الاثنين، 26 مايو 2014

الإتجار بـ ( الإتجار بالبشر ) !!

في روايته (ساق البامبو) التي فازت بجائزة البوكر العربية 2013؛ يقول الكاتب الكويتي سعود السنعوسي: "ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمنٌ بخس. بل الألم كل الألم أن يكون للإنسان ثمن"، معبِّرا بذلك عن معنىً موجع حرَّك ضمائر المشرعين القانونيين نحو تجريم ما اصطلحوا على تسميته بـ (الإتجار بالبشر).

وفي ظل قابلية كثير من مشكلات العمالة الوافدة –لا سيما عاملات المنازل- لتكييفها على أنها (إتجار بالبشر)، لأسباب قانونية حينا وإنسانية حينا آخر، ودعائية في ملفات حقوق الإنسان حينا ثالثا؛ فإن مكافحة هذه الجريمة قد تتحول –بوعي أو بدونه- إلى ما يشبه (الدعوة إلى تحرير المرأة)، التي سيقت لإنصاف المرأة المظلومة، فتحولت لتكون سيفا مسلطا على رقبة المجتمع، وتكشفت عن استغلال المقصد النبيل في أغراض دنيئة!!

وجه الشبه بين الموضوعين، أن (الضحايا المفترضين) في هذه الجريمة، قد يتحولون من وضع الجناية عليهم في قضايا (الإتجار بالبشر) ليكونوا هم الجناة، وذلك باستغلال ما يفرضه القانون من عقوبات على (الجاني المفترض)؛ الأمر الذي يدفع (الضحايا المفترضين) للمتاجرة بهذه الجريمة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، والاستفادة من سند قانوني أراد المشرِّع أن يكون نصرا للضحية فأصبح نصرا للجاني.

وفي هذا السياق، ربما تكون قضية (هروب عاملات المنازل) مثالا جيدا على المذكور أعلاه. فبالحسبة المادية الصِّرفة؛ فإن الأجدى –في ظل القوانين المعمول بها في وزارة القوى العاملة- لكل عاملة منزل هو الهرب من بيت كفيلها، الذي استقدمها دافعا مبالغ طائلة لغير واحدة من الجهات. ذلك أجدى لها؛ لأنها ستحرر من عمل روتيني تمارسه إلى ما ترغب فيه من أعمال، ومن بيت لا تمارس فيه حريتها المطلقة إلى مساحة لا حسيب عليها ولا رقيب، ومن راتب شهري ثابت ومعلوم إلى دَخْلٍ قد يفوقه بكثير؛ جراء خدمات متنوعة تعرضها على المنازل بالساعات أو على جهات محلية ووافدة تستفيد من العمالة الهاربة في أعمال تجارية ظاهرة أو أعمال خفية مشبوهة أو محرمة!..كما أن الخيار سيكون متاحا لها للعمل والسياحة معا في طول البلاد وعرضها، وهو ترف لا يتوفر دائما لممتهني هذه المهن.

وبعد هذا كله، وفي الوقت الذي تختاره بنفسها، ستجد أن تذكرتها وجوازها جاهزين في انتظارها، لترجع محاطةً بالجلال والإكرام إلى بلدها، فيما يكون كفيلها المسكين قد خسر أكثر مما أنفقه لاستقدامها، ولا عزاء له ولا بواكي في وزارة القوى العاملة، التي لا يجيبه الموظفون فيها إلا بعبارة: ماذا نفعل.. إنها القوانين!!

السؤال الذي يطرح نفسه: من وضع هذه القوانين؟ وهل يراعى في سن القانون طرف دون آخر؟.. أتفهم أن ثمة عاملات أجبرتهن ظروف عمل قاسية ومضايقات كثيرة على الهرب من بيوت مستخدميهن، فجاء القانون لينتصر لهن، ولكن ماذا عن الكفيل الذي أحوجته الظروف إلى عاملة منزل وتكبد من دفع المبالغ ما لا تطيقه –أحيانا- أحواله المادية، ثم وصلت إلى بيته، وأقامت فيه معززة مكرمة، كأنها واحدة من أهل البيت، ولم تنل منهم إلا خيرا وإحسانا، ثم قلبت لهم ظهر المجن، وولت هاربة لا يعنيها من أمر البيت وأهله شيئا..؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق