الأحد، 23 أكتوبر 2011

من يخوض المغامرة ؟


إحدى المجلات النسائية المتخصصة التي تعنى بثقافة المرأة كتبت تفسر اسمها (مغامرة الكتابة في المرأة ، و مغامرة المرأة في الكتابة) وكأنها تتبنى مشروعا صعبا، و أحد أساتذة الإعلام يصف في إحدى محاضراته  محاولة إصدار مجلة نسائية جادة بأنها (مغامرة)!!.. ترى هل هي فعلا مغامرة ، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ضربا من اللعب بالكلمات !!

تمتلئ ساحتنا الثقافية اليوم بمئات المطبوعات العربية الورقية و الإلكترونية الموجهة للمرأة ، و لكنها – للأسف – لا تلبي الحاجة الإعلامية للمرأة العربية المسلمة ، فهي تصرف نظرها إلى قضايا فرعية و هامشية ، لا تقع في دائرة اهتماماتها الأساسية ، إما لأسباب دينية و ثقافية و حضارية مجتمعة أو متفرقة، و إما لأن الواقع العام الذي تعيشه الأمة عامة يفرض عليها أولويات من نوع آخر.

إن اطلاعا سريعا على هذه المطبوعات يفضي بنا إلى شعور بالأسف ممض ، و مرارة تعتصر الفؤاد . ذلك أن مضامينها لا تعكس الحاجات المعرفية الحقيقية التي تحتاجها المرأة العربية من أجل النهوض بواقعها من حالة الضعف إلى حالة القوة من ناحية ، و هي من ناحية أخرى تكريس لفكر فئة معينة ليس لها الحضور القوي في المجتمعات العربية . و ليست المشكلة في أن تتحدث مطبوعة ما بلسان فئة معينة ، فلكل إنسان الحق في أن يعبر عما يعتقده من آراء ، لكن المشكلة تكمن في أن هذه المطبوعات تقدم نموذجا للمرأة لا يمت بصلة إلى واقعنا المعاش ، فهو نموذج منقول دون تغيير يمثل واقع المرأة الغربية في انحرافاتها الفكرية و الأخلاقية ، و اهتماماتها الضيقة .
إن المرأة العربية المسلمة تواجه اليوم وضعا معقدا للغاية ، تحتاج بإزائه إلى خطاب يتوجه إلى الجوهر و المظهر في آن واحد ، ينهض على توازن يجافي الإفراط و التفريط معا ! على أن يتأسس هذا الخطاب أولا و أخيرا على مبادئ الشرع الإسلامي الحنيف الذي تحتكم إليه مجتمعاتنا .
و لذلك فإن السؤال يطرح نفسه بقوة .. ترى أين تغيب موضوعات مثل ( تعليم المرأة ) و ( العنوسة ) و ( الحياة الزوجية ) و ( تربية الأطفال ) ، و غيرها من الموضوعات التي تهم المرأة عن بال الذين يقفون خلف الصحافة النسوية ؟ بينما يتم التركيز على موضوعات بعينها مثل ( التجميل ) و ( الأزياء ) و ( الديكور ) !! هل يقف دور المرأة في حياتها عند حد الاهتمام بمظهرها فقط ؟!!

إنه لمجافاة للحقيقة أن نقول إن هذه الموضوعات ليس لها حضور في حياة المرأة ، و لكننا نصر في الوقت ذاته على أن هذا الحضور لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يطغى على – فضلا عن أن ( يلغي ) – حضور مواضيع تبني شخصية المرأة حضاريا و فكريا .

و إذن فليس عجيبا أن نسمع امرأة عربية تقول عقب اطلاعها على مجلة عربية : " إنني أشعر بالإحباط " . و ليس صعبا أن ندرك سر هذا الإحباط ، فهو يرجع إلى أحد سببين ، يتعلق كلاهما بثقافة المرأة و وعيها :
الأول : أن المرأة العربية المسلمة التي تفتقد القاعدة الثقافية الأصيلة التي توجهها – و هي تواجه الهالة الإعلامية الهائلة التي تصحب فكر التغريب الموجه للأمة بشكل عام – لابد و أن تشعر بالإحباط بإزاء واقع لا يسمح لها أن تهتم بما تهتم به المرأة العصرية كما تقدمها تلك المطبوعات ، حيث تختار أغلى العطور ، و تركب الفاره من السيارات ، و تسكن القصور الفاخرة ، و تتابع موضة الأزياء أنى اتجهت وسارت ، بينما هي لا تزال أسيرة واقع يرى في خروجها للعمل نشازا فاحشا عن نغم الحياة المعتاد !
الثاني : أن المرأة العربية المسلمة التي تحصل لها قدر كاف من الوعي بحقوقها وواجباتها ، لا بد و أن تصاب بهذا الشعور و هي ترى أن الخطاب الإعلامي الموجه لها يعكس موضوعات تافهة لا تلامس حاجاتها الملحة . إنها ترى أن هذه المواد المطروحة لا تسهم في بناء كينونتها الثقافية التي تنهض على أسس وطيدة من الدين الحنيف و الأخلاق القويمة و القيم الأصيلة ، بقدر ما تسهم في تكريس الواقع المرير الذي تحياه الأمة عامة ، حيث يتجه أفرادها إلى الاهتمام بالمظاهر البراقة عوض الانصراف إلى بناء الجوهر الأصيل .
و إن أسفنا ليزداد يوم أن نعلم أن كثيرا من الجهود المخلصة التي تسعى إلى إيجاد خطاب حقيقي جاد للمرأة تتعثر في سيرها ، أو تلفظ أنفاسها في منتصف الطريق قبل أن توفي إلى غايتها لأنها جهود فردية لا تحظى بالدعم الكافي الذي يكفل لها مواصلة الطريق ، كما أنها بتبنيها الجدية في الطرح لا تقبل إعلانات الشركات العالمية المنتجة للعطور و الأزياء التي تدفع الملايين نظير إعلانات لها في الصحف الأخرى .

إنها مغامرة صعبة فعلا ، و خطيرة و غير مضمونة ، و لكنها جديرة بأن تخاض و يركبَ غمارها المخلصون من أبناء الأمة الذين يحرقهم الشوق إلى الرفعة و السؤدد ! و قديما قال الشاعر :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى      فما انقادت الآمال إلا لصابر

هي دعوة نتوجه بها إلى العقلاء من أصحاب رؤوس الأموال ، و إلى المصلحين الغيورين من أصحاب النفوذ و أرباب الفكر ، من أجل السعي إلى إيجاد منابر ثقافية تعلي من شأن المرأة كما جاء في الإسلام الحنيف ، و تطرق المهمل من قضاياها المهمة التي ضيعها الجهل بالدين ، و التبعية الحمقاء التي يتبناها أناس محسوبون على الفكر و الثقافة ، و - قبلها - محسوبون على الأمة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق