الاثنين، 26 ديسمبر 2016

تسليع اللغة العربية

حين زار الداعية المعروف د.عائض القرني السلطنة في فترة سابقة، ذكر خلال لقاء تلفزيوني، في معرض حديثه عما لفت انتباهه في البلد؛ أن الجهات الرسمية تدفع باتجاه تعريب التسمية لكثير من الأشياء التي يشيع في بلدان أخرى تسميتها بمسماها الأجنبي الشهير، كـ(الهاتف) -مثلا- بدلا من (التيلفون)، و(شبكة المعلومات العالمية) بدلا من (الإنترنت)، وغيرهما من التسميات، وكان يورد هذا في سياق ثنائه على عمان وحفاظها على هويتها العربية والإسلامية.

لقد كان هذا ملاحظا لمن يدقق النظر في كثير من الشؤون الحكومية العامة. وفي هذا السياق؛ كان يبدو أن الجهات المسؤولة في وزارة التجارة والصناعة تفرض على أصحاب السجلات التجارية –لاسيما تلك المؤسسة أصلا في عمان- استخدام التسمية العربية، فقد كان هذا ظاهرا في لافتات كثير من المحلات التجارية المعروفة. بل إن الموظفين ذوي العلاقة في بعض دوائر الوزارة يرفضون بعض التسميات التقليدية المعروفة في اللهجة، – أقول ذلك من خلال تجربة شخصية-؛ ويدفعون باتجاه استخدام اللفظ العربي الفصيح أو القريب من الفصيح.

غير أن كثيرا من هذا تغير في الآونة الأخيرة. ثمة تنازل ظاهر لا يخفى عن هذا المنهج الذي اختطته الحكومة؛ فبعد أن تقبلنا على مضض مسميات المراكز التجارية مثل (مول) و(هايبر ماركت)، جَرَّتْ هذه التسميات الأجنبية تنازلات أخرى كثيرة في التسمية والترجمة. ولست أدري لصالح من تجري هذه التنازلات! أتكون ضريبة الانفتاح على شركات عالمية، أم أن وجود عمالة وافدة كبيرة هو الذي يزيّن لأصحاب الأموال تسمية محلاتهم بهذا الشكل لتكون أكثر جاذبية.. أم هي موضة ضمن قوافل الموضات التي تمر علينا بين حين وآخر.. لست أدري!

لست أدعو –بطبيعة الحال- إلى التشديد على العلامات التجارية القادمة إلينا من وراء البحار بتسمياتها العالمية، وإنما أدعو إلى التمسك بما درجنا عليه من الإصرار والاعتزاز بمفردات لغتنا العربية الجميلة، ففيها من السعة والجاذبية ما لا يؤخرها عن منافسة غيرها من اللغات في هذا الجانب؛ بل ويتفوق بها على كل منافس.

ولعل هذا التنازل هو الذي جرأ العمالة الوافدة (غير العربية) على عدم مراجعة اللوائح التجارية والمنشورات ذات الصلة، فكم طالعنا أخطاء كثيرة (مضحكة مبكية) في كتابة أسماء المحلات التجارية، وعروض المراكز التجارية، وقوائم الطعام في بعض المطاعم، وترجمة بعض العبارات الترويجية، وغيرها. أخطاء لا يقع فيها العربي حتى ممن لا يُحسنون الفصحى. ولو أن الجهات المسؤولة ألزمت المؤسسات التجارية وغيرها بتدقيق منشوراتها لدى مختصين لغويين قبل الموافقة على نشرها؛ لما وقع مثل هذا العبث بلغتنا العزيزة، لغة القرآن وأحد العناصر الفاعلة في هويتنا الحضارية.

ولو أن هذا حدث؛ فإنه سيوفر –إلى جانب الحفاظ على اللغة- فرصا وظيفية للمتخصصين العمانيين في اللغة العربية والترجمة، وهو ما يتحول باللغة العربية إلى أن تكون أحد الموارد الاقتصادية في المدى البعيد. وهنا أتذكر ما ساقه مغردون عمانيون تحت وسم (تسليع اللغة العربية) في (تويتر)، وعلى رأسهم الداعية المعروف ش.عبدالله العيسري، من أفكار في هذا الجانب، وكان منها أيضا تشجيع العمالة الوافدة على تعلم اللغة العربية لتكون معيارا وظيفيا يتفاضل به الموظفون في الشركات وغيرها، كما هو حاصل مع اللغة الإنجليزية.

ولو أن هذا حدث؛ فلن تدخل مطعما لتجد في أحد منشوراته الترويجية مثل هذه العبارة: (توصيل مجانن لحد 5 كيلومتر والطلبية ما يكن أقل عن 5 ريال)، وربما لن تزور مطعما هنديا في روي، تُعَلَّقُ على البناية التي يقع فيها لافتة كبيرة مضاءة، مكتوب عليها باللغة الإنجليزية (World’s NO. 1 INDIAN VEGETERIAN RESTAURANT CHAIN )، وأسفل منها الترجمة العربية الآتية: (العالم في سلسلة نباتي مطعم الهندي رقم 1)!!





الاثنين، 19 ديسمبر 2016

حلب تُباد !


رفع السوريون صور بشار الأسد أولَ ما بدأوا ثورتهم. لقد كانوا يهتفون باسمه، وكانت مطالبهم إصلاحات معينة محددة. كان في قدرة الأخير تلبيتها لولا أن أخذته العزة بالإثم. ثم أخذت المعارضة بالتوسع في المدن السورية، الواحدة تلو الأخرى، وتحولت شيئا فشيئا إلى معارضة عسكرية في كيان يسمى الجيش الحر. ولو أن السوريين تركوا عند هذه النقطة، لربما كانوا قد وصلوا إلى حل وسط، وسلمت البلاد والعباد من كل هذا التدمير الهائل.

ولكن لاعبي السوء –في الشرق والغرب- لم يتركوا سوريا لتحل مشكلاتها وحدها. لقد رأوا في الشعب والنظام –على حد سواء- غريما يرجعون من وراء إسقاطه بالغنائم.

لقد كذب الذين ساندوا النظام، فدمر المدن، وأباد كثيرا من الخلق؛ لقد كذبوا حين قالوا: إننا أصدقاء سوريا..
ولقد كذب الذين ساندوا المعارضة، مدفوعين بحس طائفي بغيض، فأثمر تدخلهم عن نعرات وسجالات، ما كان أغنى سوريا عنها!
لقد كذبوا، وكذب من شايعهم؛ وفي بحر كذبهم الكبير يضيع صدق الأنقياء، وتزهق أرواح الأبرياء؛ فتبكي عليهم الأرض والسماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

*


اللهم إني أبرأ إليك من كل ظالم، صغيرا أو كبيرا، معروفا أو مجهولا، آمرا أو مأمورا. اللهم أنزل رحمتك ولطفك على كل بريئ في أرض سوريا. اللهم اهد الجميع إلى كلمة سواء.

الاثنين، 21 نوفمبر 2016

الاحتفال بالحقيقة الوطنية ..

نعيش هذه الأيام أجواء الاحتفال بيوم وطني عظيم. يوم كان له ما بعده. اليوم الذي ولد فيه قائد النهضة العمانية الحديثة، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه-، فأصبح –بما قدمه للوطن والمواطن- رمزا وطنيا تاريخيا مخلصا، ستذكره الأجيال العمانية المتعاقبة على الدوام، كما تذكر القادة العمانيين العظام الذين سَجَّلهم تاريخُ هذا البلد العظيم، وتاريخ المنطقة عموما. ومن هذه الرمزية تنبثق فكرة الاحتفال بالعيد الوطني في كل عام.

لكن هذه الفكرة، ما تزال عند البعض منا فكرة مشوبة غير رشيدة ولا ناضجة. إنها فكرة مستلبة في اتجاه (الشكل)، فيما يغيب –أو يكاد- (المعنى) الكامن فيها، كثيرا من الأحيان. وفي (الشكل) أشكال مختلفات توحي بعدم استقرار المعنى، فمنها ما ينحو منحى العرس الاجتماعي، ومنها ما يشبه فعالية رياضية، ومنها المطبوع بطابع مدرسي صرف، وآخر أقرب إلى أن يكون تسويقا تجاريا أو اجتماعيا، وهكذا!

وهنا لست أدعو إلى تفريغ الفكرة من شكلها الفرحي، كلا، بل أدعو -من جهة- إلى إعادة توجيه هذه الأشكال بما يجعلها أكثر رشدا، وأبلغ أثرا، وأرجى نفعا؛ ومن جهة أخرى، إلى إعادة الاعتبار إلى (الجوهر) الذي يكاد يغيب، حتى تستقيم في أذهاننا الحقيقة الوطنية الكاملة.

لقد قاد عاهل البلاد المفدى –حفظه الله ورعاه- ثورة حقيقية في اتجاه النهضة الشاملة، حتى أصبحت الدولة عصرية، وواصلت حضورها التاريخي الفاعل. ولقد صَدَّقَتْ أفعالُه كلماتِه التي قالها في مستهل حكمه: "أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُعَدَاء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي".

وبالعودة إلى رمزية جلالته، فإن المعنى الأصيل في هذا اليوم الوطني المجيد هو التغيير باتجاه الأفضل، والإحساس العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية، والاستمرار في البناء، وتعزيز الروح الخلاقة المبدعة، ودعم ثقافة السلام بما يجعلها قيمة استراتيجية في الداخل والخارج؛ وبالعموم مواجهة التحديات صغيرها وكبيرة حتى تظل سفينة الوطن خفاقة الشراع، متينة الجسد والروح.

وكمثال صغير، أقول: ماذا لو أعلنت اللجنة الحكومية المشرفة على احتفالات البلاد بالأعياد الوطنية في كل دورة للعيد الوطني عن تدشين مشروع علمي أو ثقافي، أو تعزيز سلوك إيجابي؛ وأعلنت تسمية ذلك العام باسم هذا المشروع، موعزةً للمؤسسات الحكومية والأهلية بالتفاعل معه، بحسب مجال عمل كل جهة. أسوق هذا كمقترح، وإلا فإن الأفكار والمقترحات ملقاة على قارعة الطريق –كما يقال-.

ومهما يكن من أمر، فإن في كل دورة لهذا اليوم الوطني فرصة لتوحيد الدعاء لوطننا الحبيب عمان بأن يديم الله عليها الأمن والازدهار، ولقائدنا المفدى بأن يحفظه المولى ويرعاه ويبارك في عمره، وللشعب العماني الكريم بأن يدوم تآلفه وتقوى في الخير صلاته. اللهم آمين.



الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

مشاهد

(1)
تتهيأ ليوم حافل. تلبس له أجمل الثياب، وتصلح هيئتك كما لم تفعل من قبل، وتبكر في الاستعداد لكل تفاصيله. تفاجأ -بمرور الدقائق والساعات- بيوم كسول؛ لا عمل حقيقيا أنجزته، ولم يأتك من وعدك بالزيارة، ولم تجد ما كنت تبحث عنه. وفي اليوم الذي جزمت بأن لا حدث مثيرا فيه، وأنه سيشبه إخوته من الأيام الكسولة؛ تفاجأ بما لم يكن في الحسبان، ويُخلف ظنَّك اليوم الكسول!

(2)
لا يمانع الوالدان أن يكونا معطائين إلى آخر رمق في حياتهما. لكن على الأبناء ألا يكونوا طُمعاء أو أغبياء، فيستنزفوا هذه الروح فيهما حتى يقضيان. ثمة فرق بين استعدادهما للعطاء، وكونه يتكلف مشقة عليهما.. فرق لا يعرفه إلا الأبناء البررة وحدهم فقط!

(3)
تؤذيك رائحته.. تتحاشى النظر إليه.. تتأفف منه إذا وقف قريبا منك.. لكنه ربما يكون أدنى منك وأحبَّ إلى ربك الذي خلقه وخلقك! * "رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه" - حديث شريف.

(4)
لا تستطيع أن تتوقع دائما ما قد يفعله (الوقح) من الناس. ربما يفكر بطريقة غير نمطية. يمل من تكرار (الوقاحات) العادية التي ألفها الناس. يفضل أن يبتكر -على الدوام- أساليب جديدة للتعبير عن (وقاحته). يصر على أن تكون طريقته في ذلك متفردة لم تعرف من قبلُ لغيره. في داخله مخترع؛ يطلق في كل مرة اختراعا جديدا للوقاحة. وإذا فكرنا مثله بطريقة اختراعية؛ فقد يسوغ -في يوم ما- أن نمنحه شهادة (جناية اختراع)!

(5)
هذا (الكسل) الذي يبدو لك الآن أمرا عاديا قد يسوقك يوما ما إلى الخضوع لمن لا تتوقع الخضوع له.
قطعا؛ لم تقد الإنسان إلى الخضوع ذِلّةُ النفس وحدها، ولا ضعف الضمير. كان (الكسل) يكمن في بعض التفاصيل!

(6)
في المكان المزدحم؛ إن لم تستطع اكتشاف موقف لسيارتك، فاخترعه. من نافل القول هنا؛ التذكير بضرورة أن يكون هذا الاختراع غير ضار بكل من وما حولك!



الاثنين، 19 سبتمبر 2016

خواطر ثقافية | (3)

(3)
أقترح على المثقفين العلمانيين أن يتقبلوا -أو يتفهموا (على الأقل)- انطلاقا من مبدأ حرية التعبير (على الأقل أيضا)؛ أن يقول المجتمع المتدين المحافظ عن نص ينطق بخلاف ما يفهمه من أصول الدين وأعراف الحياة: إن في النص (كفرا) أو (خلاعة)، أو شيئا من هذا القبيل.. تماما، كما يمكن أن يقول المثقفون عن نَسَقٍ ما ينطق بخلاف ما يفهمونه من أصول الفكر والحياة التي ارتضوها لأنفسهم: إن في هذا (كفرا بالإنسانية) وخروجا على مقتضيات المدنية الحديثة. ماذا يضير (المثقف) الذي لا يرى في (الدين) و(الآداب المجتمعية) إلا قيدا؛ أن يوصف بالتحرر منهما؟ هل يرى المثقف الذي يتبنى آراء عاصفة حول القضايا الدينية المتفق عليها وأعراف المجتمع سُبَّة في أن يوصف نصه بـ (الكفر) أو (المجون)؟

***

(4)
أخي الأديب: أقرأ في بعض نصوصك الأدبية (قلة أدب). أرجو ألا تنزعج من كلامي هذا. لاحظ أنني أعترف لك بأدبية ما تكتب، ولكن حين أتذكر ما حفظته عن أبي وأمي وأهلي من آداب وسنن؛ فأنا لا أستطيع أن أقول إلا هذا. هل لاحظت أيضا أنني لم أفعل إلا أن مارست (حرية التعبير) التي تدعوني إليها؟!!..

***

(5)
ما زالت (حرية التعبير) في أذهان بعض المنادين بها تعني أن تكون هذه الحرية مكفولة لهم وحدهم (فقط).

***

(6)
ما زال عنوان مثل (المنهج العلمي) مطّاطاً لا حدود له، عند بعض من يزعمون الانتماء إليه والتمسك به. يكتب أحدهم، فيطلق الأحكام جزافا، ويسمي الأشياء تسميات انفعالية، ثم يقول إنما أنا محلل، مفكك، مفكر ... إلى آخر هذه الألقاب التي تبدأ بحرف (الميم). ثم حين ينبري له من يطلق عليه الأحكام –كما فعل-؛ يغمض عينيه قائلا ببرود: "رُدُّوا علي بالمنهج العلمي"..!

***


(7)
وأنت تحاول إنتاج نسخة جديدة لأصل قديم؛ كن شديد الحذر أن تكون النسخة الجديدة عبئا على الفن، وهمَّا في القلب، وخسارة في المال، وفضيحة مُدَوِّيَة!

الأربعاء، 18 مايو 2016

الكلمة والحكمة ..


أَلْقِ (الحكمة)،
وربما يلتقطها بعض السيّارة إلى عرش عظيم !

**

(الكلمة)
التي لا تَشْفي؛
قد تبعث على المرض!

**

قد يفتح الله بتأليف (الكتاب) من الألفة والمودة بين الناس؛
ما لا يَفتح ببذل الأثرياء أو بفعل الساسة!

**

بعض الكلام كالدواء؛
يصلح لشيء من العِلل أو المواضع، دون غيرها.
لاحظ أن ما تُسقى إياه في الأذن، قد يَمُجُّه الفم! ..
ومثل هذا ما تسمعه من كلام هنا وهناك؛
فقد يكون غير سائغٍ أن تجعله مادةً لكلامك.
إنما قيمته
في الاستماع إليه، والتعرف عليه؛
لا في التكلُّم به!

**

كل سؤالٍ لا يمُدّك بجديد أو مفيد؛
فَدَعْهُ،
وأفسح الطريق لسؤال غيره!

**

بعض الكلام
يذوي ( وربما يموت ) ؛
إذا تَخَلَّفَ عن موعده!

**

قد
تعيد الحروف والأشكال
التي نَنْثُرُها هنا أو هنـــــــــــــــــــــــــــــاك،
ما اختطفتْه الأيامُ منا على عجل .. !!

**

تعريف (الشيء) ؛
قد يكون سببا كبيرا في الإقبال عليه أو الإدبار عنه ..
ما أخطر التعريف!!

**

الأيام التي ينقطع فيها حبل الكلام؛ أيام كسولة عطشى..
لا شمسَ توقظ، و لا دَلْوَ يأتي بماء !

**

ليست الخطب وحدها (عنترية) ..
حتى التدوينات والتغريدات لا تخلو من (عنتر) يختبئ وراءها!!

**

انتق كلماتك بعناية بالغة.
ما يبدو لك أو لصديقك دعابة لطيفة
قد يبدو لغيركما هجوما عنيفا،
أو – على الأقل
فصلا من فصول سماجةٍ
لا تَعرِف أنت
أن الأقلام التي تكتبها
تتكاثر يوما بعد يوم !




حكايات الماء والطين (1)

 (1)
كان من عادة الناس في البناء بالطين أن يخلطوه بالتِّبْن المتخلِّف من أعواد القمح بعد دَوْسِه ونَزْعِ غالب حبه؛ ليكون أكثر تماسكا. وقد حكت لي أمي أن أباها كان يُمْكِثُ التبن في (غيلة) الطين إلى عشرة أيام قبل استخدامها في البناء، يتعهدها كل يوم بالتقليب وحسن الخلط | الغيلة: خليط التراب والماء، يُعْجَن حتى يصير طينا صالحا للبناء، والتسميةُ مأخوذة –فيما يبدو- من (الغَيْل) بمعنى الماء الجاري على وجه الأرض، أو نحوه.

(2)
حدثني أحد أهلنا أنه أدرك أمطارا بلغ من غزارتها أنها أنبتت التبن المخلوط في الطين على جدران المنازل وأسقفها. وحكى لي أن بدويا حضر أيام القيظ للقرية، فبنى (عريشا) من سعف النخيل وجعل في زاوية منه عمودا جافا من خشب شجر السمر، فلما هطلت الأمطار غزيرةً أنبتت ذلك العمود الجاف ورجع إلى أصله الذي كان منه.

 (3)
حكى لي أبي مرةً أنه اشترك -وهو فتى يافع- مع مجموعة من رجال القرية في بناء جدار لأحد البساتين، وقد كانت مهمته مع آخرين نقل الطين من مكان (الغيلة) إلى مكان البناء، حيث يتسلمه الصُّنَّاعُ ذوو الخبرة. ولأنهم لم يكونوا يملكون عرباتٍ (كتلك التي يستخدمها عمال البناء حاليا لنقل خلطة الإسمنت)؛ فقد كانوا يعمدون إلى (جِرابٍ) فارغ من التمر، فيثقبونه ثقبين في طرفي جانبه الأسفل، ويجعلون في كل ثقب عمودا خشبيا يتخلل الجراب من أسفله إلى أعلاه، فيصير حَمَّالة متينة، يتناولها اثنان من طرفيها. وقد ذكر لي بعض أساتذتنا تسميةً لحمالة الطين هذه، وهي (الزفارة).

(4)
حدثني بعض أهلنا، قالوا: إن عدد الأفلاج التي أنشئت في قريتنا (الحَبّي: من أعمال ولاية بهلا) وفي سوحها أكثر من عشرة أفلاج هي: العين، والطفيل، والصغيّر، والسمن، والفليج، والوديم، والحديث، والحافر، والبويرد، والعَيا، والواشحي، وفلج سيف، والمأثول، والقراح، وفلج راعي الشايبة؛ وإنهم أدركوا الستة الأولى منها، فيما سمعوا عن البقية وعرفوا مواقعها وبعض آثارها من آبائهم الأولين.

(5)
حكى لي أبي أنه اشتغل مرة في فترة من شبابه أجيرا عند صاحب بناء، في مقابل قرش واحد لكل خمسة أو ستة (أثواج) من الحجارة اللازمة لبنائه، يأتيه بها على حمار. والثَوْجُ هو حمولة حمار واحد. وكان يأتي بهذه الحجارة من وادٍ يقع على أطراف القرية. ولأن المسافة بين الوادي ومكان البناء بعيدة نوعا ما (حوالي كيلو متر)؛ فإنه ربما يقضي اليومين الكاملين في إنجاز هذا العمل، وليس له غير هذا القرش أجرةً فيهما | الثوج: وعاء من الخُوصِ لِلتُّرابِ والجِصِّ، ونحوهما!



الأحد، 10 أبريل 2016

مذكرات امتنان لله (3)



وأنت جالس في البيت..
تقرأ أو تكتب، أو تشاهد التلفاز، أو تنهمك في لعبة على هاتفك..
ينتابك الجوع فجأة..
تقوم من مكانك بكل سهولة ويسر،
وتتجه واثق الخطى إلى ثلاجة مليئة بما لَذَّ وطاب..
تعود إلى سابق حالك، وتنهمك فيما كنت عليه..
تشعر برغبة في الذهاب لدورة المياه..
تعود مرتاحا، وتنهمك في كنت عليه..
وهكذا ..
تذهب، وتعود إلى مكانك، وتنهمك، وتقوم مرة أخرى..
تتكرر هذه الحالة في اليوم والليلة عشرات المرات..
تخيل للحظة واحدة؛
أن قدمك لم تطاوعك فيما أنت مقبل عليه. تعطلت حركتها لسبب أو لآخر، فلم يعد بوسعك تحريكها أبدا..
يا إلهي!
أي شعور عظيم بالعجز والمسكنة والحاجة، ستكون عليه حينها..
وأي شعور ذاك حين تكون مقيدا في مسيرك ومجيئك بشخص آخر؛ قد يأتي وقد لا يأتي.. وإذا أتى فقد يأتي سريعا، وقد يأتي متأخرا..
أليس سجنا أن تعيش تحت وطأة الاحتمالات؟!.. بلى، فهي تقيدك بأوثق وأغلظ من قيد الحقيقة المرة لحالك الضعيف..
تخيل هذا جيدا، وارجع شاكرا ممتنا لما أنت فيه من الصحة والعافية والقدرة والحرية..
وتذكر أن تقول ملء فمك وقلبك:
(الحمد لله) !


الثلاثاء، 29 مارس 2016

أنا أحبك يا بنيَّ ..


عوَّدت أبنائي على أن أقول لهم بين الفترة والأخرى هذه العبارة: "أنا أُحِبُّكِ يا ابنتي/ أنا أحبك يا بُنَيّ"، ولقَّنْت كلاَّ منهم –بُعَيْدَ قدرته على نطق الجملة الطويلة- أن يكون جوابُه عليها: "أنا أحبك يا أبي"، وقد نجحنا –بحمد الله- في هذا الأمر.. فمن ثَمَّ أكسر الصمت أحيانا –في البيت أو السيارة أو حتى في المكان العام- بهذه الجملة التي أنتشي بتمريرها عليهم واحدا واحدا، منتظرا جوابهم الذي يتنزل عليَّ رضا وسرورا وسلاما. ورغم تكرار الإجابة على مسمعي بالكلمات نفسها والترتيب ذاته؛ فإن اختلاف أصواتهم الصغيرة بها، وأخطاء النطق الطفولية عند بعضهم حين يأتون بها –وربما لأمر آخر لم أتبيَّنه بعد-؛ يُنْزِلها مني منزلة الكلام الجديد الذي أسمعه لأول مرة. كأنما هو شيء جديد لم يسبق أن حدث من قبل، وكأنه النوايا الطاهرة البريئة تتوجه لأمر جميل.

كان في ذهني، وأنا أخترع هذا الأمر (يحلو لي أن أسميه هكذا)، أن أُشْبِعَهم من سماعها، وأن يكون لديهم ارتواء كافٍ منها؛ فلا يتطلَّعون إليها عند غريب تسوقه غاية غير محمودة العواقب، ولا يتسوَّلونها عند حبيب يضِنُّ بها عن جهل أو طبيعة نفس، وأن تكون أحد الروابط التي تربطني بهم على الدوام؛ فإذا التقينا وجها لوجه كانت حاضرةً بالتخاطب المباشر، وإذا افترقنا -فكان بيننا تواصل باتصال هاتفي أو مرئي، أو برسالة صوتية أو مرئية-؛ كانت جملة لازمة في مخاطبة كل واحد منهم، وتذكيره بذكريات تجمعنا!

ثم تطور الأمر إلى أن قمت بتأليف أنشودة بسيطة ذات مقاطع تتضمن هذه العبارة، بحيث نتعاور على ترديدها بنظام معلوم يتلاءم مع اللحن والإيقاع. وغالبا ما نفعل هذا حين نكون في السيارة، لاسيما في الرحلات الطويلة؛ فمَنْ يستمع إلينا يحسبنا (الجَوْقَةُ) تستعد لحفل كبير. لاحظت أن بعضهم يضيف عليها حين الترديد ألحانا غير التي لقنتهم إياها، ويعززها بزخرفات في اللحن –كمثل تلك التي يسمعونها في أناشيد (قناة طيور الجنة)- بما يكشف عن شعورهم بالانتماء لها وحبهم لأن تكون لهم بصمة واضحة فيها!

واتصلت ذات مرة بأمهم، وقد كنت خارج البيت؛ وتحدثت إليهم واحدا تلو الآخر، فنسيت أن أقول جملتنا المعهودة للزهراء التي تحدثت إليها أولا، فطلبت إلى أمها أن تعطيها الهاتف بعد إنهاء حديثي إلى أخويها اللذين ختمت كلامي معهما بجملتنا المعهودة، وقالت: "باباه.. ما قلت لي أنا أحبك يا ابنتي"!


أتخيّل أحيانا؛ كيف سأقول لهم هذه الجملة –إن مدَّ الله في العمر- وهم كبار قد جاوزوا سِنَّ البلوغ، ثم وهم متزوجون، ثم وهم آباء وأمهات يُقْبِلون عليَّ بأولادهم؛ فأجد أنها ستزداد عذوبة ولطفا، وأن وقعها وأثرها سيعظم في نفسي ونفوسِهم، فأحمد الله أنني استعددت لهذا الأمر من الآن؛ لأنها قد تكون فَجّةَ الوقع والأثر إذا جاءت لاحقا مبتورة من سبب أو نسب عريق كهذا..
**
الصورة أعلاه بريشة ابنتي الزهراء العميرية

الأربعاء، 9 مارس 2016

تأبين الإمام الخليلي




(1)
أقتطف لكم من هذا الكتيب اللطيف ما يُجمل لكم سيرة الإمام الخليلي: محمد بن عبدالله بن الإمام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي. عاش هذا الإمام في الفترة (1299-1373 هـ/ 1882-1954م).
*
وصاحب الكلمة هو الشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي، عم المشائخ سالم وسعيد أبناء حمد بن سليمان الحارثيين، ورئيس الجمعية العربية في زنجبار، وأحد تلاميذ الإمام نور الدين عبدالله بن حميد السالمي. عاد إلى عمان إثر الإساءات التي توالت من زعماء المعارضة على الجالية العربية العمانية في زنجبار، وتوفي (1391هـ/ 1971م) في أبوظبي.
*
ألقى كلمته هذه في أحد جوامع زنجبار حين وردهم نعي الإمام المذكور، أمام ولي عهدها آنذاك السيد عبدالله بن خليفة بن حارب. وقد اجتمعوا لأداء صلاة الغائب عليه. وكان ممن حضر هذه الكلمة سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي، وكان حديث السن حينها (عمره حوالي 12 عاما). وقد أخبرني أحد أبنائه بأنه يحفظها منذ ذلك الوقت.
*
غالب القطوف التي ستتوالى في تدوينات منفصلة -ابتداء من رقم (2)-؛ مأخوذ حرفيا من الكتيب المذكور، وبعضها بتصرف يسير جدا لاعتبارات النشر الإلكتروني في أكثر من موقع تواصل اجتماعي!

(2)
(فقدت #عمان إمامها المحبوب، قطب الدائرة، ومرجع الفتوى، صاحب العدل والصيانة والعفة والطهارة)

(3)
"تبحر في الأصول، وأخذ حظه من الفروع، وخالف أصحابه في كثير من المسائل تفرد بها عنهم؛ لأنه بلغ درجة الاجتهاد"

(4)
(كانت عمان مملوءة بالجهل والسلب وقطع الطرقات وبيع الأحرار، فأسكنها بقتل كثير من قطاع الطرق)

(5)
"تمر الرفقة والقافلة والجماعة والأفراد على بلاد عدوهم بغير سلاح ولا خوف ولا جرح، ولربما قيل لهم: أين خفركم؟ فيقولون في نزوى؛ يعنون الإمام العادل"

(6)
"وكتابُه أَهْيَبُ من سيفِ غيرِه"

(7)
"وكان بعيد الغضب، ولا تبدر منه بادرة سوء حتى لو سمع ما يغيظ، ولكن يظهر غضبه باحمرار وجهه دون أن يفرط قولا"

(8)
"وحضر مجلسه ضيفٌ حالق اللحية، فقال له: لو جاملتَ فتركتها، ولم يؤذه بتعنيفٍ آخر"

(9)
"وقلَّما تجده إلا والكتاب بيده في المحافل والمجامع"

(10)
"وكان يمتحن التلامذة وطلبة العلم والقضاة في كثير من المسائل، فإذا سئل عن مسألة لا يفتي فيها حتى يعرضها عليهم، فإذا وافق أحدهم الصواب أقر ذلك الإفتاء، وكتب تحته هذا جواب فلان بن فلان، وهو صواب عندي"

(11)
"وكان كلما قدم إليه من رعيته أحد قربه إليه، وسأله عن سيرة الوالي مع الرعية وعن زعماء القبيلة وحالة بلاده وعن الأمر والنهي"

(12)
(تربى -رحمه الله- في رفاهية أيام صغره، فلما بلغ رشده، وتولى أمر المسلمين هجر كل ذلك، وعدل إلى الخشونة والتقشف)

(13)
(وكانت له أموال جزيلة، فباع منها لمساعدة الدولة والإنفاق في سبيل الله، ولم يبق له غير يسير لا يذكر)

(14)
(وكان من الذين وصفهم رسول الله (صلى الله عليه سلم) من إذا رُؤِيَ ذُكِر الله. عاش حميدا مودودا، ومات كريما مفقودا)

الاثنين، 29 فبراير 2016

الكتاب.. أكثر من وطن!


في زيارتي لمعرض مسقط الدولي للكتاب أمس؛ رأيت غير واحد من الكتاب، والأدباء، والباحثين، والفنانين، والأصدقاء. بعض هؤلاء من داخل عمان وشمالها، وبعضهم من ساحلها وجنوبها. بعضهم أراه لأول مرة، وبعضهم رأيته من قبل. بعضهم تجمعني به معرفة قديمة أو حديثة، وبعضهم لا علاقة بيني وبينه. بعضهم مَعْنِيٌّ بالخطاب المتديِّن، وبعضهم بخطاب آخر مختلفٍ عنه في قليل أو كثير. بعضهم مهتم بإخراج ما سطره العمانيون الأوائل، وبعضهم مهتم بتعزيز النتاج الثقافي الجديد. بعضهم مهتم بإنشاء الخطاب، وبعضهم بنشر الخطاب. بعضهم حديث التجربة في الكتابة، وبعضهم مُعْرِقٌ فيها ومخضرم.

كانوا جميعا، جماعات وأفرادا، يمضون إلى ما يناسبهم من الكتب، ويتبادلون أحاديث ودودة مع من يلقون، ويتجلى في وجوههم أثرٌ من الرضا والسرور بفعالية كهذه.
لاحظت أن حالةً من (الاختلاف الجميل) تسود المكان. كان معي ابني الصغير أسامة. لاحظت أنني وإياه مختلفان أيضا.. مختلفان في العمر، وأن في المعرض من يشبهنا في اختلافنا هذا، فَثَمَّ الصغار وثَمَّ الكبار، وثم من جاء باحثا عن كتاب، وثم من جاء باحثا عن تسلية يزجي بها الوقت!

هل لاحظتم أن فعالية كهذه يمكن أن يجتمع فيها المتناقضون على بساط من محبة، كما يجتمعون في وطن واحد يحبونه جميعا، ويعتقدون أن من واجبهم الوفاء له في كل الظروف؟


هل لاحظتم أنه صورة مصغرة للوطن الذي يسع الإنسان في كل أحواله؟ ..

هل لاحظتم أن الكتاب وطن مستقل بذاته، يفتح أبوابه لكل إنسان مهما كان.. هل لاحظتم أنه -في الحقيقة- أكثر من وطن -قياسا على قول العقاد الشهير-؟!!

رسائلُ حُبّ

(1)
حين تكونين شِعرا؛ فإني أحبك أكثر .. وحين تكونين مطرا، وحين تكونين طفلا فيّاضا بالبراءة كنهر يجري تحت جنة!

(2)
على مقاس ابتسامتك؛ يضيق البيت ويتسع!

(3)
حين أتذكر أيامنا المفعمة بالحياة؛ يبدو لي جليّاً: كم يحمل معنى (الهدوء) من حرمان وقطيعة!

(4)
حين لا يسمح مكان ما بأن نكون فيه معا؛ أسمح لنفسي كثيرا بأن أعيد اكتشاف محبتي لك من جديد!


(5)
أحبك حين تجمعنا الصلاة والدعاء..
هنالك تضيع المسافة بيننا، ونتجاوز الأشكال الظاهرة إلى خفي المعاني!

(6)
بعد سفر موغل في الصمت والعزلة؛ دعيني أصنع لك وطنا من الكلام ، لتسكني فيه آمنة مطمئنة ..

(7)
لا جديد؛ إلا أننا عطشى إليك.. فمتى بربك تمطرين ؟!

(8)


في قلبي حدائق من ياسمين .. أخبئها ليوم يليق بها من الفرح!

الأحد، 21 فبراير 2016

حول المعرفة الفقهية في عمان

كتب الداعية المعروف، الشيخ عبدالله العيسري على صفحته في فيس بوك بتاريخ 11 جمادى الأولى 1437 ه، 20 فبراير 2016م التدوينة التالية حول المعرفة الفقهية في عمان:
"المعرفة الفقهية في عمان تعيش مأزقا خطيرا؛ فبعد أن كانت رمسات المساجد بين العشاءين يتعلم فيها عامة الناس فقه المعاملات والأنكحة وأحكام الديات والأروش والعُقَل، محيت هذه المفردات من عقول طلبة العلم، وأصبح قصارى جهدهم - إن لقوا شيخا - أن يسألوه عما وقع لهم في صلاتهم، ومعظمها أسئلة '' طبخت حتى احترقت '' كما عبر عن ذلك شيخنا الخليلي - حفظه الله تعالى -
وما الحل؟
الحل فيما يبدو لي - والعلم عند الله - :
١- أن يُنبّه مشايخ العلم أن حلقة فقه يحضرها ثلاثة طلاب ثابتون، خير وأبقى أثرا من آلاف المحاضرات التي يشرقون بها
ويغربون
٢- أن يعتني الدعاة بالكتاب الفقهي المسموع؛ مثل (تلقين الصبيان ) و (الدلائل) و (مختصر الخصال) و (مدارج الكمال) و (جامع أركان الإسلام )؛ فتُقرأ في أقراص، وتُنشر في الساوند كلاود، و يحض عليها الطلاب على سماعها
٣- أن تقيم المساجد مسابقات في قراءة الأبواب الغائبة؛ فاليوم مسابقة قي قراءة أقسام البيوع، وبعد أسبوع في المرابحة، وبعدها في المضاربة، وهكذا حتى يفرغوا مما تدعو إليه الحاجة من أبواب المعاملات، ثم ينتقلون للأنكحة، ثم لأصول الأرضين ، وهكذا.
وعلى أن تحاكي المسابقة دوريات كرة القدم؛ فتكون بين فرق عديدة، وكلما جاءت تصفية كانت مثيرة أكثر من سابقتها
٤- أن يمحض بعض الدعاة حياته لنشر مبادئ اللغة العربية ، وتتبعها مبادئ الشريعة، فيشرف على حِلَق علم إشرافا عاما؛ وتتبعه حلقة علم في إبراء وثانية في نزوى، وثالثة في الرستاق، ورابعة في السويق، وخامسة في البريمي ، وهكذا الشأن في بقية حواضر عمان
وتكون لهم رؤية وخطة واضحة
الرؤية: إخراج ١٠٠ طالب كل عام لديهم مبادئ اللغة العربية ومبادئ كل الأبواب الفقهية
الخطة: أنا مستعد للعون في وضعها؛ حين أرى الجد في طلبها، وفي تنفيذها
٥- أن يخصص برنامج (سؤال أهل الذكر ) خمس دقائق من كل حلقة ؛ للتعريف بمصطلح من المصطلحات الفقهية، مع إحالة المشاهدين لكتب سهلة الفهم، يستزيدون منها
هذا ما ظهر لي والله أعلم بالصواب"
*
وكنتُ أحد المعلقين، بتاريخ (13 جمادى الأولى 1437هـ، 22 فبراير 2016م) فكتبت:
شكرا لكم شيخنا على جهودكم الطيبة. أسأل الله أن يجزيكم بها خير الدنيا والآخرة. فكرة المسابقة رائعة جدا، على أن تتوفر لها الإمكانات التنظيمية والبشرية والمادية. وأخص من بين الإمكانات المذكورة عنصر الدعاية والإعلام، فلهما دور فاعل في التحفيز وتشكيل رأي عام إيجابي –بإذن الله- حول هذه المسابقة، وهو أمر مهم كما تعلمون.
*
واتصالا بهذه النقطة؛ فقد بات من المهم أن يعتني المشائخ القائمون على حلقات المساجد، برفع هذه الدروس على الإنترنت، لزيادة المحتوى الإلكتروني في هذا الجانب، ويكون ذخيرة يتزود منها طالبو العلم في كل مكان وزمان. كما يمكن لأي منهم، العمل على حلقات فقهية متسلسلة، ورفعها على يوتيوب وساوند كلاود، وغيرهما من مواقع الصوت والصورة، والأمر متاح حتى بالهاتف النقال، ولمشائخنا الكرام أسوة حسنة في تجارب الشيخ عبدالله العيسري، والأستاذ أبو أفلح العبري، وغيرهم في هذا السبيل.
*
أضيف إلى اقتراحاتك المباركة –شيخنا- في هذا الشأن؛ أن تنهض كلية العلوم الشرعية -من باب التفاعل مع المجتمع- بدورات فقهية، للصغار والكبار. فمن لا يتيسر له الالتزام ببرامج #حلقات_المساجد؛ ينل نصيبه من هذه الدورات التي ستحل إشكالات كثيرة، وسترقى –بالتالي- بالمعرفة الفقهية لدى كثير من الناس. وأقترح أن تكون هذه الدورات مجدولة بشكل سنوي، بحسب الإمكان وظروف المشائخ، تدور على مناطق عمان جميعها، ليعم نفعها.
*
نقطة أخيرة، بشأن الكتاب المسموع.. الفكرة رائعة جدا، والأمر متاح للجميع، فالهواتف النقالة تتوفر على تطبيقات مدهشة لتسجيل الصوت، بشكل نقي وواضح. أعني أن الأمر في متناول الجميع، إذا لم يكن في الإمكان التواصل مع استوديو متخصص. ولا بأس أن يتنافس أصحاب الأصوات المناسبة للقراءة في قراءة كتاب واحد، فالناس أذواق، ويمكن –تاليا- عمل مسابقة لأفضل قراءة تشجيعا للمهتمين بهذا الجانب. وسيكون حسنا ممن لديه المعرفة؛ أن يدلنا على أفضل نسخة مطبوعة من الكتب التي ذكرها الشيخ عبدالله تمهيدا لقراءتها ورفعها في المواقع المعروفة كساوند كلاود وغيره..


الخميس، 18 فبراير 2016

ماذا عليَّ أن أقول للمطر ؟!

ماذا عليَّ
أن أقول للمطر ؟!! ..
إن طرَقَ البابَ علينا فجأةً ،
وجاء – كالعادةِ – فخمَ اللونِ والعطرِ
وساحرَ الخُطْوةِ يتلو آيةَ السِّحْرِ
واسَّاءَلَتْ عنك بناتُه:
( أين القصيدةُ التي كانت هنا ؟!! )
ماذا عليَّ أن أقول .. ؟!
إن لم يكن في وسعها
انتظارُ تجهيزِ اعتذارِ عاشقٍ عن موعدٍ قريبْ
ولم يكن في وسعها

احتمالُ أني لن أُجيبْ !

الأربعاء، 17 فبراير 2016

.. أخيرا ..

أخيراً
استطاعَ ظِلُّك
أن يتَّحدَ معك ..
و أخيراً ستذهبان معا
إلى أماكنَ طالما راوحَ فيها بين خطاه..
فيما كان شخصُكِ نائماً على سريرٍ من مرض..
أو قابعاً كيتيمٍ في غُرفةٍ معزولةٍ عن العالم!
طالما حدَّثَني عنك
فأَسمعَ، وأبكى
وطالما حدَّثْتُه عنك
فسَمِعَ ، وبكى
وقد يجمــــــــــــــــــــــعُ الله الشتيتيـــــــــــــــن بعدمـــا

يَظُنَّــــــــــــــــــــان كل الظَّــــنِّ أن لا تلاقيـــــــــــــــــا !

الأربعاء، 3 فبراير 2016

الشوكة والشياكة ..


في زمان بعيد، حين كنت فتى يافعا؛ وصف أحد الجيران قريبا لي بقوله: "فلان دائما (متشيّك)". كانت تلك هي المرةَ الأولى التي أسمع فيها هذه الكلمة، ومن الطبيعي أنني كنت أجهل معناها، لاسيما إذا كانت غريبة في السياق. كان الحديث عن الرجل القريب، فوصفه الجار –فجأة- بهذا الوصف. ولأن الجاهل عدو ما يجهل؛ فقد حسبت أن في الكلمة هجوما على قريبي المذكور، فأعلنت أنا الآخر هجوما على قريبٍ له مساوٍ لقريبي في العمر، وقلت له -بلهجة العارف تماما بمعنى الكلمة-: "ليس هو فحسب؛ فحتى فلان (قريبه) يتشيك دائما"!!


كانت تلك أول معرفتي بالكلمة، ثم أخذت أسمعها ممن يكبروننا سِنّا، وعرفت معناها من السياقات المستخدمة، حتى أصبحَتْ كغيرها من الكلمات المستعملة في لهجتنا اليومية.


لم يخطر ببالي أن أبحث عن أصلها، ولم يلفت نظري شيء ما يدفعني في هذا الاتجاه. وكان غاية ما أعرفه عنها –حتى أيام قلائل- أنها مستعملة في غير لهجة من اللهجات العربية، وأنها -ربما تكون- من ضمن ما ورد إلى لهجتنا من ألفاظ لم تكن مستخدمة في الدارجة القديمة. فكلمة (الشياكة) مسموعة أو معروفة –على الأقل- عند أهل الخليج، ومصر، والشام، وربما في اللهجات المغربية وغيرها أيضا.
  

أقول، كان ذلك حتى أيام قلائل؛ حين طالعت كتاب السيرة الذاتية للفريق أول سعيد بن راشد الكلباني –المفتش العام السابق للشرطة والجمارك-، الصادر عن دار الغشام للترجمة والنشر بمسقط، تحت عنوان (جندي من مسكن: شهد الذاكرة). فقد ذكر في سياق حديثه عن أحوال القرية، وزينة الرجال في الأعياد والمناسبات، ما جاء به تحت هذا العنوان: (الرجل المتشوك). وشرح لاحقا بأن كلمة (متشوك) تعني (المتهندم)، مُقَرِّباً إياها إلى كلمتنا التي نتحدث عنها (متشيك).



يقول: "الرجل المتشوك هو الذي يرتدي ملابس كاملة من دشداشة ومصر ويحمل بندقية ومحزم وسكين ومنقاش/ ملقاط ومكحلة، فيكون بهي الطلعة مهيب المنظر، وعادة يتشوك الرجل (وكأنها تأتي بمعنى محلي آخر هو "يتشيك" أو يتهندم) عندما يكون عريسا أو ذاهبا في زيارة إلى منطقة أخرى أو في الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى...".



وإذن، فللكلمة قرابة بهذه اللفظة المستخدمة من قديم في بعض لهجات عمان، والتي قد تكون خاصة بأهل بلدة (مسكن) من أعمال ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والمناطق القريبة منها. وإذن فهي -كما يبدو جليا- مأخوذة من (الشوكة)، التي تعني (شدة البأس والحدّ في السلاح). فكأن المعنى أن الرجل (يتشوك) في الأفراح والمناسبات الاجتماعية لِيُهابَ ويُحتفلَ بحضوره، كما هو الشأن مع ذي (الشوكة) حين القتال.



ثم شاعت (يتشيّك) أكثر من (يتشوّك)، بسبب التفاعل بين اللهجات العربية. هذا، وقد أثبت معجم اللغة العربية المعاصر كلمة (شياكة) بهذا المعنى: ظُرفٌ وحُسْن تصرُّف، واختيار ملابسَ لائقة تعجب الناظرين، وأناقة.