الاثنين، 25 مايو 2015

التركيز على الإيجابيات

قبل أيام قلائل؛ غادر عنا إلى ربه المكرم الشيخ خلفان بن محمد العيسري. وهو أحد الدعاة والناشطين في المجتمع الذين استطاعوا أن يجذبوا إليهم أناسا على طرفي نقيض، مختلفي التوجهات والنزعات، والأعراق، والطوائف، وحتى الأديان! .. شهد على هذا جنازته المهيبة التي حضرها خليط عجيب من الناس، امتلأ بهم جامع علي الشيهاني الذي أقيمت فيه صلاة الجنازة، ثم تدفقت بهم شوارع وأزقة الحيل الشمالية المفضية إلى المقبرة.

تحدث كثيرون عن سيرة هذا الرجل الفذ؛ بمقالات في الصحف والمواقع الإلكترونية، وتدوينات ومرئيات في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يبدو أن ما لم يكتب ولم يقل في حقه كثير، يحتاج إلى جهود مخلصة، ليكون نموذجا قريبا يحتذيه شباب هذا الوطن من كل الأطياف.

في جملة ما قرأت عن الشيخ خلفان أنه كان دائم التركيز على الإيجابيات، في كل المواقف والظروف، ومع جميع الأشخاص، وأن هذا كان منهجا واضحا له في الحياة، وقد أكد لي تبنيه هذا الشعار ما صدَّر به صفحته في (تويتر)، حيث كتب مُعَرِّفا بنفسه أنه (متفائل مهما كانت الظروف)!

تأملت كثيرا في هذه الجزئية، ووجدت أنها كيمياء النجاح –إن صح التعبير-؛ فالنظر إلى إيجابيات الظروف الصعبة –مثلا- يكفينا مؤونة مكابدة مشقتها، وينأى بنا عن ما يصحبها من منغصات، لأننا نعيش في أفق آخر منها، وهو النظر إليها –كما يعبر فقهاء التنمية البشرية- على أنها فرص ذهبية تتنكر لنا في هذا الزي الموحش، أو بعبارة أخرى "احتضانها كفرصة للتحويل والتغيير إلى الأفضل". وفي مثل هذا السياق سيقت جمل من أمثال (الشدائد تصنع الأقوياء)، و(المحن تتحول إلى مِنَح)، وغيرها من العبارات ذات الدلالة البالغة.

والكلام نفسه يقال عن التعامل مع الأشخاص؛ فالنظر إلى إيجابياتهم والتجافي عن سلبياتهم، يجعلهم يَبْدون في أعيننا على أنهم مصادر معرفة وإلهام. وفي الأثر المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم "الحكمة ضالة المؤمن؛ أنى وجدها فهو أحق الناس بها" ما يدل على هذا.

لطالما حرم كثير من الناس أنفسهم من الاستفادة من قدرات الآخرين وخبراتهم بسبب تركيزهم على سلبياتهم -أو لنقل (ما يعتقدون أنها سلبيات فيهم)؛ فالسلبية أمر نسبي في نهاية المطاف- حتى صاروا إلى ما يشبه الحكم المطلق أنهم لا خير فيهم، وحكموا بأن كل ما يصدر عنهم إن هو إلا خطأ وتخلف مبين، ولو تأملوا وتفكروا قليلا لعرفوا كم قد يُخْلف الناسُ سوءَ الظن فيهم:
ترى الرجل النحيل فتزدريه * وفي أثوابه أسدٌ هصورُ


إن النظر إلى إيجابيات من نختلف معهم في أي شأن من شؤون الحياة، يفتح أمامنا فرصا واعدة للنهوض بواقعنا ومعارفنا إلى الأفضل، وفي قول (نيتشة): "يكفي أن تنظر إلي على أنني عدو، حتى تخطئ في فهم كل ما أقول" إشارة إلى ما ينبغي أن نروض النفس كثيرا عليه! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق