الأحد، 2 مارس 2014

يحيا بطل السبورة !

في غمرة الحديث عن (يوم المعلم)؛ جعل بعض المعلمين العبارة أعلاه مُعَرِّفاً للحالة في تطبيق المراسلات النصية المعروف (الواتساب). لأمر ما؛ تأثرت، ولأسباب كثيرة؛ ترقرقت الدمعة في عيني حين أقبلت زوجتي حاملة باقة من الزهور، هديةً من طالباتها اللائي فاجأنْها بها في اليوم المذكور؛ عرفانا منهن بجميلٍ حفظنه لمقام المعلم في شخصها. لقد فعلن ذلك في وقتٍ ينسى فيه جميل المعلم وفضله الكثيرون ممن لا يَنْفَكُّ عنهم - أينما حلّوا وساروا – فضله وإحسانه.. مرَّ عليه الطبيب والمهندس والشرطي، ومرّ عليه المزارع والصياد والبنّاء، حتى الوزير ومن يعلوه في المراتب.. كلهم مرّوا على المعلم، فاستظلوا بظله الوارف، ثم خرجوا من تحت جناحه محمَّلين بالغنائم، فمن ثَمَّ كان حكمةً بالغةً قولُ القائل: "من علمني حرفا صرت له عبدا"!

أي نعم.. حيّا الله بطلَ السُّبورة الذي طالما تأذّى من غبار الطباشير، وتعب من الإمساك بالأقلام، وتلطخت يداه بالمداد وغيره من أدوات التدريس، ورجع إلى بيته بوجهٍ متعبٍ ومظهرٍ تناولته الحصصُ الطوال، وأعباء إدارية ثقال، وقيل وقال يأتيه من طلابه وزملائه وإدارة مدرسته. حياه الله، وحيا مِشْيَتَه إلى مدرسته نشيطا مبتسما، يسأل الله أن يعينه على أداء رسالته العظيمة، لتلاميذ منهم المحب للعلم ومنهم الكاره، ومنهم ذو الخُلُق ومنهم ذو النَّزَق؛ فيقول يُسْراً للمحسن، ويكظم غيظه ويعفو عن إساءة المسيئ، ويلتمس الأجر من الله، ويحتسب ما قدمه وفاءً تجاه دينه ووطنه وأمته.

إن التعليم بطولة، لأن العلم عظيم، ولا يقوم بحقه إلا عظماء النفوس، الذين يبذلون أنفسهم وأوقاتهم في سبيل أن تصل المعلومة الصغيرة إلى طالب عصي الفهم، فضلا عن أشكال مختلفة من العلم النافع تساق إلى غيره من الطلاب.

لقد ذكرتني جملة (يحيا بطل السبورة) بفيلم إنساني عميق المعنى بالغ العبرة، كنت قد شاهدته منذ زمن، عنوانه (السبورات السوداء)، تدور أحداثه حول معلمين يحملان (سبورتين سوداوين) على ظهريهما، ويجوبان بهما القرى والمنحدرات الجبلية الوعرة والخطرة، بحثا عن تلاميذ يعلمانهم القراءة والكتابة نظير أجر زهيد يسد الجوع ويعين على شظف المعيشة، في بلادٍ أهلكت الحرب فيها الحرث والنسل. ينتهي المعلمان إلى رفضٍ لخدماتهما التعليمية من كل من يصادفانه، أطفالا وشبابا وشيبا، بسبب الحرب وما تفرزه من أوضاع اقتصادية واجتماعية. ويفقد أحدهما حياته في انفجار من أجل أن يعلم صبيا واحدا كتابة اسمه، بينما يفقد الآخر (سبورته السوداء)، بعد أن ساقته الأقدار للزواج من امرأة لا زوج لها ضمن مجموعة مهاجرة، أملا في أن يعلمها القراءة والكتابة، فكانت السبورة مهرها المؤجل حين اضطر لتطليقها بعد أن رأى منها الصد والهجر!!

في الفيلم رسائل إنسانية وفكرية شتى، ولكن الذي يعنيني منها هنا هو بطل السبورة، الذي ينبغي أن ننظر إليه -دائما وأبدا- كقيمة مضافة وعنصر غال وثمين، وأن نهيئ له الأسباب ليظهر ويتألق، وأن نعزز وضعه النفسي والاقتصادي والاجتماعي حتى يكون منارا عاليا تهتدي بنوره الأجيال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق