب؛ حتى أن أحدا ممن قرأه وصف أسلوبه بأنه (خفيف دم)، تماما كما تصف شخصا تراه أو تسمعه، فتنسجم معه وتعجبك روحه المرحة.

يمكن تلخيص الكتاب في ثلاثة عناوين رئيسة هي: بناء الثقة، واصطياد الإيجابيات، وإعادة توجيه السلبيات. وهذه العناصر الثلاثة هي ما تقوم عليه الاستراتيجية الفعالة –بحسب الكاتب- في التربية. وبالمناسبة فإن الكاتب يرى أن مصطلح (تربية الأبناء) مصطلح مضلل، ويعلل هذا بأنه يعطي انطباعا أن المربي سيمسك بأدوات معينة ثم يتجه بها إلى أبنائه لتربيتهم وإصلاحهم، بينما ينبغي أن تكون التربية لذوات الآباء، وتوجيه الأدوات التربوية لإصلاحهم، وجعلهم قدوة صالحة يتعلم منها الأبناء؛ بلسان الحال لا بلسان المقال.

على كل حال؛ لا أريد أن أقدم هنا مزيدا من التفاصيل حول العناصر الثلاثة أعلاه، ولكني أحب أن أنقل لكم عبارة أعجبتني كثيرا، ويمكن من خلالها الدخول إلى الجو العام للكتاب. يقول: "على المربين أن يتواضعوا احتراما أمام عظمة الطفل، وأن يفهموا أن كلمة (الطفل) مرادفة لكلمة (المَلك)، وأن يشعروا بأن هذا الذي ينام بين ذراعيهم هو المستقبل بعينه، وأن من يلعب ويلهو الآن بين أقدامهم هو التاريخ بنفسه"!

بقي أن أقول إنه يمكن الحصول على الكتاب من دار الفكر في دمشق، كما يمكن الاطلاع على بعض ما نقلتُه من مقتطفات في صفحاتي الشخصية، وعلى المراجعات والانطباعات التي ساقها القراء حول الكتاب في (جوجل) أو موقع الكتب الشهير (www.goodreads.com).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق