السبت، 29 نوفمبر 2014

الوطن أكبر من وشاح .. !

لفت انتباهي، قبل أسبوع مضى تقريبا، أحد الأساتذة في الجامعة، حضر بلباسه العادي إلى مكان أعده الطلبة للاحتفال بالعيد الوطني. قال الأستاذ لزميله الذي دخل فجأة إلى مكان الاحتفال وكان يضع على دشداشته من الأوشحة والشعارات وغيرها ما يدل على فرحته بهذا اليوم: يبدو أنك سعيد هذا اليوم. قال: أكيد.. هذا يوم أنتظره بفارغ الصبر.. (وبأسلوب عتاب أضاف:) لماذا لا تلبس أنت أيضا شيئا من هذه الأشياء!!.. ثم جاء طالب يضع على ثوبه  شيئا قريبا مما وضع الأستاذ، وقال له: أنت تحب عمان؟ قال: نعم. قال الأستاذ: أنا مثلك تماما أحب عمان!! .. حينها هز الأستاذ المخضرم -الذي عركته التجارب- رأسه ملتفتا إليَّ، ولسان حاله يقول: ليس بالمظاهر وحدها يكون الاحتفال، وتكون الوطنية!!
**
كيف ينبغي لنا أن نفهم الاحتفال بالعيد الوطني؟.. يظن بعض الناس أن المظاهر الخارجية كافية، ويحسبون أن من عداهم ممن لا يلبس لبوسهم - أو قريبا منه - لهذا اليوم لا تتمكن الوطنية منهم كما هي فيهم.

إن هذا و لا شك خطأ كبير في التصور، فأن تختصر المعاني العظيمة في القشور يعني أن يساق ضعيفو الانتماء إلى النفاق بما يهيئ لهم مكان الصدارة، وأن يُرضى من المخلصين ذوي العواطف الفياضة والمشاعر النبيلة والإمكانيات الكبيرة، المستعدين للبذل والعطاء؛ بما هو دون المطلوب الوطني بكثير، وفي هذا وذاك محنة للوطن!

فمحنة الوطن بالقسم الأول أن أولئك ينظرون إليه على أنه غنيمة، السابق إليها هو المُخلص الأول، وحظه من الجزاء الأوفر والأحسن، كأنما الوطن مرعى أخضر مفتوح لا حسيب فيه و لا رقيب عليه، وكأنهم الأنعام جاءت إليه بعد مسغبة!! .. هؤلاء يرضون حين يُعطون أو تتيسر لهم فرصة الأخذ بحق وبدونه، ويسخطون إذا لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.

ومحنة الوطن بالقسم الثاني أن طاقة هؤلاء وإمكانياتهم مهدرة، فغاية ما يُرجى منهم أن يكتفوا بالمظاهر البراقة، والكلام الذي لا يفهمون كثيرا من معانيه، فيما يحتاج الوطن منهم إلى أن يؤمنوا أن أسمى معاني الوطنية هي التي تكشف عنها الأفعال لا الأقوال، وأن يتم توجيه مشاعرهم الوطنية عبر مؤسسات الدين والتربية والإعلام والثقافة إلى أن تكون إيمانا عميقا بأن حب الأوطان من الإيمان، ورغبة صادقة في العلم والتعلم، وإخلاصا وجهادا في العمل، واجتهادا في نقل الصورة الطيبة عنه لكل من لا يعرف تاريخه وحضارته وأمجاده.


ليس خطأ أن يلبس الإنسان لليوم السعيد لبوسه، ولكن الخطأ كل الخطأ أن ينظر إلى هذه المظاهر على أنها الجوهر الأصيل. إن الوطن أطول من قصيدة بليغة، وأعظم من خطبة عصماء، وأكبر من وشاح جميل، وأسمى من كل شعار براق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق