الثلاثاء، 29 مارس 2016

أنا أحبك يا بنيَّ ..


عوَّدت أبنائي على أن أقول لهم بين الفترة والأخرى هذه العبارة: "أنا أُحِبُّكِ يا ابنتي/ أنا أحبك يا بُنَيّ"، ولقَّنْت كلاَّ منهم –بُعَيْدَ قدرته على نطق الجملة الطويلة- أن يكون جوابُه عليها: "أنا أحبك يا أبي"، وقد نجحنا –بحمد الله- في هذا الأمر.. فمن ثَمَّ أكسر الصمت أحيانا –في البيت أو السيارة أو حتى في المكان العام- بهذه الجملة التي أنتشي بتمريرها عليهم واحدا واحدا، منتظرا جوابهم الذي يتنزل عليَّ رضا وسرورا وسلاما. ورغم تكرار الإجابة على مسمعي بالكلمات نفسها والترتيب ذاته؛ فإن اختلاف أصواتهم الصغيرة بها، وأخطاء النطق الطفولية عند بعضهم حين يأتون بها –وربما لأمر آخر لم أتبيَّنه بعد-؛ يُنْزِلها مني منزلة الكلام الجديد الذي أسمعه لأول مرة. كأنما هو شيء جديد لم يسبق أن حدث من قبل، وكأنه النوايا الطاهرة البريئة تتوجه لأمر جميل.

كان في ذهني، وأنا أخترع هذا الأمر (يحلو لي أن أسميه هكذا)، أن أُشْبِعَهم من سماعها، وأن يكون لديهم ارتواء كافٍ منها؛ فلا يتطلَّعون إليها عند غريب تسوقه غاية غير محمودة العواقب، ولا يتسوَّلونها عند حبيب يضِنُّ بها عن جهل أو طبيعة نفس، وأن تكون أحد الروابط التي تربطني بهم على الدوام؛ فإذا التقينا وجها لوجه كانت حاضرةً بالتخاطب المباشر، وإذا افترقنا -فكان بيننا تواصل باتصال هاتفي أو مرئي، أو برسالة صوتية أو مرئية-؛ كانت جملة لازمة في مخاطبة كل واحد منهم، وتذكيره بذكريات تجمعنا!

ثم تطور الأمر إلى أن قمت بتأليف أنشودة بسيطة ذات مقاطع تتضمن هذه العبارة، بحيث نتعاور على ترديدها بنظام معلوم يتلاءم مع اللحن والإيقاع. وغالبا ما نفعل هذا حين نكون في السيارة، لاسيما في الرحلات الطويلة؛ فمَنْ يستمع إلينا يحسبنا (الجَوْقَةُ) تستعد لحفل كبير. لاحظت أن بعضهم يضيف عليها حين الترديد ألحانا غير التي لقنتهم إياها، ويعززها بزخرفات في اللحن –كمثل تلك التي يسمعونها في أناشيد (قناة طيور الجنة)- بما يكشف عن شعورهم بالانتماء لها وحبهم لأن تكون لهم بصمة واضحة فيها!

واتصلت ذات مرة بأمهم، وقد كنت خارج البيت؛ وتحدثت إليهم واحدا تلو الآخر، فنسيت أن أقول جملتنا المعهودة للزهراء التي تحدثت إليها أولا، فطلبت إلى أمها أن تعطيها الهاتف بعد إنهاء حديثي إلى أخويها اللذين ختمت كلامي معهما بجملتنا المعهودة، وقالت: "باباه.. ما قلت لي أنا أحبك يا ابنتي"!


أتخيّل أحيانا؛ كيف سأقول لهم هذه الجملة –إن مدَّ الله في العمر- وهم كبار قد جاوزوا سِنَّ البلوغ، ثم وهم متزوجون، ثم وهم آباء وأمهات يُقْبِلون عليَّ بأولادهم؛ فأجد أنها ستزداد عذوبة ولطفا، وأن وقعها وأثرها سيعظم في نفسي ونفوسِهم، فأحمد الله أنني استعددت لهذا الأمر من الآن؛ لأنها قد تكون فَجّةَ الوقع والأثر إذا جاءت لاحقا مبتورة من سبب أو نسب عريق كهذا..
**
الصورة أعلاه بريشة ابنتي الزهراء العميرية

هناك 3 تعليقات:

  1. ما شاء الله.. الله ينور عليك

    ردحذف
  2. ما شاء الله.. الله ينور عليك

    ردحذف
  3. كيوت،
    أعني.. جدياً كيوت واجد
    تمنّيتُ أن هذه الفكرة طرقت باب أبي قبل أن نكبُر، لكن لا بأس سأفعلها أنا في المستقبل البعيد .
    أدام الله الأُلفة بينكم.

    ردحذف