الاثنين، 26 ديسمبر 2016

تسليع اللغة العربية

حين زار الداعية المعروف د.عائض القرني السلطنة في فترة سابقة، ذكر خلال لقاء تلفزيوني، في معرض حديثه عما لفت انتباهه في البلد؛ أن الجهات الرسمية تدفع باتجاه تعريب التسمية لكثير من الأشياء التي يشيع في بلدان أخرى تسميتها بمسماها الأجنبي الشهير، كـ(الهاتف) -مثلا- بدلا من (التيلفون)، و(شبكة المعلومات العالمية) بدلا من (الإنترنت)، وغيرهما من التسميات، وكان يورد هذا في سياق ثنائه على عمان وحفاظها على هويتها العربية والإسلامية.

لقد كان هذا ملاحظا لمن يدقق النظر في كثير من الشؤون الحكومية العامة. وفي هذا السياق؛ كان يبدو أن الجهات المسؤولة في وزارة التجارة والصناعة تفرض على أصحاب السجلات التجارية –لاسيما تلك المؤسسة أصلا في عمان- استخدام التسمية العربية، فقد كان هذا ظاهرا في لافتات كثير من المحلات التجارية المعروفة. بل إن الموظفين ذوي العلاقة في بعض دوائر الوزارة يرفضون بعض التسميات التقليدية المعروفة في اللهجة، – أقول ذلك من خلال تجربة شخصية-؛ ويدفعون باتجاه استخدام اللفظ العربي الفصيح أو القريب من الفصيح.

غير أن كثيرا من هذا تغير في الآونة الأخيرة. ثمة تنازل ظاهر لا يخفى عن هذا المنهج الذي اختطته الحكومة؛ فبعد أن تقبلنا على مضض مسميات المراكز التجارية مثل (مول) و(هايبر ماركت)، جَرَّتْ هذه التسميات الأجنبية تنازلات أخرى كثيرة في التسمية والترجمة. ولست أدري لصالح من تجري هذه التنازلات! أتكون ضريبة الانفتاح على شركات عالمية، أم أن وجود عمالة وافدة كبيرة هو الذي يزيّن لأصحاب الأموال تسمية محلاتهم بهذا الشكل لتكون أكثر جاذبية.. أم هي موضة ضمن قوافل الموضات التي تمر علينا بين حين وآخر.. لست أدري!

لست أدعو –بطبيعة الحال- إلى التشديد على العلامات التجارية القادمة إلينا من وراء البحار بتسمياتها العالمية، وإنما أدعو إلى التمسك بما درجنا عليه من الإصرار والاعتزاز بمفردات لغتنا العربية الجميلة، ففيها من السعة والجاذبية ما لا يؤخرها عن منافسة غيرها من اللغات في هذا الجانب؛ بل ويتفوق بها على كل منافس.

ولعل هذا التنازل هو الذي جرأ العمالة الوافدة (غير العربية) على عدم مراجعة اللوائح التجارية والمنشورات ذات الصلة، فكم طالعنا أخطاء كثيرة (مضحكة مبكية) في كتابة أسماء المحلات التجارية، وعروض المراكز التجارية، وقوائم الطعام في بعض المطاعم، وترجمة بعض العبارات الترويجية، وغيرها. أخطاء لا يقع فيها العربي حتى ممن لا يُحسنون الفصحى. ولو أن الجهات المسؤولة ألزمت المؤسسات التجارية وغيرها بتدقيق منشوراتها لدى مختصين لغويين قبل الموافقة على نشرها؛ لما وقع مثل هذا العبث بلغتنا العزيزة، لغة القرآن وأحد العناصر الفاعلة في هويتنا الحضارية.

ولو أن هذا حدث؛ فإنه سيوفر –إلى جانب الحفاظ على اللغة- فرصا وظيفية للمتخصصين العمانيين في اللغة العربية والترجمة، وهو ما يتحول باللغة العربية إلى أن تكون أحد الموارد الاقتصادية في المدى البعيد. وهنا أتذكر ما ساقه مغردون عمانيون تحت وسم (تسليع اللغة العربية) في (تويتر)، وعلى رأسهم الداعية المعروف ش.عبدالله العيسري، من أفكار في هذا الجانب، وكان منها أيضا تشجيع العمالة الوافدة على تعلم اللغة العربية لتكون معيارا وظيفيا يتفاضل به الموظفون في الشركات وغيرها، كما هو حاصل مع اللغة الإنجليزية.

ولو أن هذا حدث؛ فلن تدخل مطعما لتجد في أحد منشوراته الترويجية مثل هذه العبارة: (توصيل مجانن لحد 5 كيلومتر والطلبية ما يكن أقل عن 5 ريال)، وربما لن تزور مطعما هنديا في روي، تُعَلَّقُ على البناية التي يقع فيها لافتة كبيرة مضاءة، مكتوب عليها باللغة الإنجليزية (World’s NO. 1 INDIAN VEGETERIAN RESTAURANT CHAIN )، وأسفل منها الترجمة العربية الآتية: (العالم في سلسلة نباتي مطعم الهندي رقم 1)!!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق