الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مقطع من سيرة قروي في مدينة!


أنا ابن القرية !
أحبها كما تحبين أنتِ المدينة ..
وصفتِ قريتنا - يوما – بأنها منسية ، و أخشى أنها كذلك لأن الأيام و الظروف تبعدنا عنها !
يزيدني ألما أنها لم تعرفك بعد كما عرفتك ، و أنها لم تحتفِ بك كما أحتفي أنا بك في كل لحظة ، و يزيدني عذابا أنك لم تبحثي عن الحلول لتحبيها كما أحبها !
أنا القروي .. ماذا أفعل بهذا الحنين الجارف إلى قريتي الصغيرة؟..
حنينٌ يأخذ في عينيَّ أطراف المشاهد كلها لأنتهي في كل صورة إليها .. نخيلها و دروبها المتربة و بيوتها الطينية ، و السواقي .. ما أجمل سواقيها ! .. ليتك شهدتني صغيرا و أنا أحمل المصباح في ليلة ظلماء .. أضيئ المكان من حول أبي الذي يقف على (صْوار الساقية) بـ (المسحاة) ليفتح دربا للفلج التي تنتظره مزرعتنا الصغيرة بفارغ الصبر ..
كان أبي يقول لي – و نحن نذهب إلى ناصية الساقية – : أنتَ تؤنسني ! .. هل كنت مؤنسا لك حقا يا أبي، ويدي الصغيرة ترتجف في راحتك.. ؟ يمناي على المصباح الذي أدفع به الظلام القادم من الأمام ، و يسراي في كف أبي أدفع بها الخوف من المجهول الذي ألتفت إليه بين حين و آخر أن يأتي من الخلف ! ..
رغم كل ذلك ، فإن شعورا بالأمن كان يعم حياتنا اليومية ..

في القرية .. تعرفني كل الدروب ، تعرفني و أعرفها ..
أما دروب المدينة فلا تثبت على حال ..
تتعقد يوما بعد يوم ، فتبدو في عينيَّ كلغز محير ! ..
يمر عليها كثيرون لا يتعارفون أصلا ، فلا تهتم هي الأخرى أن تتعرف عليهم ، و تُبقي على الرسمية بينها و بينهم ..
صدقيني .. سأموت إذا ابتعدت عن القرية ، لذا شجعيني على زيارتها دوما و أن أكون قريبا منها كلما احتاجت لي ..
المدينة تخنقني ، و تقتلني في اليوم و الليلة مرات عديدة ، و أنا أتألم بصمت جريحا وغريبا ..
يموت في داخلي الإنسان الطيب الذي يعرفه الطين و الفلج و النخلة ، و أتحول – رويدا رويدا – إلى آلة تدور في مصنع كبير لا يهدأ دون أن يعبأ بها أحد ..
ربما لا تشعرين بهذا كله ، و قد ترينه مبالغة ، و أنا أعذرك !
بيتنا الصغير في القرية ، كانت أمي – دائما – تصفه بأنه ( عْوَر / مقنّ دجاج / حص )! وربما سخرت فقالت : ( البيت الغاوي ) .. هذا البيت يسكن في داخلي ، يزورني في كل مكان ، و أزوره في كل لحظة .. لذا أحب غرفتنا التي اتسع لها صدره ، و أحب – أكثر منها– أن أرى فرحتك كلما رجعنا إليها يا عزيزتي !
إذا كان قدرنا أن نسكن المدينة – و المدينة ليست شرا كلها - ، فليكن من تمام هذا القدر القرية – و هي ليست خيرا كلها - : ألا نبتعد عنا كثيرا ..

لأني أحب قريتي عرفت حب الوطن !
و لأنك وطني فإن حبي لك يزداد بقدر كل زيارة إلى القرية ..
كأن البراءة الظاهرة في كل ما فيها تنداح في خاطري رؤى و أحاسيس ، لأطل عليك بعدها حبيبا مشبعا بالبراءة .. ألا يحتاج الحب إلى البراءة لينمو و يقوى ؟
إن الحب الذي تنزع البراءة منه هو حب بوليسي .. حب جامد كقاعدة الرياضيات لا تقبل استثناء و لا تُعنى بأي منعطف .. هو حب تضيق معه السماوات و الأرض و الجبال .. هو حب أسود مشرد تتقاذفه الطرقات كعودام السيارت التي تتبعثر دون اتجاه محدد لتؤذي الخلقَ برائحتها الضارة ..
إن الحب الحقيقي أفق لا حدود له ، و هو نور على نور رائحته كالتضحية في سبيل الوطن !
( إن حبي في بلادي ، فأعيديني إليها ) ..

هناك تعليق واحد:

  1. وماذا عني .. وعن مدينتي التي أحبها.. وأحب بيتي .. مستودع طفولتي.. وطفولة أخوتي.. ومشاغباتي.. ماذا عن مزرعة أبي الصغيرة التي أعشق خضرتها وهواءها..ونباتات أمي التر روتها بعاطفتها ودعواتها المتكررة..هل القروي وحده من يحب بيته وقريته؟

    ردحذف